الموقع قيد التحديث!

نزوح القبائل من معرة النعمان إلى جبل لبنان

بقلم د. حسن البعيني
عن كتابه: بيروت، صيدا وجبل لبنان. 2011
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

يتحدث مصدران رئيسيان عن النزوح من معرة النعمان وجهاتها إلى جبل لبنان، أولهما السجل الأرسلاني الذي تحدّث عن نزوح المناذرة اللخميين سنة 759، وسُمي على اسم فرع منهم هو الفرع الأرسلاني، وهم يعودون في نسبهم إلى ملوك الحيرة المناذرة اللخميين الذين انتقلت قبيلتهم لخم من جنوب الجزيرة العربية إلى البحرين (الإحساء حاليا)، ومنها إلى الحيرة في العراق. وثانيهما كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” الذي تكلّم عن نزوح اثنتي عشرة قبيلة عام 820م، ولو لم يكن هناك اختلاف في تاريخي النزوحيْن وسببيهما، لكان يصح أن يقال إن هناك نزوحا واحدا لا اثنين، نظرا لأوجه التشابه بين المصدريْن المهميْن اللذين اعتمد عليهما المؤرخون سابقا، ولا بد لأي مؤرخ أن يعتمد عليهما بالكتابة عن تاريخ لبنان في العصور الوسطى. وإذا كان هناك شك في بعض موادهما وأخطاء، فإن البعض الآخر مفيد، وإن بعض ما جاء في السجل الأرسلاني منسق مع سياق التاريخ العام، وصحيح.

يذكر السجل الأرسلاني أن فريقا من اللخميين سار مع القائد خالد بن الوليد من الحيرة إلى الشام، وأنه ساهم في فتوح الشام ومصر، وأن القسم الأكبر منه نزل في معرة النعمان بناء لإقرار القائد العام للجيوش العربية، أبي عبيدة ابن الجراح بأمر من الخليفة الراشدي الخليفة عمر بن الخطاب. وفي سنة 758م طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الأمير المنذر وأخيه أرسلان، ابني الأمير مالك بن بركات بن المنذر بن مسعود بن عون ابن الملك المنذر (المغرور) ابن الملك النعمان أبو قابوس، أن ينتقلا إلى جبال بيروت للمرابطة فيها من أجل حماية بيروت من اعتداءات الروم البيزنطيين، وحماية طرقها من اعتداءات حلفائهم المحليين. فاتخذ الأميران من معرة النعمان مقرا برفقة أبناء اخوتهما وسائر أفراد العشيرة، ونزلوا بحصن وادي التيم ثم بالمغيثة (أرض واقعة بين ممرّ ضهر البيدر والمديرج)، ثم اعتزلوا المضارب وتفرّقوا في البلاد. ومن الانتقادات الموجّهة إلى السجلّ الأرسلاني إيراده اسم (أرسلاني) بدلا من (رسلان) الذي هو الاسم الحقيقي المأخوذ عن السلاجقة.

استقدام العباسيين للمناذرة اللخميين من أجل الإقامة في جبل بيروت، هو من جملة إجراءات اتخذوها لبسط سيادتهم في جميع أراضي الدولة، وصدّ غارات الروم، وقمع الاضطرابات، إذ تجددت غارات الروم على الثغور الشامية مستغلين ضعف المسلمين إبّان الصراع بين الأمويين والعباسيين، وإبان انشغال العباسيين بتثبيت دعائم خلافتهم، وترافق ذلك مع قيام البدو بالاعتداءات على القرى وغزوهم الأراضي وتحويلها إلى مراعٍ، ومع انطلاق من سُمّوا المردة، وهم الموارنة، من الجبال اللبنانية والإغارة على البقاع والاعتداء على الطرق بينه وبين الساحل. ومما زاد في ضعف إشراف العباسيين على بلاد الشام بُعدهم عنها. كل هذا حمل الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور على استقدام المناذرة إلى جبال بيروت لوقف اعتداءات الموارنة، والدفاع عن السواحل ضد هجمات الروم.

كان الأسلوب المتّبع للدفاع عن الثغور من قبل، هو قدوم جماعات من الداخل (دمشق أو بعلبك) عند حصول الغارة أو توقع حصولها، فتقيم في الثغور مدة ثم ترحل، إلا أن الخليفة العباسي شاء، باستقدام المناذرة إلى جبل بيروت، إنزال جماعات ثابتة فيها تشكّل قوة ذاتية تدافع عنها، تدعمها عند الحاجة قوة من الداخل. وبما أن أبناء الأمير أرسلان سيترأسون إمارة المناذرة في جبل لبنان ستُعرف إمارة هؤلاء بالإمارة الأرسلانية.

يتحدث كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” عن نزوح سنة  820م، فيقول إن اثنتي عشرة طائفة أي عشيرة استقرّت في معرة النعمان، بعد نزوحها إليها من الحيرة. وأن  أحد الأعوان فيها من قِبل والي حلب، اعتدى على فتاة منهم، مما دفع بأحد اقاربها (نبا) إلى قتله والرحيل إلى لبنان. وحين طلبه والي حلب من عشيرته ساءت الأوضاع بينهم وبينه، وتركوا معرة النعمان وجاءوا إلى جبال لبنان. وهذا السبب يكفي وحده أن يكون وراء نزوح جماعة حسب ونسب، لا يتحملون التعرّض للشرف ويأبون الظلم، إلا أنه قد يكون متضافرا مع أسباب اقتصادية وسياسية ناجمة عن سياسة القمع والتشدد التي اتّبعها الخليفة العباسي المأمون، وأدّت إلى انتفاضات في حاضر قنسرين وحاضر حلب سنة 814م.  إن الاثنتي عشرة عشيرة بلغت في لبنان مع فروعها ماءة وإحدى عشرة عشيرة، هي جذور الكثير من الأسر الموجودة حاليا في جبل لبنان الجنوبي بأسماء مختلفة. لأن أجداد الأسر الحالية عُرفوا في الماضي بأسمائهم وأسماء آبائهم وبصفاتهم، في التخاطب والتوقيع والإحصاءات الرسمية، فأصبحت هذه الأسماء أسماء الأسر الحالية، مع الإشارة إلى أن أسماء بعض العشائر القديمة لا تزال متداولة إلى اليوم، مثل بني أرسلان وبني أبي اللمع وآل عبد الله وبني هلال وبني معن وبني حرب وبني هاشم وبني حصن وبني محرس وبني حاتم وبني فايد.

مقالات ذات صلة:

الحِداد في المجتمع الدرزي

لقد علّمتنا التربية التوحيدية أن نلتزم بالقضاء والقدر، ومنذ نعومة أظفارنا، ونحن نؤمن أن الموت والحياة هي بيد الله سبحانه

ألف سنة وألف بطولة

إن طائفة صمدت ألف سنة، أمام حروب وأعداء وأعاصير ومحن، كالتي مرّت بها الطائفة الدرزية، لا بدّ أنها جُبلت من