الموقع قيد التحديث!

كلمة فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف: ويبقى عيد الأضحى المبارك بوصلة الأمن والأمل في قلوب عباد الله المؤمنين

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئّيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة ورئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الّذي أوجد الأعياد بميقاتٍ ومقدار، وجعل في أيّامها خيرِ موعظةٍ وتذكار، والصّلاة والسّلام على أنبيائه الطّهرة الأبرار، مصابيح الحقّ في اللّيالي وشموسِ المعارف في وضح النّهار.
إخواني أبناء الطّائفة الدّرزيّة الأكارم،
أيّها المتنصّلون عن الدّنيا الفانية في طلب الآخرة الباقية، والسّاعون بتحكيم العقل إلى فهم المعاني التّوحيديّة الرّائقة، باذلين في حبّ المولى تبارك وتعالى أجلّ التّضحيات، واثقينَ بجريان عدله إن منع وبحُسن كرمه فيما هو آت، قد جاءنا وإيّاكم عيدُ الأضحى المبارك فهلمّوا نجدّد الخير والتّوبات، ونطهّر الأعمال والطّاعات من شوائب النّيّات.
لا يزال عيد الأضحى المبارك منذ مطلع التّاريخ واحدًا من بوصلات الأمن والأمل في قلوب عباد الله المؤمنين، في حين يوفّر للإنسان وقفةً صادقةً عميقةً مع ذاته وأعماله، متفكّرًا فيما قدّم من أفعال وأعمال، مستذكرًا ما تفضّل عليه النّاسُ خلال العام من خيرٍ وإحسان، ومحاسبًا نفسَهُ على تقصيرها أو إساءتها في الحقّ المفروض نحو الأهل والإخوان، ليسعى بصدقِ العزم والنّوايا إلى إعادةِ بناء الجسور، ويعمل على تحريك شعلة المحبّة الّتي أطفاها الفتور، فاتحًا مع الآخرين قنوات التّواصل والحوار مهما طال الانقطاع، حاملًا رسالة الإنسانيّة ومخلصًا فيها الاتّباع.
فقط هكذا تتمّ أيّها الأخوة بهجةُ هذا العيد السّعيد، الّذي صار منذ قديم الزّمان نهجًا أخلاقيًّا متوارثًا، يذكّرنا بضرورة التّضحية بالأنا من أجل مصلحة الجميع، وتتبّع سُبُل الفضيلة في تقبّل ومحبّةِ الغير رغم كلّ الفروق والاختلافات، مستلهمين من سير الأنبياء عليهم السّلام دروسًا في التّضحية من أجل الوصول إلى أشرف الغايات. فها هو يوسف عليه السّلام قد عايش في السّير نحو الخلاص برودة الجبّ ومرارة السّجن، مضحّيًا بسنوات عمره في سبيل الرضى بقضاء حكم الله، ليُجزى بعد الصّبر علوًّا وارتفاعًا، وينال من شدّته عزًّا وانتفاعًا. وهذا حالُ أيّوب عليه السّلام، المشهور الصّابر على الأوجاع والآلام، المسلّم الرّاضي على شدائد الأحكام، مضحيًّا من أجل تحصيل الرّضى بصحّة الجسد وزوال المال، واثقًا بجود الكريم الغنيّ عن الطّلب والسّؤال، ليُعطى بعد تضحيته الطّويلة خيرًا وتوفيقًا، وتضرب الكتب في سيرة صبره مثلًا وتحقيقًا، معلّمًا إيّانا أنّ الخير لا يُقطف إلّا ببذل التّضحيات، وتشمير العزائم في طلب السّعادة والنّجاحات، فلولا صبر النّاجح على السّهر لم يحالفه حظّ التّفوّق والظّفر، ولولا تضحية المؤمن بما تستهويه النّفس من مهاوي المحرّمات، لم يرسخ في قلبه من لذّة المعرفة أثر.
عليه، وفي هذه المناسبة الجليلة، نتوجّه إليكم جمعًا أيّها الأهل الكرام، وندعوكم لنعيد لهذا العيد نهجَه التّراثيّ المتوارث، متّخذينه فرصةً من أجل تصفية القلوب من الضّغينة والمشاحنات والاختلاف في المواقف والأفكار، ومن أجل الوقوف إلى جانب عائلات كثيرةٍ فقدت عزيزًا خلال هذا العام، ولم يُكتب لها أن تفرح وتحتفل في هذه الأيّام.
إنّها بلا شكّ أخلاقيّات التّوحيد الّتي تربّينا عليها منذ كنّا صغارًا، والّتي يجب علينا جميعًا أن نعمل على تثبيتها وتمريرها لنحافظ على أواصر التّماسك والوحدة والأخوّة، كمجتمع واحدٍ متكاملٍ، تجمعه ذات الثّوابت الأخلاقيّة، وتميّزه نفس الهويّة المعروفيّة.
نعم أيّها الإخوة، فلا تقدّم لمجتمع بلا تضحيةٍ، ولا دوام لطائفة دون التمّسّك بالعادات، والرّجوع إلى الأصول، وحفظ الماضي بكلّ ما فيه من تاريخٍ عريق نتيح له الفرصة الصّادقة ليعيش إلى جانب التّطوّر والحداثة، وتبنّي الحضارة الحقيقيّة الرّاقية، لا المزيّفة.
هذه هي رسالة الأضحى المبارك الّذي نستضيفه مجدّدًا بعد مضيّ عامٍ على جائحة الكورونا، حيث سنعودُ مرّةً أخرى خلال هذا العيد لفتح أبواب البيوت، وللاجتماع مع العائلة والأقارب والأصدقاء، وإحياء الشّعائر الدّينيّة والصّلوات، مستّغلين أيضًا هذه الفرصة للتّذكير والتأكيد على ضرورة الاستمرار بأخذ الحيطة والحذر حفاظًا على السّلامة العامّة وصحّة المحيطين.
في النّهاية، نتقدّم مرّة أخرى بأجمل التّهاني القلبيّة وأعطر الأمنيات الأخويّة، إلى عموم أبناء طائفة الموحّدين الدّروز في البلاد والخارج، وإلى أبناء الأمّة الإسلاميّة جمعاء، رافعين الأيدي والقلوب إلى علّام الغيوب، سائلينه عزّ وجلّ أن يعود الأضحى عليكم والجميع في صحّة وسلامة وهدأة ضميرٍ وبال.
كما ونبتهل إلى الله عزّ وجلّ أن يوفّق أبناء طائفتنا الدّرزيّة العزيزة أينما كانوا وأينما حلّوا، وأن يعودَ علينا عيدُ الأضحى في العام المقبل، وقد وفّقنا الحظّ بلقاء إخواننا أبناء الطّائفة من سوريا، ولبنان، والأردن والجاليات، وهم يعيشون في أمنٍ وسلامٍ ومحبّةٍ واستقرار.
اللهم ببركة هذا العيد وقدسيّة تاريخه ومعانيه، أنعم علينا بحلول السّلام المنتظر فوق ربوع بلادنا ودول العالم أجمع. هناك، حيث نستطيع أن نعيش معًا تحت شعار الإنسانيّة الّذي لا يعرفُ التّفريق والتّمييز.
أضحى مبارك للجميع، وكلّ عام وأنتم بألف خير!
أخوكم
الشّيخ موفق طريف
الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة
رئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى.

مقالات ذات صلة:

أَلنَّبِيُّ شُعيبٌ عليهِ السَّلامُ في كتابِ “مُختصرُ تاريخِ يَهْوَه” لِباحِثِ التَّوراةِ الدُّكتورِ ﯦِﭽﺎئِيل بِن نُوْن

• أَلاسم “يَهْوَه”، أَقدسُ أَسماءِ اللهِ تعالى في اليهوُديَّة، دخلها من أَراضي اليَمَنِ، ومَدْيَنَ، وسِيْنَاءَ، وآدُوْمَ، وسَعِيْرَ، وفَارَانَ، وهي الأَراضي

حول الأضحى المبارك..

قال بعض الحكماء: الآداب والفضائل الإنسانية ثلاث: حق وواجب وتضحية، الحق ما هو لك، والواجب ما هو عليك، والتضحية أن