الموقع قيد التحديث!

الوعي التوحيدي وتطويره

بقلم د. جبر أبو ركن
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

المقصود بالوعي التوحيدي في هذا المقال هو المعرفة التوحيدية وتعاليمها والحياة بموجبها علما وعملا، نظريا وفعلا، سلوكا وممارسة. التفاوت والفروق بين درجات الوعي التوحيدي، تعود إلى ظروف الحياة المختلفة والمتناقضة التي عاشها الموحدون ماضيا ويعيشونها حاضرا.

يعتقد أن بداية الوعي التوحيدي حدثت منذ بزوغ التوحيد في العقل البشري، زمن الحضارات القديمة، والذي يرتكز على وحدانية الخالق، ووجدوه وخلوده، وعلى العقلانية في حياة البشر، والامتناع عن إيذاء الغير، وعلى المنهج الأخلاقي الداعي إلى السلام والأخوة والمحبة والتسامح واحترام الفروق بين البشر. ومن الجدير ذكره أن آخر حلقة من حلقات التوحيد الخالدة، ظهرت وتكوّنت قبل حوالي ألف عام في القاهرة التي كانت مركزا حضاريا عالميا في القرون الوسطى، وتجمّعت فيها حضارات هامة في تاريخ البشرية والعالم، من فترة الفراعنة المصريين واليونان القديمة والرومان والهلينيين وديانات وفلسفات عديدة منها الإسلام والمسيحية واليهودية وتعاليم فارسية وهندية وغيرها. وفي تلك البيئة القاهرية الراقية والمجمع الحضاري تبلور التوحيد في آخر مراحله وحلقاته وظهر على مسرح التاريخ كديانة روحانية فلسفية توحيدية عقلانية، وبعد مرور ألف عام على دعوة التوحيد ما زال قسم من الموحدين في درجة بسيطة وضعيفة من الوعي التوحيدي. كيف يمكن تطوير الوعي التوحيدي؟؟

الطريقة والنهج الذي يتّبعه ويعيشه الإنسان يقرر مدى تطوره العقلي والفكري والنفسي والروحي في حياته هذه ويقرر مصيره في أجياله القادمة لأن الماضي بدوره هو سبب ومصدر المستقبل. تطوير الوعي التوحيدي الحديث يحتاج إلى عوامل وأسس عديدة منها:

1-       الصدق في النوايا والأفكار والأقوال والأعمال. وهو من دعائم وتعاليم التوحيد الأساسية والمهمة جدا. والتحرر من الكذب بواسطة اتباع الصدق والنوايا السليمة التي هي أساس ومصدر الأفكار والأقوال السليمة.

2-       الامتناع عن إيذاء الغير بكل أنواع وأشكال الأذى جسديا ونفسيا وقولا، اجتماعيا واقتصاديا.

3-        تحرير العقل والنفس من كل ما يعيق ويمنع تطور الإنسان عقليا ونفسيا وروحيا في حياته منذ الولادة حتى الموت.

4-        التحرر من الطمع والأنانية، وهي من الأسباب التي تعرقل تطوير شخصية الإنسان وتمنع الرقي العقلي والروحي والتوحيدي.

5-       المعرفة الحقيقية والموضوعية للأشياء والأحداث كما هي بالفعل، بدون أكاذيب وتزوير وزيادة ونقصان كما هو في السياسة والتاريخ وغيرها من مصادر غير موثوق بها.

6-       اتباع المسلك السلمي مع كل الناس والبشر من قريب وبعيد، بدون أي عنف أو إيذاء أو اعتداء.

7-       احترام وتقبل الغير كما هو واحترام الفروق بينك وبين الغير في كل المجالات اجتماعيا وسياسيا ودينيا وقوميا وغيرها. الفروق والتباين بين الناس والبشر هي أمور طبيعية والمهم فهمها وتقبلها والعيش بسلام وأمان معها إذا أمكن ذلك. من هنا أهمية التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب والدول والطوائف والديانات.

8-       أدب الدين قبل الدين: الدين هو مصدر للآداب والمعاملة والسلوك الحسن والإيمان والتوحيد بين البشر وليس للعنف والصراع والحروب والتفرقة والتباعد، ومع ذلك ما زال بعض الجماعات والقادة يستغلونه من أجل أطماعهم القومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية والطائفية، وهذا يقود إلى الصراعات والخلافات على مستوى الفرد والجماعة والشعب والدولة، كما كان في التاريخ القديم وما زال في الحاضر، استغلال الديانات من أجل أهداف وأطماع مختلفة وغير إنسانية يؤدي إلى النزاعات والمشاكل المختلفة وهذه ذنوب وجرائم ضد الله وضد الإنسانية.

9-       النهج الروحاني في حياة الإنسان الذي يجمع خلاصة ما ذُكر سابقا، هو العامل الشامل الذي يساعد الإنسان في التطور من المستوى الحيواني والمادي السفلي في الوجود إلى المستوى الإنساني والعقلي والتوحيدي الأعلى في مسيرته الأبدية من عالم المادة إلى عالم الروح، من عالم الفناء إلى عالم البقاء، من العالم البشري إلى العالم الإلهي، من عالم الصراع والشقاء والتناقض، إلى عالم السلام والسعادة والتوحيد، لا يكفي القول والكلام والعلم النظري من أجل تحقيق الأهداف، بل على الإنسان الفرد بذل المجهود والطاقة والإرادة اللازمة من أجل تحويل وتنفيذ التعاليم النظرية والأفكار والأقوال إلى أفعال وواقع يعيشه كل يوم وأسبوع وشهر وعام وكل حياته، بواسطة الممارسة الفعلية لهذه الأفكار والنظريات، وعليك بنفسك أولا أيها الإنسان.

10-    المعرفة والقدرة على التمييز بين الخير والشر وبين الحلال والحرام والحياة والعمل بموجبهم، ترك الشر والحرام والابتعاد عنهم، واتباع الخير والحلال في كل أمور وقضايا حياتنا، هذا النهج يقود الإنسان إلى درجة راقية وعالية من الوعي التوحيدي والحضاري والإنساني حاضرا ومستقبلا. وفقكم الله تعالى وأيدكم وهداكم بروح منه، روح المحبة الإلهية مصدر الوجود والعالم والكون وكل ما فيه آمين يا رب العالمين.

مقالات ذات صلة: