الموقع قيد التحديث!

ألف سنة وألف بطولة

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

إن طائفة صمدت ألف سنة، أمام حروب وأعداء وأعاصير ومحن، كالتي مرّت بها الطائفة الدرزية، لا بدّ أنها جُبلت من شجاعة فائقة، وبسالة خارقة، وقوة هائلة كامنة فيها، لا تخبو، وتظل طوال الوقت، يقظة، جاهزة لردّ كل عدوان، ولصدّ كل من تسوّل له نفسه، أن يمسّ هذه الطائفة، وأن يتعرّض لها. إن البطولة التي نشهدها في عصرنا، سواء في تضحيات أبنائنا وشهدائنا هنا، في الدفاع عن دولة إسرائيل، أو في الأحداث والحروب والثورات، التي وقعت في سوريا في القرن العشرين وما بعد، أو في الصراعات الدموية والصدامات، التي واجهتها الطائفة في لبنان، هذه البطولة تتجلى دائما، في كل فترة برز فيها الدروز، في منطقة، ما فتألّب عليهم الأعداء حولهم، وحاولوا القضاء عليهم، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، وظلت الطائفة شامخة طوال الوقت.

لا توجد في العالم طائفة مسالمة، طائفة تحب الخير للغير، طائفة تعيش على الفضائل الإنسانية، والمناقب الروحانية، وتعتبِر القوة مجرد وسيلة للدفاع عن النفس فقط، مثل الطائفة الدرزية. وهذا يبدأ من طبيعة وروح دعوة التوحيد الدرزية، التي لم تعتمد على القوة في بسط نفوذها، ولم ترَ بالسيف وسيلة لتقبّل مبادئها، ولم تجعل من التهديد والوعيد، حافزا لاستمراريتها، وإنما اعتمدت على شرح مبادئها لمن يرغب بذلك، وفتحت فرصة لتقبّل الدعوة، استمرت ست وعشرين سنة، وبعدها أُغلق الباب، وظلّ الكيان الدرزي قائما بالوراثة والتوالد، يقوى من جيل إلى جيل، وتشتد أسسه عندما يواجه الآخرينن ويصمد ثابتا قويا في كل ظرف.

لا توجد طائفة تنادي بالمحبة، وتسعى إلى التعاون والتوافق مع الآخرين، أكثر من الطائفة الدرزية، التي تكتفي بما تملك، ولا تطمح بالتوسّع، وتربي أبناءها على التواضع، وعلى البساطة، وعلى شظف العيش. فليس لها أي دافع لأن تعتدي على الآخرين، لكنها وإن جُرحت كرامتها، تتحوّل إلى أسود كاسرة، وتدافع عن كيانها وشرفها ببسالة حتى الموت.  وفي تاريخ الطائفة الدرزية، ذكر لعشرات المعارك والحروب والمناوشات والصراعات الدموية، التي فُرضت فرضا على الدروز. وخرج منها الدروز منتصرين، قانعين أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام أنبيائه، أنهم لم يعتدوا، وإنما دافعوا عن كيانهم. ولم تكن للطائفة الدرزية قنابل ذرية، ولم تملك الصواريخ والطائرات، ولم تستعمل المدافع والدبابات، وإنما شارك أبطالها في الحروب والمعارك، بقوة سواعدهم، مستعملين السلاح الأبيض فقط. وأثبت التاريخ، أن من يعتقد أن طريقه صحيح، وأن غاياته سليمة، وأن وقوفهم في المعركة هو استجابة لغريزة البقاء والصمود، وأن الله حاضر ناظر، يشهد ما يفعل، وكيف يتصرّف، هذا المقاتل، يضع الله أمامه، ويضع طائفته في مقدمة اهتمامه، ويستميت في الدفاع عنها، وغالبا ما ينصره الله، ويبعث به العزيمة، ويجعله يتغلب على أعدائه. ومن يقرأ التاريخ الدرزي، يعثر على عشرات القصص من البطولة، ومن التفوّق، ومن تحقيق الإنجازات الفائقة، والتي أصبحت كلها مجتمعة، تروي وتشهد وتتحدث عن بطولات أبناء التوحيد. 

وها نحن في مؤسسة الشهيد الدرزي في بلادنا، نرعى عائلات الشهداء، نخلّد ذكراهم، ونعمل كل شيء من أجل تربية النشء الجديد، على تقدير واحترام ما فعله هؤلاء، الذين ضحوا بأرواحهم، من أجل الطائفة والدين والعرض والأرض. ونحن نعلم أن إخواننا عبر الحدود، يقومون كذلك بتخليد ذكرى شهدائهم، وباحترام تضحياتهم، وبالحديث عن بطولاتهم. وهذه الأمور هي بمجرد الغذاء الروحي، الذي ينتقل من جيل إلى جيل، ومن مجمع درزي إلى مجمّع درزي آخر، ويوجّه الأجيال الجديدة، أن تستمر في المحافظة على الكيان التوحيدي، وعلى سلامة الطائفة ونقائها واستمراريتها، كي تحقق الأمور والغايات والأهداف التي نشأ من أجلها دين التوحيد. استغل الزيارة السنوية لمقام سيدنا الخضر (ع)، متوجّها بالمباركة لأبناء العائلات الثكلى في بلادنا، ولجميع أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان، راجيا من الله، أن تنتهي الحروب، وأن يعمّ السلام، وأن ينعدم الثكل من الوجود.

مقالات ذات صلة:

لقب بني معروف

أُعطي هذا اللقب للدروز وهم يطربون له عند سماعه، واختلف فيه الباحثون، فمنم مَن يعتبره اشتقاقًا لغويًّا من المعروف، بمعنى