الموقع قيد التحديث!

الحِداد في المجتمع الدرزي

بقلم الشيخ أبو حسن يوسف مهنا فرج
يانوح
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

لقد علّمتنا التربية التوحيدية أن نلتزم بالقضاء والقدر، ومنذ نعومة أظفارنا، ونحن نؤمن أن الموت والحياة هي بيد الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان مهما حاول أن يهرب من الموت، لن يستطيع ذلك، إذا كان هذا الأمر مكتوبا عليه. ومن هذا المنطلق، تعوّد المجتمع الدرزي أن يتقبّل أي حدث موت، أو أي مصيبة أخرى، بالرضى والتسليم، وبالصبر اعتمادا منه، أن الله سبحانه وتعالى، يفرض على كل إنسان، أن يمرّ بكافة التجارب الدنيوية، حلوها ومُرّها. واستنادا إلى المبدأ القائل إن، الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان صفحة بيضاء تقبل الخير وتقبل الشرّ، ومنحه العقل كي يختار هو نفسه مسيرة حياته، عندما يبلغ، وكيف يتصرّف مع الناس، وكيف يتعامل مع البشر، وفي حياته اليومية، وفي عمله، وحتى إن كان مسئولا، كيف ينظر إلى من يرأسهم وما شابه. ونحن نرى أن المجتمع مليء بكل أنواع البشر، فنجد التقيّ المتديّن الورع الناسك، وإلى جانبه المؤمن الصادق، هذا في أقصى جهة الخير وفي أقصى جهة الشرّ ،نجد الإنسان الشرير الظالم المتجبّر السارق القاتل، وإلى جانبه أشخاص لهم شرور أقل. وفي الوسط نجد الغالبية العظمى من الناس، التي تسير عادة على طريق الخير والاستقامة والمعاملة الطيبة مع الجميع لكنها لا تخلو أحيانا من بعض الهفوات. وعندما يتزوّج الإنسان يفرح كثيرا، وعندما يولد له طفل أو طفلة يستبشر خيرا بالحياة، وعندما يمنحه الله عملا جيدا أو وظيفة مرموقة أو ثروة قيّمة، يزيد هذا من فرحه واعتزازه. وبالعكس، عندما يفقد الإنسان عزيزا عليه، فإنه يحزن ويتألم وتسوّد الدنيا في عينيه، وينطوي على نفسه وينعزل عن الناس ويعلن الحداد. والمنطق السليم يقول لا هذا مقبول ولا ذاك مقبول. فعلى الإنسان ألا يبتهج ولا يبالغ في فرحه وبهجته وسروره وفي نفس الوقت عليه أن يتقبّل أي مصيبة أو أي حدث طارئ محزن بشجاعة وصبر، فإن فقد عزيزا عليه، عليه أن يتقبّل ذلك بحكمة وبجلد أولا، لأن الحزن والندب والعويل لا يفيد، وثانيا عليه أن يعلم أن أي أمر يصيبه، هو قدر مكتوب عليه من الله سبحانه وتعالى، فعليه أن يتقبّله راضيا مسلّما. ومن هنا نرى في حياتنا أحيانا مبالغة وتشدّدا في الحداد والحزن عند وفاة إنسان عزيز على العائلة، ومهما كان الحدث عظيما، والفاجعة قوية، والألم شديدا، يجب أن يتصرّف الناس باعتدال. وقد تعوّدنا في مجتمعنا على قهر النفس، أي التغلّب على العواطف، ومن هذا المنطلق، يجب عند وقوع وفاة أو رحيل إنسان حبيب علينا، أن نحزن عليه، أن نبكي وأن نتألم وأن نودّعه وذلك لفترة محدودة فقط، وعلينا ألاّ نبالغ أو نتشدد في الحداد واللوعة، لأن ذلك قد يجلب لنا حدثا أصعب ومصيبة أكبر، ولا توجد قوانين أو معادلات يستعملها الناس لقياس الحداد، ومن المتّبع في مجتمعنا عادة، أن يتجنّب الإنسان الذي توفي عزيز له، الأفراح والمباهج والاحتفالات لفترة، وهي مرور عيد الأضحى على هذا الحدث، فإذا وقع أمر قبل ثلاثة أشهر، مثلا ومر العيد، يجب أن يعود الإنسان إلى حياته الطبيعية، وهذا أمر غير مكتوب في أي مكان، لأن الفروض الدينية تقول، إن الحداد غير مسموح به بتاتا، ولا يمكن للإنسان أن يعترض على حكم الله، لكن الأتقياء يشعرون مع المنكوبين والمصابين، فتيعاطفون معهم، من الناحية الإنسانية، مراعاة لشعورهم. وهناك أناس شديدو الإيمان، ثابتو العقيدة، يتقبّلون الفرح والألم برباطة جأش ويرزانة، ويمارسون حياتهم العادية بعد مرور الأزمة بأيام، وقد علّمنا الوالد المرحوم الشيخ أبو علي مهنا فرج، أن الصبر والتسليم بقضاء الله يبعث في النفس القوّة لمواجهة الصدمة وللتغلب على الحزن. فما كُتب وما حدث انتهى، ولن يتغيّر الوضع، وقوة المؤمن هي أن يعود لحياته الطبيعية، لأن الله سبحانه وتعالى، خلق الكون لكي يكون عامرا، ولكي يكون المجتمع زاخرا بكل شيء، وهو يطلب من الإنسان أن يرأف بأخيه الإنسان، وأن يدعمه وأن يساعده. ولذلك نجد المشاطرة في حزن الآخرين، وقضية مواساتهم ومشاركتهم، هي فرض أساسي جذري في المجتمع الدرزي، حيث يُعتبر المأتم الدرزي موقفا حضاريا رائعا، نفخر به، ونعتز بوجوده، ونعتبره دليلا على إيماننا وثقتنا بأنفسنا وأوليائنا وأنبيائنا ومشايخنا ورجالنا الأكارم.

مقالات ذات صلة:

أَلنَّبِيُّ شُعيبٌ عليهِ السَّلامُ في كتابِ “مُختصرُ تاريخِ يَهْوَه” لِباحِثِ التَّوراةِ الدُّكتورِ ﯦِﭽﺎئِيل بِن نُوْن

• أَلاسم “يَهْوَه”، أَقدسُ أَسماءِ اللهِ تعالى في اليهوُديَّة، دخلها من أَراضي اليَمَنِ، ومَدْيَنَ، وسِيْنَاءَ، وآدُوْمَ، وسَعِيْرَ، وفَارَانَ، وهي الأَراضي