في ذكرى مؤسس العمامة المرحوم الشيخ سميح ناطور​

نبذة عن المرحوم الشيخ سميح ناطور:

شريط فيديو: نبذة عن المرحوم الشيخ الكاتب سميح ناطور –مؤسس مجلة “العِمامة” ومحرر “موسوعة التوحيد الدرزية” 1946-2020

من لامسَ شغاف القلب والعقل والروح يدوم ذكره على مر الزمان..

 

المرحوم الشيخ سميح ناطور 1946-2020

وُلد الشيخ سميح ناطور بقرية دالية الكرمل بجوار مدينة حيفا على قمة جبل الكرمل عام 1946 ميلادية، لعائلة ناطور التي تعود جذورها الى عائلة ضو في قرية زرعون اللبنانية. ونشأ فيها في بيت علم وصلاح وترعرع في جو من الأدب والثقافة، وقد كدّ والده المرحوم الشيخ الشاعر نايف ناطور على تعليمه القراءة والكتابة وعمره ثلاثة اعوام فقط، وأقتنى له لوحاً وطباشير، وكان في هذا السن يتقن كتابة اسمه الكامل بثلاث لغات، العربية والعبرية والانجليزية، وقد برز نبوغه منذ ذلك الحين، فبدأ تعليمه في مدرسة القرية بتفوّق، وصبّ جلّ اهتمامه على قراءة كتب الأدب والشعر إذ قرأ خلال فترة دراسته الابتدائية مئات الكتب التي كانت تزيّن وتنير مكتبة والده، وشرع بنظم الشعر الموزون المقفى وبنشره في مجلة “حقيقة الامر” وصحيفة  “اليوم”، وقد فاز في عام 1958 بالجائزة الثالثة للشعر، وهو في الثانية عشرة من العمر فقط، في مسابقة بمناسبة مرور عشر سنوات على إقامة دولة إسرائيل، شارك فيها عدد من كبار الشعراء من العرب واليهود. لم يتوقف يوماً شغفه بالعلم والمعرفة، وانتقل في العام 1960 للدراسة الثانوية في المدرسة البلدية في حيفا، ليتخرج منها في العام 1964. قبل ذلك بعامين، في العام 1962، أسس مع مجموعة من زملائه أول تجمّع شبابي في قريته تحت اسم “النهضة الثقافية لشباب دالية الكرمل” الذي سرعان ما تحوّل الى نادٍ يعجّ بالنشاط في إحدى بنايات القرية التي تمّ استئجارها، يستضيف كبار الكتّاب والشعراء لإلقاء المحاضرات ويُصدر نشرات ويقوم بتنظيم فعاليات ثقافية مختلفة، ولم يمضِ سوى عام واحد على تأسيس هذا النادي، حتى انتُخب سميح وهو في السابعة عشرة من العمر فقط، رئيسا له. وقد دعي في نفس العام 1963 الى القدس مع الشاعر سميح القاسم والكاتب محمود عباسي، لمقابلة رئيس الحكومة في حينه ليفي إشكول، الذي شجعه على الاستمرار في حقل الثقافة والأدب. وبعد أن تفتحت أمامه أفاق جديدة واسعة، تسجل لدراسة الطب في الجامعة العبرية وقُبل، الا أن سلطات جيش الدفاع، لم تسمح له آنذاك أن يدرس سنوات طويلة قبل الخدمة العسكرية الإلزامية، وسمحت له أن يدرس في كلية الآداب لمدة ثلاث سنوات، فدرس العلوم السياسية والتاريخ العام، وتخرج في العام 1968 حيث كان أول طالب وخريج جامعي من قريته. لم تتوقف عند ذلك طموحاته ومحبته للعلم، فواصل تعليمه للقب الثاني. وبعد أن قام بنشاطات كثيرة وهامة أثناء دراسته الجامعية عُين حالاً مديراً مسؤولاً عن أندية الشبيبة في شرقي القدس وقام بنشاطات جمة من أجل التقارب اليهودي العربي.

المرحوم الشاعر الشيخ أبو سميح نايف توفيق ناطور

الشاب سميح ناطور في الثانية عشرة من العمر يلقي قصيدة في مسابقة بمناسبة مرور عشر سنوات على إقامة دولة إسرائيل حيث فاز في بالجائزة الثالثة 1958

اجتماع منظمة النهضة الثقافية لشباب دالية الكرمل 1962

المرحوم سميح ناطور يستلم شهادة اللقب الاول من رئيس الجامعة العبرية في القدس 1969 حيث كان اول جامعي يتحرج من دالية الكرمل

في العام 1974، شرع على الفور بتحقيق حلمه وطموحاته التي لم تعرف حدوداً، في اصدار الكتب والموسوعات والمجلات والالبومات والنشرات التعليمية والتثقيفية فأسس داراً للنشر اطلق عليها لاحقاً اسم “دار اسيا” للنشر، وبرع بإصدار الموسوعات والكتب والقواميس، وكان من السبّاقين فيها وقد حظيت باهتمام منقطع النظير ورواج لم يسبق له مثيل، واستمر في عمله المبارك هذا طيلة حياته، الى أن وافته المنية مطلع شهر أيلول من العام 2020، ليس قبل أن يُخرج الى النور ويُثري المنازل والمكتبات بعشرات الموسوعات والكتب والقواميس والألبومات والمنشورات التي سنرفق قائمة بها كملحق بهذا النص.

المرحوم سميح ناطور يستقبل رئيس الدولة اسحاق نافون في معرض الكتاب الدولي في القدس في جناح دار اسيا للنشر

محطات وابداعات وطموحات المرحوم الشيخ الكاتب سميح ناطور أبو وسام كانت واسعة والحمد لله، ففي العام 1982، أطلق مشروعا جديداً واسس مجلة “العمامة”، التي تبحث بشؤون الطائفة الدرزية من منظور خاص مميز، يليق بها وبرفعتها وبمكانتها، وسرعان ما تحولت الى محط أنظار مشايخ وأبناء الطائفة الدرزية محلياً وشرق أوسطياً وعالمياً، وشكلت هذه المجلة التي ابتعدت عن القضايا السياسية، منبراً هاماً للكثير  من المؤسسات والمشايخ ورجال الدين والكتّاب الدروز الغيّورين على رفعة وسمو طائفتهم وأبناء عشيرتهم المعروفية. ومنذ تأسيسها وحتى يوم رحيل الشيخ الكاتب سميح صدر 153 عددا من هذه المجلة التي وزعـت مجاناَ في المقامات والخلوات والمناسبات المختلفة.

وفي العام 1986، أبرم المرحوم الشيخ سميح اتفاقية مع دار “الشعب” للنشر في القاهرة لإصدار موسوعتي الموارد والألفيات التي شاع استخدامهما وذكرهما على مدار سنين طوال، واستطاع أن يقيم علاقات واسعة مع دور نشر أخرى في كافة أنحاء المعمورة خصوصاً وانه قد عُرف بمشاركته الواسعة في معارض الكتب الدولية كناشر وكرائد في هذا المضمار وقد ألّف وأصدر كتباً بثلاث لغات، العربية والعبرية والانجليزية. ومثّل في الثمانينات في معرض الكتاب الدولي في القدس الأديب والكاتب الكبير والمشهور نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للأدب بعد أن التقى به في القاهرة ودور نشر مصرية بالتعاون مع السفارة المصرية في البلاد.

المرحوم الكاتبب سميح ناطور مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ

لقد ربطت المرحوم الشيخ سميح علاقة وطيدة برئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين، حيث رافقه في العام 1993 في طائرته الخاصة زيارةً للصين، وقد شملت جولة السيد رابين في حينه دولاً مثل اندونيسيا وسنغافورة وكينيا، واتفق مع السيد رابين على اصدار موسوعة عربية شاملة ضمن مسيرة السلام مع العالم العربي والتي صدرت عام 1995. وكذلك على اصدار كتاب باللغة العربية يتناول سيرة حياته، وقد صدر هذا الكتاب في العام 1995 بعد اغتياله. كما ورافق المرحوم رئيس الدولة آنذاك عيزر فايتسمان في زيارته للولايات المتحدة، واجتمع معه بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون في البيت الأبيض.

المرحوم سميح ناطور مع رئيس الحكومة رابين على متن طائرته الخاصة في الطريق الى الصين لزيارة خاصة 1993

في العام 2001 انضم الراحل الشيخ سميح الى منظمة السلام العالمية، وكان من خلالها وعلى مدار نحو عقدين من الزمن، خير سفير سلام لدولته وللطائفة الدرزية، حيت دعي للمشاركة الفعالة والقاء المحاضرات والكلمات في مؤتمرات المنظمة في واشنطن ونيويورك وسيئول وعدد من العواصم الأوروبية، واستقبل في منزله وقريته عدداً كبيراً من الوفود من قارات العالم المختلفة.

المرحوم الشيخ سميح ناطور يقدم مجلة “العمامة” لرئيس المنظمة الدولية متعددة الأديان من اجل السلام العالمي

حقق المرحوم في العام 2011، مع اقتراب مرور ألف سنة على دعوة التوحيد الدرزية، ذروة نتاجه وأحلامه وطموحاته وأعماله، حين أصدر أول موسوعة درزية في العالم، “موسوعة التوحيد الدرزية”، وهي موسوعة شاملة تضم معلومات واسعة وقيمة، عن كافة المقدسات والشخصيات والأماكن والأحداث والعائلات والقرى والمؤسسات، في تاريخ الطائفة الدرزية منذ تأسيسها حتى الآن. كما وتضم معلومات عن كافة الشخصيات الفاطمية التي عاشت عهد الخلفاء الفاطميين الأوائل حتى قيام الدعوة من وزراء وقادة جيش وقضاة وغيرهم، إضافة الى معلومات عن غالبية الشخصيات الصوفية، التي تحظى باهتمام لدى أبناء الطائفة الدرزية وعن الأقطاب السادة الفلاسفة الاغريقيين، اساطين الحكمة والفلسفة واخرين، وكذلك معلومات عن الأنبياء والأماكن المقدسة والخصال الدرزية والعادات والتقاليد المتوارثة. قبل ذلك بستة أعوام، أصدر الشيخ الكاتب سميح “الموسوعة التوحيدية للصغار” التي ضمت معلومات هامة حول موضوعات وقيم درزية عُرضت على الجيل الناشئ من خلال قصص واشعار ورسومات.

وعلى مدار حقبة زمنية طويلة، برزت نشاطات المرحوم الشيخ سميح الكبيرة في مجال تخليد ذكرى شهداء الطائفة الدرزية أيضاً، من خلال مؤسسة “يد لبنيم” بيت الشهيد الدرزي في دالية الكرمل وعلاقته الوثيقة بمؤسسها ومديرها العام النائب السابق السيد امل نصرالدين حيث قاما بإصدار عدد كبير من الكتب والمنشورات عن الشهداء وعن نشاط هذه المؤسسة الهامة.

المرحوم الشيخ سميح ناطور مع المرحوم الكاتب مصباح حلبي والسيد امل نصر الدين في محاضرة لأبناء العائلات الثكلى

اهتم الراحل الشيخ سميح أبو وسام طيلة حياته بالعلم والتعليم، وقام بتشجيع وحث أبناء وبنات الطائفة على العلم والتعلم من خلال المحاضرات واللقاءات التي كان يشارك فيها، والتي شملت أيضا محاضرات (عبر شبكة الانترنت) للشبيبة ابناء الجاليات الدرزية في المهجر.  وقام بزيارة المدارس والتبرع لها والتعاون معها، وقد رأى بالفتاة والمرأة الدرزية عنصرا هاما في رفعة ونجاح الطائفة الدرزية، متساوية الحقوق والواجبات ولذا لم يتوان يوما، بالمشاركة في الندوات الثقافية النسائية وزيارة الخلوات، وشرح تعاليم الدين والتحدّث عن حقوق المرأة الدرزية ودورها الهام والفريد على مرّ التاريخ وبتشجيعهن على الكتابة والإصدار والعطاء.

لقد غيّب الموت عنّا فجأة، في الفاتح من شهر أيلول 2020، شيخاً وكاتباً لامعاً ومفكراً كبيراً. وقد تلقّت العائلة واسرة “العمامة” العديد من رسائل التعزية من سوريا ولبنان ومن الجاليات الدرزية في المهجر . وقام فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية بتعميم نعوة خاصة عن المرحوم وسيرته وكذلك أرسل الرئيس الروحي في الجمهورية العربية السورية سماحة الشيخ حكمت سلمان الهجري التعازي. كما وأرسل رئيس الدولة السيد رؤوفين ريفيلين كتاب تعزية للعائلة إضافة الى المئات من رسائل التعزية التي وصلت من المشايخ الافاضل وأصدقاء ومعارف المرحوم.

كان المرحوم في أوج عطائه حيث خلف وراءه مشاريع وأعمالاً كبيرة للإنجاز لعل أبرزها:

  • مجلة “العمامة” التي صدر منها حتى وفاته 153 عددا وقد نوى المرحوم اصدار 164 عدداً منها نظرا لمغزى هذا العدد في تاريخ امة التوحيد.
  • مشروع “الذاكرة الدرزية” لتدوين مجمل القصص، والبطولات، والأحداث التاريخية، والوقائع، والقصص التربوية الهادفة، التي امتاز بها رجالات ونساء أهل التوحيد على مرّ العصور، كي تكون منارا، وهداية، وقدوة للأجيال الصاعدة.
  • مشروع الموسوعة الدرزية الالكترونية العالمية التي تستند على ما ورد في موسوعة التوحيد الدرزية بشكل خاص.
  • المبادرة لإقامة مكتبة الحكمة في مقام سيدنا شعيب )ع( على غرار “دار الحكمة” التي أنشأها مولانا الحاكم بأمر الله.
  • وكذلك مشاريع وكتب أخرى كانت في طور الإعداد للإصدار.

وترك المرحوم وراءه أسرة كريمة ومؤمنة راضية بقضاء الله وحكمه، رفيقة درب قادرة ومثقفة، الكاتبة سهام (عيسمي) ناطور التي كانت له سنداً وشريكة كاملة بكل نتاجه وأعماله واصداراته، متفوقة ورائدة في عملها وعلمها وثقافتها. أم عطوف رؤوم. وقد رزقا بستة أبناء وبنات وبعشرة أحفاد من خيرة أفراد المجتمع. على دربه ونهجه بعون الله مستمرّون وسائرون.

نرجو أن تكون هذه النبذة المقتضبة عن فقيدنا الشيخ سميح ناطور منارةً لنا على مواصلة درب العطاء، والله جلّ جلاله يهدي السبيل.

الأعمال الكاملة للمرحوم:

مرفق قائمة بأبرز أعمال واصدارات الشيخ الكاتب سميح ناطور طيب الله ثراه:

  • كتاب أسماء وأعمال – 1970
  • موسوعة العالم العجيب – 4 أجزاء – 1974-1980
  • موسوعة الموارد جواب لكل سؤال – 10 أجزاء – 1979
  • موسوعة الالفيات – 10 أجزاء – 1980
  • موسوعة الموارد للصغار – 1980
  • قاموس الجيب عبري عربي -مع يوسف بشارة – 1981
  • مجلة العمامة – تأسيس 1982
  • موسوعة آفاق المعرفة – 12 مجلدا – مع يوسف بشارة وعثمان تايه – 1985
  • ألبومات ونشرات للشبيبة – 1984-1990
  • الموسوعة العربية الشاملة – 15 مجلدا – 1995
  • اسحق رابين –  1996
  • الدروز (بالإنجليزية) – مع د. أكرم حسون – 2001
  • حاضر العالم الدرزي – 2002
  • آيات العزة والأمجاد – شعر – 2002
  • امل رجل الطائفة والدولة (بالعبرية) – 2003
  • الدروز – شيوخ، أعيان وأعلام في القرن العشرين – 2003
  • أمل نصر الدين – 2005
  • الموسوعة التوحيدية للصغار – 12 مجلدا – 2005
  • موسوعة آداب الصغار – 16 مجلدا – 2006
  • العمامة المكوّرة – مع د. منير عطا الله 2007
  • موسوعة التوحيد الدرزية – 5 مجلدات – 2011

وكذلك اشترك وساهم في اصدار واعداد كتب كثيرة أخرى.

تراث المرحوم الشيخ سميح ناطور:

ملخص لتراث ومسيرة المرحوم الشيخ الكاتب سميح ناطور

للراحل الشيخ أبي وسام سميح ناطور إنجازات كثيرة وهامة على أكثر من صعيد، تركت أثرا كبيرا في النفوس وشكلت إرثاً حضاريا وثقافياً للأجيال القادمة، وعطفاً على ما ورد في النبذة عن سيرة حياته وفي مقالات أخرى نتوقف هنا عند خمس نقاط جوهرية كانت محور تطلعاته وطموحاته وإنتاجه ومشوار حياته:

 

1. تدوين تاريخ وأمجاد الطائفة الدرزية وحفظ تراثها وتعزيز مكانتها وتقوية روح الانتماء اليها

لقد برز دور المرحوم الشيخ الكاتب سميح ناطور في هذا المضمار من خلال الكم الهائل من الأبحاث والاصدارات والأقوال المأثورة حول هذا الشأن، التي يشار اليها بالبنان. خلافا لما اعتقده الدروز استنادا الى مقولة “نحن نصنع التاريخ وغيرنا يكتب” لقد آمن المرحوم الشيخ بأنه يجب إعطاء الكلمة المكتوبة حقها في تدوين تاريخ الطائفة الدرزية على مر العصور ورأى بذلك رسالة هامة ومشروع حياة كرّس له كل طاقاته، وذلك نظرا لقلة وشحّ ما كُتب عن الدروز وما نشر من معلومات غير موثوقة وخاطئة ومغرضة من قبل جهات من خارج الطائفة كانت لها مصالح وغايات للمسّ في الطائفة. فقام بإصدار مجلة “العمامة” التي احتوت 153 عددا صدر حتى الآن على مقالات تاريخية وتراثية وثقافية، وقد برع في كتابة “كلمة العدد” لكل مجلة والتي أبرز فيها قصص وتراث وأمجاد وتاريخ الطائفة الدرزية منذ ألف عام ورفع من مكانتها وشموخها على مر العصور، بالإضافة الى معلومات ومضامين أخرى متعددة شملتها “العمامة”، غاية في الأهمية، حول أحوال وشؤون العشيرة المعروفية في كل مكان وزمان. كما ونذكر هنا “موسوعة التوحيد الدرزية” وهي الأولى عالمياً في هذا السياق، والتي تعتبر وبحق قمة نتاجه، وذلك لما تحتويه من نصوص خاصة ومعلومات لم يسبق لها مثيل، والتي لطالما حلم بها وبإصدارها الى أن تسنى له ذلك بعون الله في العام 2011.

المرحوم الشيخ سميح ناطور في محاضرة عن الطائفة الدرزية في مقام سيدنا شعيب (ع)

لقد عكف الراحل الشيخ سميح من خلال كتبه وإصداراته ومنشوراته الجمة، ليس فقط على نشر المعلومات وتدوين الأحداث وتوثيقها، بل دأب على إبراز دور أبناء الطائفة الدرزية في بلادنا وفي كل مكان حيث كان يردد مصطلح “أمة التوحيد” تعبيرا على رؤيته الشمولية للطائفة التي اخترقت جدار الزمان والمكان وقد جاء ذلك من غيرته عليها وحبه لها الذي لم يعرف حدود. وقد برز ذلك في كلمة له تلخّص أمجاد الطائفة الدرزية عبر التاريخ بعنوان “الدروز ليس فقط أنهم لا يقفون مع الحائط، وإنما هم الذين يجعلون الحائط يقف ويسندونه” وبمئات المواقف والكلمات الاخرى.

2. نشر المعرفة والمعلومات والثقافة من خلال الكتب والموسوعات

لقد آمن المرحوم الشيخ سميح ناطور بقوة الكلمة المكتوبة وحصانتها وبأبعادها وبدورها في حفظ المعلومة والحقائق والتاريخ. فقد سارع وهو في العشرينات من عمره فقط الى تأسيس دار للنشر وبدأ على الفور بإصدار الموسوعات والقواميس والكراسات ومنها موسوعة العالم العجيب والموارد والألفيات وآفاق المعرفة والعربية الشاملة وآداب الصغار، وجاب وجال في المدن والقرى العربية ومدارسها داعيا الى التعلم والتثقيف في محاضراته ولقاءاته المختلفة وقد حظيت موسوعاته ومنشوراته برواج كبير لتصبح جزءا لا يتجزأ من كل مكتبة منزلية او مدرسية او عامة في هذا الوسط. ولقد كان أحد أحلامه ومشاريعه الكبيرة تجديد عهد “دار الحكمة” التي أنشأها مولانا الحاكم بأمر الله في القاهرة والتي كانت أكبر مكتبة في العالم في حينه واحتوت على آلاف الكتب، من خلال إقامة مكتبة في مقام سيدنا شعيب (ع) لينهل منها أبناء الطائفة المعروفية التعاليم الدينية والعلم والثقافية والمعلومات، وكانت هذه الفكرة قد بدأت تدور في ذهنه منذ العام 1990 حيث كتب في حينه في مجلة “العمامة”: “ونحن إذ نقدّم اقتراحنا هذا نسير على هدى تعاليم معلّمنا الأكبر المرحوم الأستاذ كمال جنبلاط الذي كان مع المبادرين لإقامة بيت الطائفة في بيروت، ولما أقيم البيت وفتح أبوابه قال في حفلة تدشينه: “وتملؤنا الرغبة، ويحدونا الأمل بأن تتحوّل هذه البناية الضخمة الجميلة المسماة” بيت الطائفة” إلى جامعة روحانية او كلية مذهبية وشرعية وروحية، ومنتدى للتنقيب والبحث والاستطلاع في مختلف بطون فلسفات الشرق واليونان، على شاكلة مجالس الحكمة في الأولين، أو دار الحكمة التي أنشأها مولانا الحاكم بأمر الله على مثال أكاديمية افلاطون، عليهما السلام، أو أندية الصوفية العارفين والمتحققين، رضي الله عنهم، في حمى  الإسلام الحنيف…”.

المرحوم الشيخ سميح ناطور مع المرحوم د. سلمان فلاح في معرض الكتاب الدولي في القاهرة

3. تشجيع ودعم التعليم وحب التعلم

انطلاقا من ادراكه وايمانه العميق الراسخ بأن الشعوب لا ترقى الاّ بالعلم، أضحى هذا الموضوع شغله الشاغل خلال مسيرته الطويلة، إذ لم يتوقف عند كونه أول طالب جامعي في قريته، وأول من أسس نادٍ فيها حمل اسم “النهضة الثقافية لشباب دالية الكرمل”، وسليل بيت علم وأدب وشعر وحصافة وثقافة، بل شجع كل من دار في فلكه عل الدراسة الاكاديمية والقراءة والكتابة والخطابة. وقد كوّن مع زوجته، التي كانت هي الأخرى رائدة في هذا المضمار، أسرة يحتذى بها تخرج أبناؤها وبناتها وبتفوق من الجامعات مع أكثر من لقب في موضوعات شتى، كما ولم يتوان الراحل في نشر المقالات المختلفة المشجعة للعلم والتعليم في منشوراته المختلفة وفي مجلة “العمامة” والتبرع بالكتب وولوج المدارس والمؤسسات لإلقاء المحاضرات التي شدد فيها على دور العلم في حياة البشرية. فقد جاء على لسانه في مجلة “العمامة”: “أما اليوم فنحن لا نستطيع أن نحارب بسلاح الأمس، ولا نستطيع أن نواجه الطيارة بجمل، ولا الفاكس بالحمام الزاجل، ولا الإلكترونيات بالتعويذة. علينا أن ندرس لغة العصر ونبرع بها، كي نحصل على المركز الحقيقي الذي يليق بنا. ومن كان غذاؤه الروحي مستمدّا من جهابذة العلم والفلسفة عبر التاريخ، ومَن كانت اتصالاته النفسية والروحية مرتبطة بكنوز المعرفة واليقين، ومَن كان حلم حياته مشاهدة شمس المعرفة الحقيقية، ومَن كانت صَلاته وابتهالاته تدعو صباح مساء للتنوير والحكمة، من كانت هذه ميزته، ليس من الصعب عليه، أن ينهل من ينابيع العلم والمعرفة المنتشرة اليوم بكثرة، وليس غريب عليه أن يبرع ويتألق ويدخل التاريخ، كما فعل أولئك الذين بهم تتسامى العلوم.” مضيفا: “علينا، أن نغير تفكيرنا، وعقليتنا، وتصرفاتنا، ومسار حياتنا، بشكل جذري، وأن نوجّه كلّ قدراتنا للعلم، والثقافة، والمعرفة، والتألّق، والبحث، والتنقيب، كي نحافظ على كياننا، ونستمر في التحكم بأقدارنا ولا نعتمد على أحد، طالبين العون والتوفيق من الله، سبحانه وتعالى. واليوم لا ينقصنا شيء، كي نحافظ على مركز الأولوية، والريادة بين الأقليات في العالم، إلا أن نؤمن بقدراتنا، وأن نثق بأنفسنا، وأن نسعى لتحقيق ما يجب عمله، وذلك بالعلم، والعلم، والعلم.”

4. دعم وتشجيع المرأة الدرزية وإبراز دورها المميز في التاريخ

لقد رأى المرحوم الشيخ سميح ناطور من خلال نظرته الشمولية الثاقبة بأن الله قد حبا كل امرأة تنتمي للطائفة الدرزية واعتبرها في محاضراته وكتاباته العديدة ملكة بيتها ومجتمعها، وقادرة على دفع مجتمعها قدماً، وقد أثبت التاريخ بأن للمرأة الدرزية دوراً هاماً في الحياة والصمود ورصّ الصفوف وتربية الأبناء وإعالة الأسرة ونشر الفضيلة وقد كتب فيما كتب في مجلة “العمامة” ما يلي: “… لكن الوجه الصامد والعنصر الثابت والعمود الفقري الرئيسي الذي حافظ على الطائفة الدرزية، خلال ألف سنة، هو المرأة الدرزية. والمرأة الدرزية تستحق القداسة لمواقفها ولتفانيها ولصمودها مع الرجل، ولتعاونها في كل مجالات الحياة. وقد مرّ في تاريخ الدروز، ذكر لمئات الأسماء البرّاقة من النساء، ابتداء من الست سارة العفيفة الطاهرة، التي أرسلها مولانا بهاء الدين عليه السلام في مهمة صعبة، مشيرا بذلك إلى أن المذهب الدرزي يعتمد على المرأة، ويثق بها، ويعتز بوجودها، ويضع مصيره بين يديها. وقد قامت المرأة الدرزية بواجباتها على مرّ السنين، فكانت الأم، وربة البيت، والمساعدة في العمل، ومربية الأولاد، والمشجّعة في القتال، والمتديّنة الفاضلة، والحاكمة، والرائدة، والمبادرة إلى صيانة ودعم المجتمع الدرزي.” واستمرارا لإيمانه وتقديره لدور المرأة الدرزية على مر التاريخ فقد شمل هذا الموضوع في “موسوعة التوحيد الدرزية” وذكر في مقدمتها: “.. وقد راعينا ذكر الأسماء النسائية المعروفة ودور المرأة الدرزية وما قامت به من خدمات وأفعال وأعمال بشكل يشهد لها بالفخر والاعتزاز.” وقام الراحل الشيخ أبو وسام بزيارات للمؤسسات النسائية والجمعيات والمنظمات وألقى فيها محاضرات شتّى عن المرأة الدرزية والدور الهام الذي تقوم به، كما شجّع وساند الكاتبات على اصدار الكتب والنشر.

5. الراحل الشيخ سميح ناطور – رجل السلام والإيجاب والإنسانية

دعا المرحوم على الدوام الى التآخي والمحبة والسلام بين الشعوب، وشاطر سعي كل من بادر الى اتخاذ خطوات بهذا الاتجاه، وأنضمّ قبل نحو عشرين عاماً الى منظمة السلام العالمية ليكون سفير سلام لدولته ولطائفته الدرزية وقام بإلقاء المحاضرات في مؤتمرات عالمية للسلام في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وعدد من دول القارة الاوربية تطرّق فيها الى الدور الهام للطائفة الدرزية في دعم وتثبيت السلام. واستضاف واستقبل في منزله وقريته وفودا من العديد من الدول من كافة أصقاع المعمورة. وبرز من خلال كتاباته دعمه الواضح لتحقيق السلام بين الشعوب والدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الدروز في مسيرات السلام المختلفة. فدعا الى نشر التآخي والمحبة والسلام وعدم توجيه النقد غير البناء، مشددا على ذلك في مجلة “العمامة”: “ان “العمامة” منذ تأسيسها انتهجت نهجا جديدا في حياتنا الاجتماعية والثقافية، وهو إبراز الحسن والصالح والجميل والطيب والخيّر والنعيم في شخصية إنسان ما، والتغاضي عن مساوئه، إن كانت، وقد أصبحت عادة التحطيم الذاتي عندنا، من اهم عادات وأكثرها شيوعا. “العمامة” منذ أول طريقها، إلى النظر إلى ناحية الخير في الإنسان وتشجيعه على انتهاج هذا الطريق، وترك النقد والتهجم للآخرين. وقد انفردت “العمامة” بهذا الطريق، وأثبتت وجودها وأصبحت مصدرا للتقليد، والسير في نفس الطريق.”

المرحوم الشيخ سميح ناطور والقاضي فارس فلاح مع رئيس منظمة السلام العالمية

اقوال وكتابات مأثورة:

في رثاء المرحوم الشيخ سميح ناطور:

شرائط فيديو للمرحوم الشيخ سميح ناطور:

صور من حياة المرحوم الشيخ سميح ناطور: