الموقع قيد التحديث!

رحلة في أجواء تاريخ ابطالنا

بقلم الأستاذ مالك صلالحه
بيت جن
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

كتاب: من الثورة السورية الكبرى إلى الاستقلال – مذكّرات ووثاق المجاهد صيّاح النبواني

 كثرة هي الكتب التوثيقيّة الّتي صدرت، ولكن قلّة منها تحمل الصدق والمصداقيّة في نقل الوقائع والأحداث، وذلك يعود أن المؤلِّفين أو المؤلِّف لم يكن شاهدًا عيانًا على ما جرى، وإنّما نقل ودوَّن ما وصل إليه من وثائق أو ما تناهى إلى أسماعه ممّن عاينوا أو شاركوا في الأحداث، إذ أن كلّ منهم كتب من زاوية ورؤيا تختلف عن نظيره من المؤلِّفين حول نفس الموضوع.

قام بمراجعة هذا الكتاب ورافق ولادته الدكتور فندي جدعان من مواليد نجران في السويداء، وعضو الهيئة التدريسيّة بجامعة دمشق كليّة الآداب قسم التاريخ.

وها نحن اليوم بصدد هذا الكتاب بغاية الصدق والمصداقيّة، إذ أن مَن كتبه هو شاهد عيان عاش وعايش أحداث ومعارك الثورة العربيّة السوريّة الكبرى، التي تولّى قيادتها المغفور له المرحوم سلطان باشا الأطرش ضد الانتداب الفرنسي، الاستعمار البغيض تحت ستار الوصاية، إلّا أنّه أذلّ السكّان الذي تحت وصايته ولم يأبه بتقاليدهم وعاداتهم وكرامتهم وعاثوا فسادًا في الأرض، وكان نصيب سكان جبل الدروز أن ذاقوا الأمرّيْن منهم، إذ حاولوا النيل من عزّتهم وعنفوانهم حتّى بلغ السيل الزبى.

عندما قام ثلّة من الجيش الفرنسي باجتياح حرمة بيت سلطان باشا الأطرش واقتادوا دخيله أدهم خنجر للإعدام ولم يقيموا وزنًا لطلبه بالأفراج عنه إذ أنّ عملهم يعدّ إهانة له حسب العرف والتقاليد المحليّة لدى أبناء بني معرووف، فثارت ثائرته وهاجم قافلة الجند المعتدين، وكانت هذه انطلاقة الشرارة الأولى للثورة ضدّ المستعمِر الفرنسي لتشتعل نيران الثورة وتنتشر إلى باقي المناطق في سوريا الكبرى لتصبح ثورة شاملة وعامّة ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، وكان ما كان.

وكان من بين الأبطال الّذين رافقوا سلطان في النضال والمعارك التي قادها المجاهد البطل المغوار صياح النبواني. حيث دوّن الأحداث في مذكّراته يومًا بيوم وساعة بساعة بكلّ أمانة ودّقة، لتقوم ابنته السيّدة منيرة صيّاح النبواني من بلدة أمّ الرمان النائية والدانية حبًّا للوطن.

فكان حلمها بعد رحيل والدها أن تحفظ مذكّرات والدها البطل بين دفتي كتاب حتّى لا تضيع، وتكون شاهدة على العصر، فحاولت بعض الصحف الفرنسيّة والبريطانيّة والبعض من مثقّفي بلدها بتقديم عروض لشراء المذكّرات بمبالغ كبيرة، إلّا أنها كانت ترفض في كلّ مرّة وتقول:

“إنها جزء منّي لا يمكن أن أبيعها، وإذا لم يُقيّض لي نشرها، تبقى لأولادي من بعدي يكملون ما بدأت”، إلّا أنّها قرّرت أخيرًا طباعتها بين دفتي كتاب بدعم من أسرتها خاصّة “أخيها يوسف وابن عمتها الغالي يوسف سلمان علي النبواني.. صاحب الفضل الكبير في تمويل هذا العمل. وقد قدّم الدكتور فندي أبو فخر خبرته وعلمه ووقته الثمين في ضرورة توثيق الذاكرة الجماعيّة الموصلة أبدًا بمستقبل وما آلت الأحداث “. حيث وفِّقت أخيرًا فخرج هذا الكتاب القيّم تحت عنوان (من الثورة السوريّة الكبرى إلى الاستقلال. مذكّرات ووثائق المجاهد صيّاح النبواني) فصدر الكتاب بحجم كبير ضخم وبطباعة أنيقة وبعدد 536 صفحة.

إذ جاء في الافتتاحيّة شرح عن عائلة نبواني والمجاهد صيّاح النبواني (1906- 1983) التي يعود أصلها الى عائلة برغشة التي عاصرت فترة المحنة زمن الدعوة والتي قادها سُكين وأبي جمعة والتي قمع شوكتها الأمير معضاد، إذ أودع سيفه لديها، وكان لها الشرف في مقارعة ظلم القوّات العثمانيّة الغاشمة، إذ دعمت المؤلِّفة كتاباتها بالوثائق التي تضيء رحلة العذاب في النضال والمعارك والعيش في قسوة المنافي في بادية الأردن والنبك ووادي السرحان.

كل ذلك تحمّل والدها المرحوم صيّاح برفقة القائد سلطان ورفاقه مختارين (العيش تحت أشعّة الصحراء المحرقة ولياليها الباردة والمظلمة ورياحها العاصفة مردّدين قول شاعر العرب أبو الطيب المتنبي:

إذا غامرت بشرف مروم                            فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر صغير                       فطعم الموت في أمر عظيم

يرى الجبناء أن العجز عقل                   وتلك خديعة الطبع اللئيم

فكان للمجاهد دوره البارز، إذ كان اليد اليمنى للمرحوم القائد سلطان الأطرش وأمين سرّه ورفيقه المخلص الأمين.” وكان موضع ثقة عطوفة القائد العامّ للثورة سلطان الأطرش وقادتها وأركانها”. الذي دوَّن يومًا بيوم وساعة بساعة أحيانًا كلّ الأحداث التي جرت بأمانه وصدق فجاء في نصّ المذكّرات حيث كتب المجاهد البطل صياح النبواني بقلمه ما يلي:

” بعد التوكُّل على الله تعالى، أبدأ بتدوين مذكّراتي المتراكمة طوال مدّة قضيتها بين آمال وآلام، شأن كلّ إنسان معذَّب على وجه هذه البسيطة، لأنّ الأحداث جسام. وبعد أن ضعفت المقاومة في الجبل وتغلّب الفرنسيّون علينا بتجنيدهم قوى من أبناء البلاد، وصارت مقاومتنا لأبناء بلدنا، فضلًا عن الجنود المغاربة والمراكشيين والجزائريين والتو نسيين والسنغال والكميرون ونزحنا إلى الأزرق، فاستقبلتنا الحكومة الأردنيّة بالترحاب (بادئ الأمر) ثمّ لعبت سياسة الاستعمار الإنكليزي – الفرنسي، تغيّرت الأحوال وتبدّلت الأمور ذاك الحين.. وإنني لا ادّعي رؤية ومعرفة كلّ شيء في معركة تمتدّ عدّة كيلومترات. سائلًا المولى سبحانه أن يسدّد خطانا ويبعدنا عن الخطل والزلل.. والله من وراء القصد.” من مذكرات الخميس 16 تشرين الأول 1967.

فكتبت المؤلِّفة وجامعة مذكّرات والدها، عن المرحلة الأولى التي ضمّت قائمة المعارك الهامّة ضد المستعمِر الفرنسي كالكفر وتل الخروف ورق الصخر والمزرعة ثمّ العادليّة والمسيفرة التي يشيب من شعر الأطفال لهولها. ثم اتّبعتها بالمرحلة الثانية وهي مرحلة النفي من الأزرق إلى النبك إلى وادي السرحان، ووثّقت رحلة العذاب والألم والجوع، ثم تُتبعها بالملاحق المختلفة من مذكّرات حمد نبواني وهايل نبواني وغيرها..

ولم تنسَ المؤلِّفة لأن توثّق الحياة الاجتماعيّة في محافظة السويداء من عادات وتقاليد لا زالت حتّى يومنا هذا، كالمعارف والقضاء العشائري وعقد الراية والعطوة والديّة والنخوة والفزعة والبيرق والراية والوساقة، ثم تُردفها بفصل عن ملامح الحياة الاقتصاديّة والجغرافيّة للجبل، مساحته ومياهه، وأخيرًا تكتب وترفق ملحق خاصّ في رثاء والدها المجاهد المرحوم البطل صيّاح النبواني.

وفي الخاتمة تضع ملحقًا يتضمّن ملحقًا قيّمًا من الوثائق الشاهدة على تلك الفترة يصل عددها إلى 21. ثم تنهي الكتاب بمصادر البحث التي اعتمدتها من مذكّرات منشورة وغير منشورة.  وأخيرًا أترك للقرّاء فرصة اقتناء الكتاب للاطِّلاع على كتاب في غاية الأهمّيّة لما جاء فيه ككتاب شاهد عيان على تاريخ مُشرّف. كان المسمار الأوّل في نعش الاستعمار الفرنسي البغيض ورؤية فجر الحريّة والاستقلال الذي سطّره 2331 من شهداء الجبل بينما قدّمت سوريا كلّها 1882 أيّ أن الجبل قدّم أكثر من نصف الشهداء في الثورة. شهداء الجبل الأبطال الذين سطّروا أروع ملاحم البطولة وأذلّوا جيش الإمبراطوريّة الفرنسيّة باعتراف الرئيس ديغول الذي صرّح: “إن العشيرة المعروفيّة من أشرف العرب وأكرمهم. بيوتها ومضافاتها فنادق مجّانيّة ومقاهي مجّانيّة. إنّها تحبّ الحقّ وتموت في سبيله. لا تتعدّى على أحد. ولا تنام على ضيم. تحمي بالدم وتبذل الغالي والرخيص فداء كرامته، وحمايته واجب مقدّس عندها الضيف والدخيل، عاداتها وتقاليدها من أشرف العادات. حاربناها لكنّها هزمتنا. ولم يُذّل الجيش الفرنسي إلّا أمام العشيرة المعروفية فقط. رغم كلّ الانتصارات التي حقّقتها في أكبر المعارك المصيريّة” المؤرخ الفرنسي بوجي سان بيير

مقالات ذات صلة: