الموقع قيد التحديث!

طوبى لرفيقات درب كبار المشايخ

بقلم السيدة سهام ناطور (عيسمي)
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

نهتمّ في كل مرّة تفقد الطائفة الدرزية شيخا من أتقياء شيوخها، بشخصية ومكانة ومنزلة وأعمال ومناقب وسلوكيات وتراث هذا الشيخ الكبير، الذي ناسف لرحيله، ونحاول أن نجمع كل أخباره، وندوّنها كي تكون أعماله وتصرفاته منارة لنا، وقدوة حسنة، ودروسا نتعلّم منها، ونتّقي بها، ونرشد أولادنا وبناتنا أن يقلّدوها، وأن يستفيدوا منها في حياتهم الخاصة والعامة، لأنها بلا شك سلوكيات رفيعة المستوى، عالية المكانة، تليق بالشخصية المذكورة، المتوفاة التي نبكي على رحيلها.

 ونعيش مع هذه الشخصيات اياما واسابيع، نتحدث بها عن كل صغيرة وكبيرة في حياته، ونحاول أن نستطلع ردود فعله ومواقفه في أحداث ذات أهمية مرّت في حياته، أولا من أجل المعرفة، وثانيا لتكون لنا دروسا وعبرا. وفي غالبية الأحيان، ننسى ويكون ذلك عفويا، لأننا منشغلون بالفاجعة التي حلّت بنا عند رحيل الشخصية الكريمة، التي تعوّدنا عليها، ورافقناها، وأنسنا بها، واستمعنا إليها، وسعدنا بالتقرّب منها، ننسى أن لهذا الإنسان زوجة غالبا، عاشت معه ودعمته وشاطرته كل آلامه وأحزانه، وابتهجت معه بأفراحه ومناسباته، وسهرت وإياه، وسعدت لسعادته، وحزنت لحزنه، لكنها كانت، كل ذلك الوقت، منزوية في ظلّه، لا تبرز ولا تنكشف إلا على المقرّبين فقط، ولا يعلم عنها التفاصيل الكافية، ذلك الجمهور الكبير الذي يحترم الشيخ ويجلّه ويبكي عليه.

 ونحن هنا لا ننكر أن عددا لا بأس به من عمالقة شيوخ الدين الموحدين الدروز، آثروا عن اقتناع، وعن تقبّل وعن رضا وتسليم، ألاّ يتزوجوا، وحافظوا على أنفسهم في وضع الطهارة والبتولة، وترفّعوا عن الشهوات، وقاموا بقهر النفس وترويضها، وعوّدوا أنفسهم أن تكبت شوقها وحنينها، وأن تحوّله للعزة الإلهية، وللأنبياء وللدين، فهؤلاء عاشوا حياة مليئة بالحركة والنبض والحياة، وفقدوا النعمة أن يكون إلى جانبهم شريكة حياة تشاطرهم أحزانهم وآلامهم، وتستمتع معهم بالأفراح والنجاح. ونحن ننظر إلى أولئك، وكأنهم قريبون من الملائكة، فليس من السهل على إنسان يعيش منذ صغره في بيئة منفردة، ويكبح جماح نفسه عن مغريات الدنيا وملذّاتها، في حين كان بإمكانه أن يكون متزوجا، دون أن ينقص ذلك من قيمته قيد أنملة. هؤلاء صفوة مختارة من الأتقياء، صغرنا أن نحكم عليهم، أو نقيّمهم، وفي تاريخنا، وفي سجلاّت وملفّات دواويننا، عشرات المشايخ الأتقياء، كبارا وصغارا، مروا في وضع كهذا، ونذكرهم أحيانا بالتقديس وهم أهل لذلك. وإلى جانب هؤلاء يوجد نوعان من المشايخ الأفاضل الكبار، اتّبعوا سُنّة الله بالاقتران والعيش مع سيدات فاضلات، وهم ينقسمون إلى قسمين: قسم لا بأس به من المشايخ الأفاضل الذين وافقوا على الزواج، لكنهم اشترطوا مع شريكات حياتهم مسبّقا، وعن رضا وتسليم، أن يكون هذا الزواج صوريا أخويا طاهرا نقيّا مخصّصا للمعيشة المشتركة، ولدعم الواحد الآخر، والقيام بالفروض والواجبات الدينية، وفتح البيت للمشايخ وللضيوف، ولكل من يقصد المنزل، والقيام بكل واجبات الضيافة، والمعاملة الحسنة. وهؤلاء المشايخ وزوجاتهم، يعتبرون من أنبل وأعرق وأطيب أنواع الجنس البشري، فقد فضّلوا إقامة بيت وبناء أسرة، لكنهم تعالوا عن الانجاب، وعن تربية الأولاد، تعففا وتحقيقا لرسالة، ولأهداف وضعوها نصب أعينهم، ترفع من مكانة الدين ورجاله أمام الجماهير غير المتديّنة وأمام التاريخ. وعادة تكون هذه المرأة، مندفعة باقتناع ذاتي داخلي بما تعمل، وبما تعهدت، فنجد أنها تتغلب على عواطفها وغرائزها في السنين الأولى، بأن تقهر نفسها وتذلها، وتخفف من عنفوانها، وتشعر بنشوة كبيرة وبسعادة مثلى، وهي تعيش عادة في بيت زوجها قانعة بما قررت، لا تتراجع عن قرارها، وتستنفذ من داخلها قدرات كامنة فيها كي تتغلب على الأفكار الضعيفة التي تراودها. وعندما يودع الأزواج هذا العالم تخرج هؤلاء النساء وتبكي وتندب الأزواج الأفاضل وتستمر في تطبيق وتنفيذ وصاياه ونهجه في الحياة. وهناك نوع آخر من المشايخ، يتزوج وينجب الأولاد، ويقوم بتربيتها التربية الصالحة، ولا يؤثر ذلك على مسلكه الديني القويم، فيفتح بيته للضيوف، ويقوم بكافة أعباء الحياة، مسنودا من زوجته الفاضلة، التي ترافقه طوال حياته بشراكة تامة، وتفاهم، وانسجام، والتي ننساها تقريبا، عندما ينتقل زوجها إلى رحمته تعالى.

مقالات ذات صلة:

عِبَر من غيمة الكورونا الحالكة

هذا بلاغ للعالمين، وإشارة تلفت الأنظار، وعلامة من علامات الساعة، ورسالة إلى أولي الألباب، وامتحان في قراءة الواقع الأكيد، والإثبات