الموقع قيد التحديث!

حفل توزيع كتاب عن سيرة المرحوم الشيخ أبو علي مهنا فرج

بقلم الأستاذ الشيخ أبو توفيق سليمان سيف
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

احتفلت قرية يانوح خاصةً، والطائفة الدرزيّة عامّةً، بدعوةٍ من أبناء المرحوم، وبتنسيق مع فضيلة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ أبو حسن موفق طريف، بحفلٍ مهيب لم يحدث مثله من قبل، تمّ خلاله توزيع كتاب عن سيرة المرحوم وذلك يوم السبت (الثاني عشر من تشرين أوَّل عام 2019) حيث ساد طقس ربيعي، شمسٌ مُشرقةٌ، سماءٌ صافيةٌ تغطيها بعض الغيوم لتخفف من حِدَّةِ حرارة الشمس وتلطف المناخ وتجعله مناخًا رطبًا وكأننا في شهر نيسان أوج الربيع. وتجنّدت أهالي قرية يانوح عامةً شيوخًا وشبابًا، رجالًا ونساءً، كما كان المجلس المحلّي بحالةِ تأهُبٍ قصوى مع كافة عامليه وموظفيه، وهَبَّت المدارس وحركات الشبيبة التطوعية هبَّةً لا مثيل لها لاستقبال ولإكرام الضيوف الذين حلُّوا علينا في ذلك اليوم. وقد شهدت يانوح يومًا تاريخيًّا لم تشهده من قبل، وَقلّما يتكرر بمثله، فتباركت في صباح ذلك اليوم وازدانت شوارعها وحاراتها بالأعلام ذات الخمسة ألوان، اكرامًا واستعدادًا لاستقبال ما لا يقل عن (1500) ألف وخمسمائة شخصٍ من الضيوف، معظمهم من الشيوخ ذوي العمائم البيضاء، أصحاب الاحترام والوقار، يتقدمهم فضيلة الرئيس الروحي للطائفة المعروفيَّة الشيخ أبو حسن موفق طريف. كما وَحَضَر الحفل المهيب الذي أُقتُصِرَ على أبناء الطائفة فقط، أعضاء المجلس الديني عامةً، قُضاة المحاكم الدينيَّة والمدنيَّة المُتقاعدون والحاليّون، أعضاء البرلمان الدروز السابقون والحاليّون، رؤساء المجالس السابقون والحاليّون، سُيّاس الخلوات والأئمة من كافّة القرى وموظفي دولة كبار وشخصيّات دينيّة وزمنيّة بارزة من المجتمع. أطباء، محامون، مهندسون، رجال أعمال وقياديون يمثلون كافّة قطاعات المجتمع.

لقد دُعيت الطائفة المعروفيّة لتكريم شيخنا رمز الطهارة والوقار والاحترام والإجلال بجميع قُراها من الجولان الشامخ الى الكرمل الأشم وشفاعمرو الصمود والساحل الأخضر ثم الجليلين ومعظمها استجابت ولبّت الدعوة ويا له من منظرٍ رهيب، مُهيب وعجيب حينما اجتمعت تلك الحشود شيوخًا وشبابًا مما يعكس موقفًا حضاريًّا، دينيًّا، انسانيًّا لطائفةٍ حضاريّة تمتاز بإيمانها ووحدتها ورُقيِّها الانساني.

هذا وقد كان الاحتفال على مرحلتين:

الأولى: استقبال المشايخ والضيوف الكرام في بيت الشعب والاستماع الى كلمات الترحيب والتهنئه بمناسبة اصدار الكتاب عن سيرة المرحوم. حيث كان اول الخطباء فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف (الرئيس الروحي للطائفة) جاء في كلمته:

وبعدها كانت كلمة الشيخ ابو احمد طاهر ابو صالح من الجولان جاء فيها: … نرى اليوم أن العائلة المحترمة بقيادة مستمر دربه، الشيخ أبو حسن يوسف فرج أطال الله في عمره، وبمشاركة نجله الشيخ أبو مهنا علي وبدعم من الأقارب والأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات يهبّون جميعا ويعملون خلال فترة على إصدار كتاب قيّم يليق بمقامه الشريف ويحوي بعض مناقبه وأعماله، يُستعمل للتوعية ولشرح المواقف الفاضلة التي انتهجها، وليكون ركنا من أركان المكتبة الدرزية، إلى جانب كتب عن فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف وعن باقي المشايخ الأفاضل في سوريا ولبنان وبلادنا وكل ذلك من أجل أن تكون هذه الكتب مرجعا للأجيال الصاعدة التي تجابه تحديات ومصاعب ومواجهات كثيرة في العصر الحديث…

وبعدها كلمه لصديق العائلة الشيخ ابو رضا حسين حلبي من دالية الكرمل جاء فيها: ” بسم الله الرحمن الرحيم

يسعدني أن أكون واحدا من هذه الجموع الكثيرة، التي قَدِمت من جميع أنحاء البلاد، لتشارك في ذكرى فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أبو علي مهنا فرج، الذي، وبالرغم أنه مرّت أكثر من سنة على رحيله، إلا أننا ما زلنا نحس بعبق وجوده، وبعطر أنفاسه، وبحديثه الممتع، وبشخصيته الفذة، وبمكانته الرفيعة، وبقيادته الشامخة، وبآرائه الصائبة، وبتوجيهاته المفيدة، وبشروحاته القيِّمة، وبابتسامته العذبة، التي كانت ترحب بكل قادم، وبكل ضيف، وبكل إنسان يلتقي به.

فضيلة شيخنا الكبير، هو قامة باسقة، لا يمكن لإنسان تعرّف عليها أن ينساها، فقد كان يشمل المجتمع برعايته، وكان منارة هادية للجميع، يرتاحون بوجوده، ويستأنسون بحضوره، ويشعرون بالطمأنينة والثقة، أنهم أمام أحد وجوه الخير.  وقد نعمنا بمرافقته سنين طويلة، واكتسبنا منه الكثير الكثير، وتعلّمنا منه، وجمعنا ثروة ضخمة من أفكاره، وأعماله، ومسالكه، تنير لنا الدرب إلى الأمام.

وها نحن اليوم، نرى أن العائلة المحترمة، بقيادة مستمر دربه، الشيخ أبو حسن يوسف فرج، اطال الله في عمره، وبمشاركة نجله الشيخ أبو مهنا علي، وبدعم من الأقارب، والأبناء، والبنات، والأحفاد، والحفيدات، يهبُّون جميعا، ويعملون خلال فترة، على إصدار كتاب قيِّمٍ، يليق بمقامه الشريف، ويحوي بعض مناقبه وأعماله، يُستعمل للتوعية، ولشرح المواقف الفاضلة التي انتهجها، وليكون ركنا من أركان المكتبة الدرزية، إلى جانب كتب عن فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف، وعن باقي المشايخ الأفاضل في سوريا ولبنان وبلادنا، وكل ذلك، من أجل أن تكون هذه الكتب، مرجعا للأجيال الصاعدة، التي تجابه تحدّيات، ومصاعب، ومواجهات كثيرة، في العصر الحديث.

رحمه الله، وكلي أمل أن تخلق هذه القرية، وهذه الأسرة، شخصيات دينية مرموقة، مثل سيدنا الراحل المرحوم.”

وبعده كلمة رئيس المجلس المحلي السيد معضاد سعد حيث رحب بالضيوف قائلا:

… نجتمع اليوم في رحاب هذه القرية العامرة هذه القرية التي حضنت سيدنا وسيدنا أبا عروس عليهما السلام… جاء المشايخ اليوم بالعشرات والمئات ليتذكّروا شيخ المواقف والمهمات، يتذكروا عينا من الأعيان رمز البر والإحسان، جاءوا ليتذكروك يا عم أبو علي.

لقد عاش فضيلة الشيخ المرحوم أبو علي مهنا ما يقارب قرنا من الزمن في خدمة الناس وطاعة الله كبر وترعرع علمنا الفاضل وترسّخت فيه القيم التوحيدية السامية ومن أبرزها الدفاع عن المثلث المقدس الأرض والعرض والدين….

وبعدها تلتها كلمات تعسّرَ القائها وذلك لضيق الوقت: كلمة رئيس المجلس المحلي كسرى سميع صديق العائلة الأخ (أبو نديم ياسر غضبان) ثم كلمة الى صديق المرحوم الشيخ (ابو عماد خليل عبد خليل) من عسفيا، وكلمة الى صديق العائلة عضو الكنيست السابق (أبو نبيل شكيب شنان) من حرفيش، وكلمة شفهيّه الى صديق المرحوم الأستاذ شريف صعب من أبو سنان. كما تعذّرَ على مُؤلف الكتاب الوصول لأسباب صحيّة قاهرة فأرسل لنا رسالة هذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

في الحديث عن طاهرِ الأثوابِ، الفارسِ المهيبِ، الموحدِ لله، الموحدِ للصف، والمتوحدِ بسجاياه، نقولُ:

 لا شكَ أن حضورَ أكثرَ من الفِ شخْصٍ للمشاركةِ في موقفٍ حضاريٍ للطائفةِ الدرزية، وهو توقيعُ كتابٍ في سيرة شخصية دينية من الدرجة الأولى، يعتبرُ قمّةَ الفكرِ والعلمِ والتاريخِ والأدبِ.

 ولا غرابة، فالمرحومُ الشيخ أبو علي، هو قامةٌ شامخةٌ في سماءِ التوحيدِ، انبثقَ من عائلةٍ عريقةٍ، لها باعٌ طويلٌ في التقوى والدينِ والوجاهةِ.

تحيةً لجميع الحاضرين، وشكرًا للعائلة، وهنيئاً للطائفةِ الدرزيةِ ولآلِ ترابِ، الذين ما زالوا، منذُ ظهورِ سيدنا ابي السرايا غنايم، رضي الله عنه، وحتى المرحومِ شيخِنا أبي علي مهنا، رضي الله عنه، مرورا بسيدنا المرحوم الشيخ أمين طريف، رضي الله عنه، يزودونَنا بعمالقةٍ، من أساطينِ التوحيدِ، نعتزُ ونفتخرُ ونتباركُ بمناقبهم ومزاياهم.

جزاكم الله خيرا.

أما الكلمة الأخيرة كلمة العائلة ألقاها الشيخ أبو رياض كمال اسماعيل فرج جاء فيها:

حيا الحاضرين وشكرهم على قدومهم وشكر جميع الذين ساهموا في إصدار الكتاب وجميع الذين بذلوا جهودا في إقامة هذا اليوم المميز في تاريخ يانوح حيث تحضر جماهير غفيرة بمناسبة صدور كتاب عن فضيلة المرحوم. قائلا: أقول بكل تواضع إنه يشرّفني أنه في هذا الموقف الجلل أن أمثّل عائلة فرج وبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن العائلة في البلاد وفي سوريا ولبنان وأينما وُجدوا أن أزفّ لهذا الحشد الكريم أسمى آيات التكريم والترحيب لقبول الدعوة وتلبيتها شاكرا لكم مسعاكم ومتوجِّها إليه سبحانه وتعالى أن يجمعنا بكم في دار الأمان. وأتقدم بالشكر والامتنان لكم جميعا فردا فردا بلا تسمية على تحمّلكم مشاق السفر من قراكم القريبة والنائية من الكرمل والجليل والشاغور وهضبة الجولان لتشاركونا في مهمة توزيع الكتاب الذي يحوي في طيّاته بصدق وإخلاص وأمانة سيرة حياة المرحوم عمي الشيخ أبو علي مهنا رحمة الله عليه… 

والمرحلة الثانية من الاحتفال دعا الشيخ أبو حسن موفق طريف باسم أبناء المرحوم وأهله الجمهور الغفير للانتقال الى بيت الأفراح في يانوح لتناول طعام الغذاء ومن بعدها توزيع الكتاب على الضيوف والمحلّيون.

ملاحظة: أبناء المرحوم، الأقرباء والأنسباء يتقدمون بجزيل الشكر والامتنان والعرفان الى كل من شارك من الضيوف في هذا الاحتفال، كذلك لجميع من ساهم من أهل القرية أفرادًا وجماعات، أفراد الشرطة والسلطة المحليّة في انجاح هذا اليوم المبارك.

وشكر خاص الى صديق العائلة الشيخ (روني شقور) من قرية كسرى على سخاءِه وكرمه واشتراكه معنا بهذا الاحتفال.

وأخيرًا لا ننسى أن نتقدم بجزيل الشكر والعرفان الى الشيخ والأديب (أبو وسام سميح ناطور) وأهل بيته الكرام على جهوده الجبّاره التي كرّسها من أجل هذا الإنتاج الرائع! 


كلمات في ذكرى المرحوم الشيخ أبو علي مهنا فرج

هنيئًا لك يا طيّب الذكر

بقلم الشيخ محمد صالح بدر –  عين الأسد

بسم الله الرحمن الرحيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، نحمده تعالى في السّراء والضرّاء وفي كل الأحوال، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

شاء القدر في الرابع من تموز سنة 2018 م بوفاة ورحيل الشيخ الجليل والعلم الفضيل، فقيد المجتمع وخاصة أهل الدين، الورع التّقيّ الدّيان شيخنا وبركة البلاد الشيخ أبو علي مهنا فرج رحمات الله عليه.  كان شيخنا الجليل الرّاحل من الرّعيل الأوّل حيث تباركنا بوجوده وأنفاسه الطّاهرة وهيبته ووقاره المميز، فعندما كنّا نلتقي ونجتمع معًا، لمسنا من حضرته الملقى الطيّب والتّواضع البارز، فكانت ألفاظه بريئة وروحانيّة معطّرة بذكر الخير لا يُملّ منها.

إن ما عرفناه عن شيخنا الجليل، انه كان من نوادر شيوخ المجتمع بإيمانه وسريرته، كان محبًا للإخوان والمجتمع الدّينيّ، فدلالة على ذلك مشاركته في الاجتماعات الدّينيّة حتى في أواخر حياته على الرغم من عجزه بسبب سنه المتقدم، فبدون شك أن اصراره على لقاء إخوانه يدل على ايمانه ومحافظته على الفرائض الدّينيّة ومحبته الكبيرة لإخوانه وثقته بنيل الأجر الكبير ورضاء خالق البريّة جل وعلا.

بلا شك أن الموقف التأبيني الذي حظي به المرحوم عند وفاته بحضور الكثير الكثير من شرائح المجتمع، دلّ على الكرامة لحضرته وأهميته الكبيرة في المجتمع وخاصة المجتمع الدّيني، فهذه المواقف مخصصة لأصحاب الفضل والكرامات، ف شيخنا الجليل ورحمات الله عليك، ولنا العوض بسلامة حضراتكم، ووفق الله خلفه الكريم وإنا لله وإنا اليه راجعون.

عصفور من عصافير الجنة

بقلم الشيخ جمال محمد عقاب المغربي – بقعاثا

حكاية المرحوم الشيخ الجليل الطاهر، والعلم المنير الفاضل حكاية قرن من الزمن، رسم معالمه، وأرسى قواعده على أسس من الإيمان والتواضع والقدوة الحسنة، فهو شيخ من مشايخ الجزيرة، وعصفور من عصافير الجنة، والذين مرّوا في بلاد القداسة أرض المقدسات.

تربى الشيخ في بيت كريم طاهر، وقد عرفته عن قرب، ومما أغنى معرفتي به ما كنت أسمع وأنا في نعومة أظفاري من جدّي المرحوم الشيخ أبو محمد عقاب المغربي، عندما رحل وغيره إبّان ثورة 1925 والتي قادها المرحوم سلطان باشا الأطرش ضد الانتداب الفرنسي.

فكان بيت المرحوم الشيخ أبو علي مهنا فرج المحطة الأولى، وكان يروي لنا عنها الكثير، فكان بيت المرحوم منهلا عذبا للقاصي والداني، فهو من مشايخ آل تراب الميامين الذين كان لهم الفضل الكبير في استمرار الدعوة.

إخواني – الناظر للمرحوم نظرة المستكشف فيبدو له سرّ التوحيد جليّا، الفيّاض الذي أذكى بلادنا بالأنس والمحبة والسيرة العطرة، رحم الله شيخنا الفاضل، وألهمنا على السير وراءه اقتداءً به، ونوّر دربنا بهديه، فهؤلاء هم خميرة الأرض وعطرها. نفّعنا الله ببركاته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

خواطر ومواقف بذكرى “قنديل الجبل”

بقلم الشيخ أبو صالح سلمان عبد الله – كسرى

بسم الله الرحمن الرحيم، عندما فقدنا المرحوم الشيخ الجليل أبو علي مهنا فرج، شعرنا أننا فقدنا الأب الفاضل والمرشد النضوح، وخسرت الطائفة علما من أعلامها، ونبراسا من السلف الصالح ندر أمثاله في عصرنا، حيث كان المرحوم دليل السالكين، وعمدة العارفين، ومرجعية دينية لإخوان الدين، وفي الوقت ذاته كان الأب الحنون، والجد الأصيل، والأخ الطيّب، والصديق الصدوق، اتّسم بالتواضع وطيبة الأخلاق ودماثة الخلق، أحب الصغير والكبير، المتديّن ومن لم يتّصل بالدين، وشعاره حفظ الإخوان واحترام الجميع.

عرفتُ المرحوم طيب الذكر شيخنا الجليل، حيث كنتُ أتردّد في السنوات الأخيرة إلى بيته العامر المفتوح، لكي أتبارك منه، وأستقي من حكمته، واستمتع إلى أقواله وقصصه الحكيمة، لطالما كان بيته مقرّا ومحجّا يؤمه الناس لاستشارة أو لحل مشاكلهم، أو لتحكيمه في خلافات اجتماعية وعائلية، فبيته كان بمثابة قاعة المحكمة وكل من لجأ إليه قبل خاطره، وما أصدره من حكم استُقبل برحابة صدر من جميع الأطراف، ومهما كان الخلاف عميقا، خرجوا من بته راضين شاكرين.

فكان المرحوم يأمر بحفظ الإخوان، ويحثّهم على حلّ خلافاتهم بالتي هي أحسن، خارج أروقة القضاء أو الدوائر الرسمية، من هذا المنطلق كان المرحوم مؤتمنا على ثقة الناس على السواء. هذه الثقة اكتُسبت على مدار سنين حياته، وبُنيت على طيب نشأته، إذ ترعرع المرحوم في بيت دين وكرم ومودة الناس وخدمتهم. فوالده المرحوم الشيخ أبو قاسم محمد فرج، كان بيته محطّا للزوّار، ومضافة للوافدين من الجبل إلى الساحل، ومن الساحل إلى الجبل، فكان يُحسن استقبالهم ويقوم بأصول الضيافة بشكل مستديم، بالإضافة إلى ذلك كان والده المرحوم يحلّ الخلافات بين الناس، ومركزا للتداول في قضايا المجتمع عامّة، ومن كافة القرى، وكان خاطره مقبولا وحظي بالاحترام والتقدير عند جميع أبناء الطائفة المعروفية من علمانيين وجسمانيين، من رجال مجتمع ومشايخ الدين والرئاسة الروحية.

فكان المرحوم والده يتقلد العباءة المقلّمة، لسمو منزلته الدينية وتقواه، والتي انتقلت إلى شيخنا المرحوم ابنه أبو علي مهنا فرج يتقلدها بعد وفاة والده.

حدثني الشيخ أبو علي مهنا فرج أنه يوم وفاة والده حضر فضيلة الشيخ المرحوم أمين طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، والمرحومة الست أم نسيب فاطمة، ابنة الشيخ الجليل خليل طافش، رضي الله عنهما، حيث طلبت الست أم نسيب من سيدنا الشيخ أمين طريف (ر.ع) أن يقلّد العباءة المقلّمة التي كان يرتديها الشيخ أبو قاسم محمد فرج (ر) لابنه الشيخ مهنا. فكان جواب سيدنا الشيخ أمين: “أنه خاطر شريف وخاطرك مقبول” وهكذا كان.

اختيار المشايخ للشيخ الراحل أبو علي مهنا فرج، يدلّ على ثقتهم به، كان أخوه الكبير المرحوم الشيخ أبو محمد إسماعيل مركز دعم وسند للشيخ أبو علي مهنا، وكان يفضّله عن نفسه ولطالما سمعت منه عن مآثر أخيه وكان دائما يسألني ويطلب مني زيارته والسؤال عن حاله.

كانت تربط الشيخ أبو علي مهنا فرج علاقات حميمة بأهل كسرى تعود إلى سنوات عديدة، حيث بدأ يتعلم أصول الدين والقراءة والكتابة عند الخطيب في قرية كسرى، ومن ثم تزوّج من المرحومة نعامة فندي غانم ابنة قرية كسرى التي كان لها مكانة خاصة عنده، وامتازت المرحومة بطيبة قلبها، بتقواها وبتواضعها وكانت الأم الصالحة لأبنائه. كان المرحوم محبّا للأرض وعطائها كالمرحوم والده فكانوا يوزّعون من محصول القمح على العائلات المستورة.

كانت تربط المرحوم علاقة صداقة بالشيخ أبو علي منصور عماشة من بقعاثا، فكان شيخنا يزرع كل سنة “شكارة” قمح ويخصص محصولها كاملا له. كان المرحوم موضع ثقة عند الجميع وتم تعييه من قِبل قريته يانوح ليكون رئيس لجنة الدفاع عن الأرض والتصدي لمصادرة الراضي.استطاع المرحوم فض خلافات عائلية عديدة في الطائفة الدرزية وإصلاح ذات البين بينها، ومنها نذكر مساعيه للصلح في قرية كسرى.أُطلق عليه لقب “قنديل الجبل” لكرامته ومنزلته الدينية فالإضافة إلى مركزه الديني ووقاره وحكمته، كان المرحوم يحظى بطلّة بهية فريدة، تجده متأهبا لمقابلة الناس برحابة صدر، ووجه بشوش وكرم نفس وسموّ أخلاق ندر ما اجتمعت في شخص واحد.

وفي الختام رحم الله شيخنا الفاضل وهدانا وإياكم على نهجه الصالح وطاعة الله وتقواه.

 

يا كوكبا تلألأ في فجر الفلح

بقلم الشيخ كيان أمين فارس – الرامة

بسم الله الرحمن الرحيم

لستُ أهلا أن أخوض غمار تأبين الأعيان، ولستُ من خيول هذا الميدان، لكنها وقفة وفاء في موقف مهيب، بلسان عاجزٍ ويراعِ حائرٍ وقلب كئيب، على سبيل الخدمة التي أرجو بها العفو والتقريب.

إنّ العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، وإن الشوق ليقرع، أبواب الوصول إلى أرباب العقول، إلى شيوخ البلاد، إلى صفوة العباد، إلى سدرة الزهّاد. وكيف لا يُضرم الشوق النيران، وقد تجرّعنا مرارة الفقدان، وفراغ الحال ونفاد العنوان، برحيلك يا قنديل الجليل يا شيخ الجبل، يا من بكّرت الرحيل وفارقتنا على عجل، لتتركنا في عالم المُلك التحيل وترتقي إلى ملكوت الأزل، يا مَن رقى فلك الصعود، في بروج السعود، إلى المحل البديع، إلى الملأ الرفيع، يا كوكبا تلألأ في فجر الفلح، وشهابا سما وعلا وعرَج، واعتلى على أعلى درج، يا سليل الأطهار التي يشدوها الحديث بلا حرج، يا شيخنا الطاهر، يا شيخ أبا علي مهنا فرج. لقد صدع ارتحالك قلوب الإخوان، وأصاب الفراق كبد الطائفة بسهام الأشجان، وأزعج الغروب شموس الأوطان، يا مبعث النور ويا فقيد الدين والإيمان، وفقيد التواضع وفقيد المحبة وفقيد الإنسان. يا من وعظتنا بالحال قبل القال، لطالما قدّمت لنا رمزا مليّا، ونموذجا حيّا، ومثالا قويّا، لشيوخ آل ابي تراب، بتواضعك الذي آثر الأحباب، على نفسك التي بعتها طمعا في أعظم ثواب… يا خير ذكرى، هل نجتمع بعد طول غياب؟ هل يتحقق الحلم بلقاء الرسول والأصحاب؟!

فيا حسرتنا ويا لوعتنا ويا وحشتنا … يا وحشة الليل بغياب الأقمار المنيرة، لأنكم أعلام للهدى في ديجور الظلمات العسيرة، يا رموز الأمّة يا شيوخ العشيرة. ويا أسفاه على ضعف الهمّة، وشحّ العزيمة، وغصّة الأحداق، والعجز والتقصير عن اللحاق، بميدان السباق، والضّمّر العتاق، لكننا، مهما استعرت الأشواق، ومهما عزّ الفراق، لن نقول إلاّ ما يرضي العليّ الخلاّق. فسبحان الدائم الباقي، وجلّ في علاه الذي لا يحمد على مكروه سواه، نطلب عفوه ورضاه، ونحمده تعالى الذي جعل الصبر حصنا لمن اعتقده وارتضاه، وحكم به وأمضاه.

وفي الختام، عزاؤنا بنزهة الإخوان، بما تبقى لنا من أعيان، أدام الله لنا مهلتهم، وأبقاهم لنا حرزا وعلى رؤوسنا تيجانا. قدّرنا الله تعالى على اقتفاء آثارهم الروحية، وتعاليمهم الأبدية، ومناهلهم التوحيدية، واجعلنا من جملة التابعين لهم بإحسان، إنه رؤوف منّان.

الرحمة والرضوان لحضرتك يا شيخنا الجليل المفضال، والتوفيق والتسديد والعمر المديد لأنجالك البررة الذين نتمنى ونسأل الله تعالى لأن يبقيهم لما، كما عهدناكم على الدروز، خير خلف لخير سلف. سلام الله عليك يا شيخ الجبل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة: