الموقع قيد التحديث!

المَرْحوم الشّيخ أبو رَجا يوسِف الخَطيب

بقلم الشيخ الدكتور سليمان الخطيب
نجل المرحوم
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

المَرْحوم الشّيخ أبو رَجا يوسِف الخَطيب
1919-2019

يَنْتِمي المَرْحوم الشّيخُ أبو رَجا يوسِف خَطيب، لِعائِلَةِ خَطيب مِنْ قَرْيَةِ يانوح، الّتي يَرْجِعُ تاريخها إلى غابر الأزْمان, وذلك وِفْقًا لِوَثيقَةٍ تَمَّ اِيْصالِها إلي مِن الأقارِب مِنْ لُبْنان، تُؤَكِّد عُمْقِ جذور هذِهِ العائِلَةِ في تاريخ الطّائِفَة التّوحيديَّة إذ يَرْجِعُ نسبها إلى الشّيخِ سعيد البُقعسماني، صاحِب الغُرّة الشّهيرَة مِنْ زَمَنِ الأمير السّيِّدِ (ق). وِلَدَ المَرْحوم سَنَة 1919 لِأبويْنِ كَريميْنِ، هُما المَرحوم الشّيخُ أبو يوسِف سليمان سَلْمان الخَطيب، الاِبن الوَحيد للشّيخِ المَرحوم طَيب الذِّكر سَلْمان الخَطيب، وَأُمِّه المرحومة اِم يوسِف وَطفَة يوسف سَلامة مِنْ قَرْيَة يِرْكا. وقد َتمَّ قِران الوالِدين الكَريمينِ قبْلَ أنْ يَلْتَحِقَ والِدَهُ الشّيخ أبو يوسِف سليمان الخطيب، بالجيشِ التُّرْكِيِّ زَمَنْ الدّولَة العُثْمانِيَّة، ورُزِقا بِثلاثَة أوْلاد وَثَلاثِ بَنات، والشّيخ أبو رَجا يوسف كان الاِبْنِ الأكبَرَ بين اخوته .

تَرَعْرَعَ المَرْحوم في بيتٍ يَعبَقُ بالرّوحانِيَّات وَالأجواء الدّينِيَّة والتي وصل اوجها زمن جّدَّهُ المَرْحوم الشّيخ سَلمان الخطيب حيثُ كانَ شيخ القريه وسائِس الخُلْوَةَ الأولى في يانوح في أواخِر القَرِن الثامن عَشَر, هذا وَما زالَتْ آثار هذِهِ الخُلوَة قائِمَةٌ إلى يَوْمِنا هذا , حيثُ زارَها العَديدُ مِنَ المَشايِخِ الأجِلّاءِ وَأعيانُ ذلِكَ الزّمان الذين كانوا رفقاء الشيخ سلمان وَمِنهم المَرْحوم الشّيخُ خَليل طافِش (ر) المَرحوم الشّيخ صالِح أبو مِلح (ر) والمرحوم الشيخ محمد معدي والمرحوم الشيخ سعيد عليان وَغيْرِهم . نَشَأَ المَرحوم الوالد في هذِهِ الاَجواءَ وَاِرْتَشَفَ العُلومَ الرّوحانِيَّةَ وَتَغذّى مِن القِيَم الاِجتِماعِيَّة الدّينِيَّة الّتي أدَّتْ إلى تَمَيّزِهِ بِالتّواضُعِ وَالتحلي بالآداب الدّينيَّة ,البَساطَةَ, الوَرَع والتُّقى. تَرَبَّى المَرْحوم وَنَشَأَ في زَمنٍ صَعبٍ اِجْتِماعِيًّا وَحياتِيًّا وذلك في أواخِر الدّولَة العُثمانِيَّة وَأوائِل الاِنْتِداب البِريطانِيِّ، مِمّا أدّى بِهِ الي أنْ يَعمَلَ جنبًا إلى جنبِ مع والِده وَأُسْرتهُ في الزّراعَةِ في القَريَةِ وَخارِجها وَخاصَةً في أراضي جدّهِ الشيخ يوسف سلامه من قَريَة يركا في سَهلِ مُرّان، منذُ أنْ كانَ في الحول الرّابِع عشر من عمره. كلّ ذلِكَ لِكي يُساعده والِدهُ وَإخوتِه مِن نيلِ العَيشِ الكَريم الّذي يرتكزُ عَلى الرزق الحَلال.

مَرّت السّنوات بصعابها وَمشاقّها وَمشاكِلها وَتحوّلاتها في داخِل القَريَةِ وخارِجها وَالمَرحوم يعمَلُ جاهِدًا في شَقِّ طريقِهِ بِعصامِيَّة وَثباتٍ وَرباطة جأش هادِفًا أنْ يَكوِّن أُسْرَةٌ كَريمَةٌ كَباقي النّاس في القَريَةِ وِفقًا لِسُنَّة الحياة.

تَزَوَّجَ المَرْحوم مِن الخالَة المَرحومَة ثُريا حسين سعد، وَرُزق بالأخِّ أبو نزار رجا يوسف خطيب وَأُختنا الحنونة، أم حسين ميسّر يوسف خطيب، حَرَم اِبن العَم أبو حسين مفلح حسين خطيب. لكن بَعْدَ سنوات من زواجه منها، اِمتدَّتْ يَد المَنون اِليها وتوفاها اللّهُ، ووالِدنا المرحوم ما زال في أوائِلِ الثّلاثينِيات مِنْ عُمرِهِ. رفض أنْ يَتزوَّجَ لِفترَةِ سبع سَنواتٍ حتّى يكبُرَ أولادهُ وبعدَ ذلِكَ تزوّجَ ثانِيَةً مِن الأم المَرحومَة أم سليمان زليخَة ذيب فَرج حيثُ رُزِقَ منها خمسَة أولاد وبنتٌ واحِدَة وَهم: سليمان ” كاتِب هذِهِ الكَلِمات”، كمال، جمال، وليد، هاني وألهام.

تَثاقَلَتْ عَلَيْهِ الأحمال وَعِبئِ الحَياة القاسِيَة وَعَمِلَ سَوِيَّة مَع زوجتِهِ عَلى تَربيَة أُسْرَتِهِ واضِعًا نصبَ عينيهِ في تلك الفترَةِ أنْ يَبْنِيَ العُقولَ أوّلًا وَيَحِسن التّربِيَة ثانيا وبَعْدَها يتمم َوزوجَتِهِ المَسيرَةَ الحياتية لِأولادِهِ. وَهكذا فَعِلَ حيثُ وَجَّهَ ودعم اِبْنَهُ البِكْرَ رَجا للِتّعليمِ في المَدْرَسَةِ الثّانَوِيَّةِ في قريَةِ كفر ياسيف في آخِرِ سَنواتِ الخَمسين مِنَ القِرْنِ الماضِيَ، حيث لَمْ يَكن هذا الأمرُ مَفهوم ضِمنًا في تِلْكَ الحقبَة من الزّمَنِ لِيُصبِحَ لاحِقًا من أوائل المدرسين في القَرْيَةِ مُنْذُ سَنوات السّتين من القرن الماضي. ثُمَّ دَعَمَ لاحقا باقي الاولاد للتّعليم واِرتشف كُلٍّ منهم العُلوم الدُّنيويَّة حتّى وَصَلَ بعضِهم إلى الدّرجات العِلمِيَّة الرّفيعَةَ من جامِعات الدّولَة هذا جَنْبًا إلى جنبٍ الاِهتِمام في تربِيتهم عَلى الآداب الدّينِيَّة وَالقِيَم الاِجْتِماعِيَّة الاِنْسانِيَّة لِيَتَّصفوا وَيَتحلّوا بِحُسْنِ الأخلاقِ وَالسّيرَة والسّمعَة الحَميدَةَ في المُجتَمَع داخِليًّا وَخارِجيًّا لِيَشُقّوا طَريقَهم الحَياتِيِّ بِتَعاوِنٍ وَجدٍّ وَاِجْتِهادٍ مِنْ مُنْطلَق الإخوَة ِ وَحفظ الاِخوان وَالهَدَف من بِناءِ الأُسَر المُرْتَكِزَة عَلى رِزق الحَلال وَالعِصامِيَّة. كُلِّ ذلك بِتوجيهٍ وتربِيَةٍ وَدعمٍ مِنَ الوالِدِ وَالوالِدَة المَرحومين الّذينِ عَمِلا سَوِيَّةً وَبِتَكاتُفٍ وَتفاهُمٍ لِبِناءِ أُسْرَة مُتواضِعَة أساسَها الأدب وآداب الدّين وَالأخلاق وَالعِلمَ مِن مُنْطَلَقِ المَثَل القائِل ” الدنيا ما منها غِنى وَلا عَنْها غُنى “.

عاشَ المَرْحوم بَيْنَ أترابِهِ منْ العائِلَة وَالقَرْيَة مِنْ مَشايِخَ وَأصْدِقاءٌ مِثْلَ عَمِّه المَرْحوم الشّيخُ أبو محمد سَلمان الخَطيب حيثُ كانَ لَهُ نِعْمَ السّنَد والعضد وَأبناء خالَتِهِ المَرْحوم الشّيخ طيب الذّكر أبو عَلي مهنّا فَرَج وَأخيهِ المَرحوم العَم الشّيخ أبو محمد اِسماعيل فَرَج وَغيرِهم مِن مَشايِخِ القَرْيَةِ حتّى آخِرَ لَحظاتِ حياتِهِ.

في صَباحِ يَومِ السّبت المُوافِق 27.7.2019 رَجِعَت الوَديعَةُ إلى باريها بَعْدَ أنْ عاشَ العُمر المَديد الّذي راوَحَ 100 سَنَة ونيف والّذي اِمتازَ بِها بِالصِّحَةِ التّامَة وَالأهَمِّ من ذلِكَ العَقْلُ الرّزين الرّاجِحَ التّام حتّى يَوْمِ وَفاتِهِ وَكانَ دائِمًا يَسْتَقْبِلَ ضيوفَهُ مِنَ الأقارِبِ وَالأصْحابِ وَالمُحِبّينَ بِوجهِهِ البَشوش وَيعمِرونَ جَلساتهم بِذِكْرِ اللهَ الّذي لَم يَنْقَطِعَ عَنْ لِسانِهِ أبَدًا حتّى آخِرَ حَياتِهِ. حينَ سَماع وَنَشْرِ نَبَأَ وَفاة المرحوم تَوافَدَتْ وُفودَ المُعزين مِن جَميعِ القُرى الدّرزيَّةِ وَالمُحيطَةِ بِقَريَتِنا يانوح وَخاصَّةً مَشايِخَ البِلاد وَأعْيانَها لِلمُواساةِ وَالتّعبير عَنْ أسفهم لِفُقْدانِ الشّيخ المُتواضِعَ الّذي عاشَ حَياتَهُ عَلى البَساطَةَ وَرِزْق الحَلال.

اِتّسَمَ الوالِدُ المَرحومَ بِالسُّمعَةِ الطَّيِّبَةِ وَحُسْنِ الاَخْلاق وَالعَلاقاتَ الاِجْتِماعِيَّة الطَّيِّبَة مَع جَميعِ النّاس صَغيرًا وَكبيرًا وَرافَقَ المَشايِخَ في جَلَساتهم واِجْتِماعاتهم في الدّاخِلِ وَالخارِجِ حتّى السّنوات الأخيرَةَ مِنْ حياتِهِ وَشارَكَ النّاس أفراحهم وَأتراحهم من مُنطلقِ حُبِّهِ لِلنّاس وَالمُجتَمَعِ، كَما وَقامَ بِتَأدِيَةِ واجِباتِهِ الدّينِيَّةِ في مجلِسِ الذّكْرِ ,كما وَدعمِ الاِخوان في الدّاخِل وَالخارِج وَخاصَّةً لِلاِخوانِ في لُبنانِ مِنْ مَشايِخَ خلوات البَيّاضَة وَالشّوف وَسوريا وفي كُلِّ مَكانٍ .زارَهُ الكَثيرونَ مِنَ الاَصْدقاءَ وَالمَشايِخَ وَالأصحاب مِنَ القَرْيَةِ وَخارِجها حتّى أيّامَهُ الأخيرَة وَقامَ أبناؤهُ وَزوجاتهم وَأولادِهم الكِبار وَالصِّغارَ بِالعَمَلِ الدّؤوب ليلَ نَهار وَعَلى مَدار السّاعَة بِرِعايَتِهِ بِالرُّغمِ من أنَّهُ كانَ مُسْتَقِلًّا تَمامًا وَكانَ الهَدَفُ مِنَ الدَّعْمِ وَالمُراعاة وَالاِهتِمام هُوَ الوِنسَةَ وَمراعاة الصِّحَة النّفسِيَّة الّتي رَضِيَتْ بِما قَسَم لها اللّهُ حَتّى خَرَقَتْ مَحبَّتَهُ قَلوبِ الجَميع مِنَ الاَحفاد الصِّغار الّذينَ عايشوهُ وَاِكتَسَبوا رِضاه وَوجودَهُ لِآخِرَ لَحظَةٍ في حَياتِهِ.

مقالات ذات صلة:

بين الماضي والحاضر والديموقراطية

الديموقراطيّة هي طريقة حياتيّة يمارسها أبناء المجتمع، وخصوصًا أصحاب القرار الذين انتُخبوا ليحلّوا مكان المختار وشيخ العائلة، الذين كانوا أصحاب

الأخلاق في مذهب التوحيد

الجودة “أي الصلاح، في فلسفة المذهب، ليست وسيلة لغاية وحسب، وإنّها حالة عقليّة مستمرّة في تطوير الروح الإنسانيّة نحو الكمال.