الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 152: الطائفة الدرزية تزود العالم بالأخلاق كغابات الأمازون التي تزوّده بالأكسجين

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

رُوي عن الشيخ أبي محمد صالح الجرماني (ر) ان أحد الموحدين أحضر له كمية من القمح من شهبا وعندما وصل فتح له البوابة ولم يكن يعرف الشيخ من قبل، فسأله الجمال: أين الشيخ أبو محمد صالح الجرماني، فأجابه الشيخ: قريب، فقال الجمال اذهب وأخبره حتى يأتي ويستلم القمح. وبدأ ينزل القمح معه فألح عليه الجمال بالذهاب وإعلام الشيخ بوصول القمح، والشيخ يجيبه بكل هدوء بأنه قريب، واستمر بمساعدته فغضب منه الجمال، وقال له، لست بحاجة لمساعدتك، اذهب وأحضر الشيخ في الحال، فأجابه باطمئنان وهدوء أعصاب: يا بعدي أنا الذي يقولون لي شيخ، فكسف الجمال نظره واستحى وأطرق رأسه خجلا وقدم الاعتذار للشيخ مع طلب صفاء الخاطر.

الطائفة الدرزية زاخرة بالشخصيات الدينية التقية المستقيمة المتواضعة. لذلك تحظى بنعمة كبيرة ليست موجودة عند أي طائفة أخرى وهي أنها مشمولة برعاية ربّانية دائمة. هذه الطائفة هي أنقى وأرقى وأطهر شعوب العالم. ولأنها مجبولة بالصفاء والبراءة والاستقامة والعفوية فهي تُحسَب لأول وهلة فريسة سهلة المنال يطمع بها مَن يتراءى له أنه يملك القوة والبأس، حيث يتهافت كل من يتصوّر له أن في حوزته قدرة معيّنة أنه يستطيع أن يستحوذ على هذه الطائفة، وأن يسخّرها لمصالحه، وأن يسيّر أمورها، وكأنه كُتب على الطائفة الدرزية أن تظلّ دائما مهددة دينيا، سياسيا، اجتماعيا، فكريا، واقتصاديا حيث يفكّر كل من يملك الوسائل والإمكانيات أن يحاول أن يستولي عليها ويسخّرها لمصالحه. ومنذ ظهرت هذه الطائفة على مسرح التاريخ كمجموعة مميّزة لها فوارق وعلامات، غدت هاجس كل مستعمِر وكل ديكتاتور وكل معتدٍ وكل معتوه راكب رأسه. والتاريخ يشهد أن القوة عند الشعوب والأمم لا تكون عادة عند أصحاب الفكر والعقل والطيبة والخصال النقية فهذا التاريخ زاخر بقبائل وشعوب شرسة اجتاحت بلدان الكرة الأرضية في فترات مختلفة وعاثت بها فسادا وخرابا. ولا حاجة للتحدث عن الكثيرين يكفي ذكر البعض مثل الفاندال، الهون، الجرمان، التتار، وما شابههم.  حتى شعوب تُعتبر اليوم متحضرة أو ادّعت أنها كذلك مرّت في تاريخها بظلمة الوحشية والهمجية واستغلال القوة الفاحشة في التنكيل بشعوب أخرى.   وعلى ضوء ذلك ظهرت الدعوة الدرزية على مسرح التاريخ مكوَّنة من أفكار سديدة، ومبادئ أخلاقية، ومناقب سلوكية، تهذّب وتعدّل وتخفف من فظاظة ما كان متَّبعا حتى ذلك الوقت، ولكون الدروز أمة شقّت طريقها معلِنة رسالتها، شامخة برأسها، رافعة كلمتها، قائلة جئت أصحح الناموس لمصلحة الجميع ولم آتي لأنافس أحدا أو لتحطيم أحد، لكن الأديان والشعوب التي ظهر الموحدون إلى جانبها لم يفهموا هذه اللغة وتعاملوا معها بلغتهم،

الطائفة الدرزية هي من أكثر الطوائف والمجموعات البشرية التي عانت من مطاردة، ومن عداء، ومن أطماع ومن جرائم إبادة وقتل استمرّت خلال ألف سنة وجودها، من قِبل أطراف مختلفة، ومصادر معادية بدون أي سبب، وبدون أي عمل عدواني من قِبل الطائفة نفسها اتجاه أي مصدر طمع في القضاء عليها. إن كل مشكلة الطائفة الدرزية هي أنها تضم مجموعة من أصحاب المبادئ المثاليين الذين يؤمنون بنقاء الجنس البشري وطهارته، ويعتبرون الفضائل الدينية والمبادئ الروحية والوصايا العشر وغير العشر، أمورا يجب تنفيذها وتطبيقها والعمل بموجبها، وليس مجرّد شعارات يمكن أن يتغنّى بها المجتمع ويدعو إليها، ولكنه لا يبذل أي جهد في تطبيقها. كل درزي متديّن ينفّذ كل أمر أو نهي أو وصية أو موعظة أو فرض أو توجيه مصدره الكنوز الروحية التوحيدية الدرزية. وهذه الكنوز الروحية هي مصادر غنيّة مليئة بكل الحلول لكل أنواع المشاكل التي يمكن أن يواجه المرء أثناء حياته، وبعكس الأديان الأخرى، الدين الدرزي يهتمّ بالدرجة الأولى بالإنسان، ويعتقد الموحد الدرزي أن الله سبحانه وتعالى خلق كل هذا الكون العظيم بروعته وفخامته وغناه بالثروات وبمصادر الطاقة الطبيعية والمُنتَجة، كل هذا الكون خلقه الله سبحانه وتعالى ليخدم الإنسان، والإنسان هو أنا أو أنتَ أو ذلك الفقير الذي يعاني من المرض في جنوبي شرقي آسيا، أو تلك المرأة المسكينة التائهة في أدغال أفريقيا، أو ذلك الشاب الهائج المتمرّد الذي ترك القصور في باريس ولندن وخرج للطبيعة ليعيش على هواه، وطبعا كل رجال الدين، وكل طبقات المجتمع البشري التي خلقها الله لتعيش على وجه الأرض فوق الكرة الأرضية، وسخّر لها الماء والغذاء والحرارة والأكسجين وكافة العناصر الحياتية. دين التوحيد الدرزي يراقب ويحاسب ويعاقب الملوك والمسئولين والقادة والزعماء إن شذّوا وظلم أي واحد منهم الرعيّة، وفي نفس الوقت يعاقب الفرد إذا ظلم نفسه ولم يحترم العهود والموازين والأصول المتّبعة وشذّ عنها وقام بعمل غير لائق يستنكره المجتمع. ونحن نرى أن أكبر الجرائم وأصعب الخطايا تُغتفَر بسرعة وبدون جهد في كافة الأديان طبعا بعد القيام بعملية مألوفة ومعروفة في هذا المجتمع إلا في الدين الدرزي هناك الكبائر التي لا تُغتفر أبدا، وكل إنسان يشذ وخطئ ويقوم بعمل منافٍ للأخلاق يعاني كل حياته من نتيجة أعماله ولا يخلد إلى الراحة أبدا، كل ذلك من أجل أن يتعلّم الآخرون وأن يتّعظوا، وأن يدخل إلى وعيهم أن هناك أشياء غير إنسانية لا يمكن أن يتبنّاها الجنس البشري، وعليه ألاّ يفعلها، وبعض الأديان تدعو إلى قتل الكافر في نظرها، والاستلاء على زوجته أو ابنته أو أخته وكذلك أولاده، فيكونوا سبايا ومحظيات لدى أولئك الذين يدّعون الشرف والرفعة والوقار. وبالمقارنة هناك خطيئتان إذا اقترف أي إنسان واحدة منهما فإنه يدفع الثمن طالما هو موجود على وجه الأرض، ويكفي أن نقول إن ذوي  منزلة رفيعة في إحدى الديانات يحلّلون لأنفسهم إيواء سبايا ومحظيات بينما تشدِّد وتحذر الشريعة التوحيدية الدرزية المؤمنين وتقول لهم إن أي شيخ إذا كان جالسا ومرّت أمامه فتاة أو امرأة ،ومن طبيعة الجنس البشري أن يطيل النظر بها تمتّعا بالجمال مثل إذا نظر إلى صورة أو لوحة أو زهرة أو ثوب متقن، لأن المعروضات الجميلة تلفت وتجذب، لكن الشيخ أو الإنسان الدرزي لا يسمح لنفسه نظرة أخرى لأنه يعتبر هذه النظرة هي عبارة عن إثم كبير ناتج عن شهوة جنسية يجب ألا تكون، فكثيرا ما يجلس مشايخ في أماكن عامة وتراهم يغضون الطرف إن مرّت أمامهم فتاة، وإذا نظروا مرة أخرى رغما عن عدم إرادتهم ذلك فإنهم يعتبِرون أنهم فعلوا خطيئة ما، فيسارعون إلى طلب العفو والسماح والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، واضعين كل وعودهم عدم تكرار هذا العمل مرة أخرى.

مشايخ الدروز حريصون على تجنب كل خطيئة، يمتازون بالقة والتواضع والعفة وكبر النفس   مثلهم مثل الشيخ أبو حسين علي شجاع الذي تحدّث عنه بعض الإخوان من بلدته حاصبيا أنه كان كثير الإقامة في خلوات البياضة الزاهرة وبينما كان في خلوته برفقة حرمه المصون رآها تنظر إلى ناحية من الخلوة فوجدت عنقودا من العنب فتقدّمت إليه وأخذته بيدها فقال لها الشيخ: لما أخذت هذا العنقود؟ فقالت: أريد أن أحمله إلى البيت وأطعمه لولدنا حسين. قال لها: لا، إن ما جاء إلى البياضة يبقى في البياضة.

هؤلاء هم شيوخنا وقادتنا وبفضلهم نشعر بالقوة ونتمسك بالإيمان وننظر قدما بتفاؤل،     وكل عام وأنتم بخير.

كل عام وأنتم بخير

سميح ناطور

دالية الكرمل

نيسان 2020

مقالات ذات صلة: