الموقع قيد التحديث!

المقام الشريف هو القِبْلَة التي يتمنى الوصول إليها كل مواطن درزي

بقلم الشيخ أبو صلاح رجا نصر الدين
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

عندما نبحث تاريخ الزيارة المباركة للمقام الشريف، نرى أنه منذ أن انتُهجت الزيارة السنوية الحالية عام 1885، بعد ان بادر الشيخ مهنا طريف، بمشروعه لترميم المقام، وتأهليه لاستقبال أعداد كبيرة من الزوار، انتظمت الزيارة كل سنة، باشتراك جموع الطائفة الدرزية، من كافة التجمعات والقرى والمدن الدرزية في سوريا ولبنان وبلادنا في موعدها، الذي حُدد في حينه وحوفظ عليه. لكنها توقفت أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، وأثناء حرب التحرير عام 1948. أما باقي الأوقات، فقد أُجريت زيارات منتظمة بحضور آلاف الزوار، وتحوّلت في الآونة الأخيرة إلى زيارات جماعية، يصل عدد الزوار المشتركين من أبناء الطائفة الدرزية وضيوفهم، إلى آلاف الزائرين في الأيام الأولى من الزيارة، وقد تحوّلت الزيارة إلى عيد رسمي، اعتُرف به من قِبل الدولة، يضم عطلة تستغرق أربعة أيام.

ومع الوقت ظلت مكانة النبي شعيب(ع) لدى المشايخ الأفاضل بشكل خاص، ولدى أبناء الطائفة الدرزية في البلاد بشكل عام، ولدى المواطنين الدروز خارج دولة إسرائيل على المدى التاريخي، ظلت ذات أهمية كبرى، واعتبار عظيم، حيث يرى الجميع في هذا المقام، وكأنه القِبلة التي يتمنى الوصول إليها كل مواطن درزي، يريد ان يعبّر عن إيمانه وتعلقه بالتوحيد الدرزي، وانبيائه وتعاليمه. ونحن نرى أن الشاعر الكبير الزعيم شبلي الطرش، حينما كان في منفاه، بعيدا عن أهله وعشيرته وخلوته ومقدّساته، تذكّر مقام النبي شعيب(ع) الشريف، وتغنى به، وأخذ يواسي نفسه بأن يتحرر من منفاه يوما ما ويقوم بزيارته. وفي الفترات القريبة من ذلك، وفي بداية القرن العشرين نرى أمير البيان شكيب أرسلان، يقوم عام 1903 بزيارة المقام الشريف، ويكتب قصيدة عصماء طويلة عن المقام، عن بحيرة طبريا، وعن الجليل. ونراه يعود مرّة أخرى عام 1937 ويزور المقام الشريف، ويعلن عبارته المشهورة في حضرة فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أمين طريف التي قال فيها: “مثلما يحق للمسلمين أن يفتخروا بالكعبة الشريفة، ومثلما يحق للمسيحيين أن يفتخروا بكنيسة البشارة، يحق للدروز أن يفتخروا بمقام النبي شعيب عليه السلام”. ونرى الوفد الدرزي عندما قدِم للصلح في البلاد، برئاسة عبد الغفار باشا الأطرش، والأمير زيد الأطرش، والمجاهد البطل حمزة درويش وغيرهم، يقوم بزيارة المقام الشريف، والصلاة والتبرك بالنبي الكريم، متيمنا أن ينجح في مسعاه، والحمد لله، نجح في تحقيق الصلح في مدينة شفا عمرو، وكذلك في دالية الكرمل وأماكن أخرى. وقد قام بزيارة المقام الشريف، فضيلة الشيخ حسين حمادة، شيخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان في الثلاثينات، وفي الأربعينات شارك في الزيارة الرسمية عام 1946، فضيلة الشيخ أبو حسين محمود فرج، والذي قام بزيارات أخرى للمقام فردية، حينما كان يتجوّل في بلادنا في النصف الأول من القرن العشرين. وليس فقط الدروز، هم الذين اهتموا بالمقام وقاموا بزيارته، بل نجد السير لورنس أوليفانت، يزور المقام وفي أوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر ،ويبعث بانطباعاته إلى الصحف الأمريكية والانجليزية، لتنشر عن الدروز، وعن المقام، وقد جُمعت انطباعاته هذه التي نُشرت في الصحف، في كتاب صدر فيما بعد.

وقد رسخت مكانة المقام في نفوس أبناء الطائفة الدرزية الذين يتقاطرون منذ عشرات السنين في زيارات خاصة للمقام، إما لإيفاء النذور، أو للتبرك. وهناك يشعرون بالاعتزاز والفخر، بتواجدهم بجوار المقام الشريف، ويقومون أمام الضريح الكريم بالدعاء لهم ولأبنائهم بالتوفيق والنجاح، راجين من سيدنا النبي شعيب (ع) أن يحقق أمانيهم، وأن يفرج كربتهم، وهذا هو قمة الإيمان، حينما يقف الإنسان أمام ضريح نبي، ويشعر بعجزه وضعفه، ويتوجّه إلى خالقه عن طريق النبي أو الولي، راجيا أن تتحسن أحواله. ومع الوقت أصبح المقام الشريف جزءا من كياننا هنا، في هذه البلاد، نزوره بين الفينة والأخرى ونتبرك به، ونسر بالوصول إليه، لذلك، لا نشعر في هذه الأيام، بأي نقص، أن وباء الكورونة الخبيث، الذي شل كل الحركات الجماعية في العالم، أقعدنا، ومنعنا من تنظيم الزيارة الرسمية الجامعة كما تعوّدنا، فنحن نشعر أننا قريبون ومرتبطون ومتعلقون بالمقام الشريف، حتى ونحن على بعد منه. وقيل إن الهموم العامة الحادثة عن الآفاق السماوية، يصعب الاحتراز منها، لأنها سماوية، ويسهل التسلي عنها بكونها تعم الناس كلهم، فالصبر عليها يعجل في كشفها، جعلنا من الصابرين، ورحم الله من نذر فاعتبر، ويجب علينا العودة إلى نفوسنا لنيقظها، ونسأله تعالى العفو والمسامحة. وأخيرا زيارة روحانية مباركة عن بعد ومقبولة، وكل عام وأنتم بخير.n 

مقالات ذات صلة: