الموقع قيد التحديث!

الأعياد في ظل الكورونا

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

تعوّدنا خلال عشرات السنوات، أن نرى الأمور، وأن نتفحّص الأحداث، وأن نحلم أحيانا بوقائع أجمل وبتطورات أنفع، وتأملنا من الوصول إلى ما نبغي تحقيقه وتنفيذه، وكانت المعادلة بسيطة، فكان امامنا طموح، أحيانا كبير واحيانا صغير، وكانت لدينا معطيات ومعلومات ووقائع ننطلق منها لتحقيق هذا الطموح، ولم يكن ذلك قيد التنفيذ، فكنا نحدد أهدافا واقعية، من السهل الوصول إليها وتحقيقها كي نرضي في البداية أنفسنا، ثم المسئولين عنا، أو الذين يرصدوننا ويراقبوننا، ونتوقع أن يتم التحقيق فعلا، وأن ننتقل لمرحلة جديدة، وهكذا حققنا على مستوى دولة، بنينا كيانا جديدا استوعبنا الألاف كمواطنين في الدولة الفتية، طوّرنا قرانا، ورويدا رويدا كبرنا مع الدولة وأصبحنا جزءا منها، ورسخت جذورنا فيها، بالرغم من قلة عددنا كدروز، وبالرغم من نسبتنا الضئيلة من بين السكان، إلا أن وزننا النوعي كان ولا يزال  كبيرا، وتأثيرنا كان ملموسا، واعتُبرنا قوة وعنصرا لا بأس بهما في الدولة، ونظر غالبية سكان الدولة من الدروز إلى هذا الإطار السياسي، كمكان ساهمنا في بنائه، وسعدنا بوجوده،  ووضعنا نصب أعيننا كأغلبية ساحقة، أن نبني هذا الكيان وأن ندعمه وان نحميه وأن نحافظ عليه. ومن طبيعة المواطنين الدروز أنهم إذا أخلصوا، بالغوا في إخلاصهم، وإذا دعموا تفانوا في دعمهم، وبالمقابل إذا حقدوا لم يتواجد حد لحقدهم. ومرّت أكثر من سبعين سنة والعلاقة بين الطائفة والدولة تتوثق وتكبر وتتحسن وتتطور، فمن بداية فيها بعض التردد والتخوّف والتفكير إلى الانتقال لمرحلة جديدة هي الاندفاع إلى التواصل والتعامل، والمرحلة الثالثة هي الاندماج الكلّي والشعور بأن هذا الكيان هو الكيان الذي يرغبه المواطن الدرزي في الدولة ولا يفكّر إلا به ولا يقبل له بديلا. وكإنسان رافق هذه المسيرة منذ بدايتها حتى الآن وكان عنصرا نشيطا فيها أقول: إن كل مواطن درزي في هذه البلاد يجب ان يحمد ربه ويشكره ألف مرة كل صباح، انه ألهم القيادة الدرزية عام 1948 وقبل ذلك، على اتخاذ المنهج الذي اتّخذته والطريق الذي سلكته، والوقوف إلى جانب دولة إسرائيل، والاندماج فيها ودعمها. وهذا يأتي بعد تجربة مريرة لإخواننا الدروز في سوريا ولبنان. ففي عام 1925 قاد عطوفة سلطان باشا الأطرش ثورة تحررية شاملة مقدسة للتخلص من نير الاستعمار الفرنسي، وحظي بدعم من المواطنين الدروز في سوريا واستمرت الثورة سنتين، وهُدمت وخربت كافة القرى الدرزية في سوريا، واستشهد حوالي ثلاثة آلاف مقاتل، وعدد مماثل لهم من المواطنات والمواطنين الدروز، واضطر قادة الثورة إلى تحمّل الآلام والمآسي في المنفى في صحاري السعودية خلال عشر سنوات، في حين كان ما يسمى زعماء طوائف أخرى في سوريا، ينعمون بملذات الاستعمار في شوارع دمشق وبيروت، ويتعاونون مع الأجنبي ويضمونه داخل بيوتهم. وعندما تحقق الاستقلال بدأ الدروز هناك يطالبون بالمساواة وبالعدالة، وبمنح الدروز حقوقهم لكن الذين نعموا بالأمن والطمأنينة وقت الحرب وتنكّروا للثوار والمجاهدين بدعم من الانتداب الفرنسي ليس من السهل عليهم أن يقدّروا تضحيات الثوار وأن يمنحوهم الامتيازات اللازمة. وقد شاهدنا تذمر وشكاوى الزعماء الدروز وفي مقدمتهم الباشا سلطان والأمير حسن وحمزة درويش ويوسف العيسمي والأمير عادل أرسلان وعشرات القادة الذين لم يستشهدوا أثناء الثورة، يبدون سخطهم وتذمرهم من تصرف الأغلبية معهم، التي لم تقدّر مساعيهم وتضحياتهم من اجل الاستقلال. وقد حدث نفس الشيء في لبنان حيث قام الأمير مجيد أرسلان وخاطر بحريته ومقامه ورفع علم الاستقلال وألهب الجماهير، وفي نفس الوقت كان هناك رئيس منتَخب وحكومة برلمانية وبدأ المواطنون الدروز يلاحظون رويدا رويدا كيف تُحقَّق العدالة وتوزَّع المناصب والميزانيات عندما تستأثر زمرة بالسلطة ولا تكون في البلاد قيادة حكيمة. ونفس اللهجة ونفس الأصوات صدرت عن دروز لبنان يطالبون بحقوقهم الكاملة ويضغطون لتحقيق المساواة بين الذين ضحّوا والذين لم يضحوا. لهذا ليس من المستغرب أن تصدر عندنا هنا في البلاد، بعض الأصوات التي تتذمر من عدم المساواة بين الدروز وبين اليهود، لدرجة أن هناك مجموعة من الدروز يئست من مطالبة المساواة مع اليهود، وتقول أريد المساواة مع العرب ومع أبناء دير حنا وأم الفحم وعيلبون. والحقيقة هي أن هذا الوضع هو واقع الدروز الأليم في كل مكان، فالطائفة الدرزية هي قليلة العدد، وقوتها وحجمها وبأسها وإمكانياتها، أكثر بكثير من تعداد سكانها، لكن في الآونة الأخيرة، القوى موجودة بأيدي من لديه عدد أكبر من الأصوات، فمثلا نسبة عدد سكان الدروز في سوريا هي 6% وفي لبنان 5% وفي إسرائيل 1.7% وعندما تجري انتخابات ترجح كفّة الذين يستطيعون أن يزوّدوا أصواتا للمرشّحين. وهنا تبرز أزمة ومشكلة الطائفة الدرزية، حيث أحيانا يكون وزن كل رجل فيها أكثر من عشرة رجال آخرين، لكن الصندوق يعترف بكل صوت كصوت مطلق، بدون أي أهمية لمن يقف وراءه. وهذا يفسح المجال أمام أحزاب ومرشّحين من خارج الطائفة، لا يقدّرون الخدمات الحقيقية والوزن النوعي للطائفة الدرزية.

وفي هذا الوضع، وفي هذه الأحوال، تستطيع الطائفة الدرزية أن تعوِّض عمّا تخسره من الدول التي تعيش فيها، وضحّت من أجلها، بأن تعمل على تحسين وتطوير قدراتها الثقافية والعملية، وأن تحاول كل عائلة ان يتخرج منها أكبر عدد من المتعلّمين في كافة الفروع وأن يتكاتف أفراد من الطائفة، ويقوموا بمبادرات اقتصادية، وأعمال تجارية ينجحون فيها أحيانا، وتبرز أهمية الطائفة وتثبت أن لديها كفاءات ومواهب وقدرات. ونحن هنا في بلادنا نفتقر إلى وجود مبادرات اقتصادية كبيرة، تعود بالخير على الطائفة والمجتمع الدرزي. حقا لدينا والحمد لله، أغنياء وأصحاب رؤوس أموال، لكن التفكير لدى غالبيتهم هو ذاتي، فهو يبني قصرا ويشتري أغلى السيارات ويبذّر أمواله على ما يترك انطباعا على الآخرين، وقليلون يفكّرون باستثمار الأموال في مشاريع فيها تشغيل وتوفير أماكن عمل لأبناء الطائفة، فمثلا في لبنان يوجد أربع أشخاص يملكون كل واحد بنكا مستقلا كبيرا له فروع في لبنان وفي العالم العربي، ويوجد أشخاص لديهم شركات تجارية أو صناعية، لها شبكات توزيع في كل الدول العربية والإسلامية، وهنالك مغتربون دروز مكوّنون من عائلة صغيرة أو بضعة أفراد، لكنهم يملكون مرافق اقتصادية هائلة، وهذا يدل أن الطائفة التي أنجبت أشجع الشجعان، وأكرم الكرماء، تستطيع أن تنجب أرقى الاقتصاديين وأهم المبرمجين وأعظم الناجحين،  علينا فقط أن نؤمن بذلك وأن نحاول ولا نيأس، وأن نشجّع واحدنا الآخر، وأن نتحلى بالصبر، فإننا في نهاية الطريق سنحقق ما نريد ونفوز.

ربما سيكون هناك من يستغرب أني أقول أو أكتب هذه الكلمات، وهذه الأفكار في الفترة العصيبة التي نعيش فيها في ظل وباء الكورونا، الذي جمّد كل شيء، لكني أقول بالعكس هذا هو الوقت المناسب، لأن نهتز ونتحرّك، ونتعمّق بتفكيرنا، ونخطّط ونجرأ على اتخاذ القرارات، لأن الله بطريقة إرساله  وباء الكورونا إلى البشر، فتح الطريق أمام القوي والضعيف، والغبي والحكيم، والخامل والنشيط، أن ينطلقوا من نقطة واحدة، هي وجودنا في فترة ضباب غامض، وحقبة من الجمود، وحالة من عدم اليقين، وربما يكون هذا الوضع عكسيّ للمنطق، ففي هذه الظروف، من يملك فندقا كبيرا، أو شركة عظيمة، ينتابه القلق أكثر ممن لا يملك شيئا، لأن الأول يتحمّل مسئولية، ولديه ما يخسر ،أما الثاني فهو مجرد وخالٍ من كل قلق،  وهو يستطيع ان يأكل ويشرب، لكنه لا يسجل مقدار  خسارته كل يوم. إذن علينا ان نتعلم مما يحدث حولنا، أن نستغل الظروف، أن نتبارك بالفرصة التي منحنا إياها الله سبحانه وتعالى لأن ننطلق لأننا اليوم موجودون في درجة الصفر ولا يمكن أن ننزل أكثر من ذلك. وأنا أشكر الرئاسة الروحية، ومنتدى السلطات المحلية والمسئولين في الوسط الدرزي على سرعة تنفيذهم لتعليمات السلطات الرسمية في الدولة، في الحفاظ على أرواح وأجسام أبناء الطائفة، وفي القضاء على هذا الوباء الخبيث الذي حل بنا، مما سبب عدم قيام الزيارة الرسمية، بالشكل الذي قامت به في السابق، ومع كل هذا أتوجه إلى جميع أبناء الطائفة الدرزية بالمباركة بهذه الزيارة وبهذا الموعد، وأحييهم كذلك بمناسبة يوم ذكرى الشهداء الأبرار الذي ضحوا من أجل الدولة والطائفة وجعلونا نحتفل بعيد الاستقلال، شاكرا لهم حسن تعاونهم، وداعيا لهم أن يوفر لهم الله كل ما يحتاجون.  

مقالات ذات صلة: