الموقع قيد التحديث!

نظرة على ما كُتب عن الموحدين الدروز

بقلم الدكتور رضوان منصور
عسفيا
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

(ردًا على ما كتبه الدكتور مصطفى الشكعه)

سارت الطائفة المعروفية عبر السنين في نهج التغاضي والتعتيم عمّا نُشر عنها وعن معتقداتها ممتنعة عن الردّ على اتهامات وافتراءات وتشهير الآخرين بها وبمعتقداتها إيمانًا منها بأن الأمور الدينيّة سرّيّة والردود قد تفشي أسرارًا أو قد تمسّ بها، كون الطائفة المعروفية التي تقطن في الشرق الأوسط في أجواء شبه خالية من الصبر والتسامح وفهم أعماق الرأي والرأي الآخر المعتقد والمعتقد الآخر برحابة صدر.

وتيرة التنكيل كانت متغيّرة وحين طفح كيل التنكيل والافتراءات وتمادى من تمادى على الموحدين، ظهرت بين الفترة والأخرى ردودٌ رغم أنها قلةٌ نسبيًّا، إلّا أن لها اعتباراتها وأهميّتها. على وجه التحديد ظهرت وخرجت إلى الملأ مرتيْن في تاريخ الطائفة المعروفية وكانت ردودًا فذةً وحكيمة لقيت صدى داخل الطائفة المعروفية وخارجها، أوضحت لأبناء الطائفة المعروفية من هم وأزالت ضبابًا قد غطّى حقيقة وحقائق الطائفة التوحيديّة المعروفية.

أوّل الردود كانت علميّة دينيّة شجاعة من أمير بالغٍ ومبحر في الأمور الدينيّة والعلم، عُرف بفطنته، بحدّة فكره، بذكائه، بحكمته وبصحة تميّزه، وكان متمكّنًا في النحو وعلم المنطق كحدّ قول من عرفه من أبناء الطائفة المعروفية، عذب المنطق، فصيح اللسان، وقورًا، قياديًّا، ثابتًا في مواقفه ألا وهو الأمير جمال الدين عبد الله التنوخي الذي نشأ يتيمًا وعاش فقيرًا.

هذا الإنسان الفذّ الشجاع وقف صامدًا أمام تحدّيات التنكيل الخارجيّة والتفكُّك العقائدي الداخلي بحكمةٍ ورُقيّ وردّ عليها الصاع صاعيْن، ومن ضمن ردوده كتب سبعة عشر كتابًا ومخطوطًا أو أكثر. كُتب معدّة لجميع المواطنين، مشاعة وغير مقتصرة على أبناء الطائفة المعروفية. إضافةً إلى إقامة ندوات وحوارات على الملأ مدافعًا بكل ما أملاه الباري عليه من معرفة وتصدّى لكلّ محاولات الافتراء والتوبيخ والهجاء والادّعاءات الباطلة بحضور أهل العلم والدين.

ثاني الردود الحكيمة الفذّة الشجاعة كانت ردود سماحة شيخ العقل الشيخ محمد أبو شقرا الذي ميّز ظواهر التنكيل والافتراءات ومسارهما ورد عليها برؤيا حكيمة بعيدة المدى، فقد جنّد مجموعة من الأدباء والمتعلّمين والمثقّفين وأصحاب الألقاب الأكاديميّة المتقدّمة، إلى جانب أهل الدين لكتابة كتبًا توضّح من هم أبناء الطائفة المعروفية التوحيديّة، تاريخهم ومعتقداتهم محررًا بعض خفايا الأسرار وكنه التوحيد. هذا الجهد أبدع وأنتج كنزًا ثقافيًّا توعويًا شمل عشراتٍ عديدةٍ من الكتب والأبحاث التي كانت بمثابة ردًا ثقافيًا أدبيًا لادّعاءات باطلة ولمحاولات الافتراء والتّنكيل والمسّ بالدين التّوحيديّ وبمعتقداته وبإيمانه. شملت هذه الرّدود الثقافيّة جوانب عديدة وعَّت وخدمت المعرفة والتربية التوحيديّة لدى الموحِّدين، أعطت وتعطي ردًا شاملًا للمدّعين ضدهم، مُسندًا بالوثائق والمستندات ومن لبّ معتقدات الناقدين والمتنكَّلين.

بعد هذيْن الموقفيْن الجريئيْن عاد النّهج ذاته، نهج الصّمت والتّعميم والعمعمة وعدم الردّ خوفًا من إفشاء أسرار الدين والمعتقد، من منطلق الظّنّ أنّها قد تمسّ في الكيان المعروفيّ، إلّا ان هذا النهج قد يمسّ أوّلًا في أبناء الطائفة المعروفيّة وبمثقّفيها، فما يظهر نصب أعينهم سوى رأيًا واحدًا لا غير، قد يستقونه بشكلٍ أو بآخر أو قد يتبنّوه والنّتيجة المحتّمة تؤدّي إلى أزمةٍ في فهم الهويّة المعروفيّة الحقيقيّة فمسار استقاء ادّعاءات خارجيّة يشكِّل خطرًا أكبر حجمًا على الكيان التّوحيديّ من التّصدّي وتوضيح الحقائق على صعيد الطّائفة المعروفية وعلى صعيد المحيط والرأي السّائد.

خلافًا للافتراءات الباطلة فقد شهد للطائفة المعروفيّة، مَن عاشرهم بالحقّ والشّجاعة والوفاء والاستقامة والصّدق والعفّة. ومن درس تاريخهم كان على يقين بأيّ بسالة وشجاعة حاربوا الصّليبيين، وحاربوا التتار وكم سهروا على المنافذ البحريّة وكم أبلوا البلاء الفذّ في ساحات النضال، بما في ذلك تحدّيهم للفرنسيين في جبل العرب بأجسامهم وبسيوفهم قبالة الدّبابات الفرنسيّة ومصفّحاتهم، وتاريخ الطائفة المعروفيّة حافل بالإنجازات العسكريّة الفذّة، بالتعاضد مع المدافعين عن الأرض وبالتّصدّي للغُزاة، ولمحاولات الاضطهاد، والسلب، والنهب.

أمّا عن رجال الدّين فقد وُصفوا بمن يتحلّون بخصال الهدوء والعفّة والصدق والنزاهة والابتعاد عن الشّبهات والمحرّمات والشّهوات وكم زهدهم يتمثّل بالتفرُّغ للعبادة ولمقاومة النّفس ولترويضها ولمجابهة الشّهوات.

سليم أبو إسماعيل أحد المؤرّخين من أبناء الطائفة المعروفيّة، كتب عن تاريخهم وأثبت أن الطّائفة التّوحيديّة كانت أهل كتاب عبر كل الأزمنة وساروا بنور الرّسالات السّماويّة، رسالة بعد رسالة حتّى آمنوا بموسى وصدّقوا عيسى واعتنقوا الإسلام وقد عُرفوا بأسماء عديدة مثل الأنصار والمؤمنين، الشيعة العلويّة، شيعة آل محمد، شيعة جعفرية، الإسماعيليّة، الموحِّدين القرامطة، الفاطميين وغيره ثم الدّروز أمّا الاسم العقائدي فهو الموحّدون.

من الواضح أن لكلّ مُدَّعٍ ومنتقد محرّكات ودوافع لنشر ادّعاءاته وما علينا سوى البحث عن خلفيّته لندرس الأسباب والدوافع التي تحرّكه. وقع الاختيار اليوم على الدكتور مصطفى الشكعة الذي سرد طرحًا خاصًّا به عن الدّروز في كتابه “إسلام بلا مذاهب” إضافة الى أثني عشر مذهبًا آخر. اسم الكتاب يوحي بإبطال هويّة المجموعات الأخرى وضمّهم الى كنف الإسلام من باب إيمان الكاتب بأنها فرق إسلامية تفرّعت عن الإسلام، بما يعني أن الجوهر هو الإسلام وأن لا فرق بين الإسلام وبين بقيّة المذاهب والفِرق الدينيّة.

لا عجب من هذا التّوجُّه فالكاتب مفكِّر إسلامي ترعرع في بيت متديّن ابن لشيخ إسلامي. أشغل وظيفة أخرى أثناء تواجده في دول أجنبيّة ومن خلال عمله الدّبلوماسيّ ألا وهي عمل المبشّر الإسلامي على الرغم من أن اختصاصه العلميّ علم الآداب ومن ضمن ما عمل أن اشغل منصب عميد كليّة الآداب بجامعة عين شمس بمصر.

يدّعي الشكعة في كتابه بأن حمزة ابن علي هو من أعلن عن الوهيّة الحاكم بأمر الله دون معرفة الحاكم، إلّا أن الدكتور سامي مكارم في كتابه أضواء على مسالك التوحيد وضّح بأنّ دعوة التّوحيد قد نمت في رعاية الحاكم بأمر الله وبمبادرته وأنّه قد ورد في العديد من رسائل الدّعوة بأنّها كانت تُرفع إلى الحضرة قبل أن تنطلق، ودعمًا لهذا وتعزيزًا له ورد في رسالة كشف الحقائق التي نُصّت عن يد حمزة ابن علي “…فألّفتُ هذا الكتاب بتأييد مولانا الباري، الحاكم القهار، العلي الجبّار سبحانه وتعالى عن مقالات الكفّار وسمّيته كشف الحقائق”. ويقول عبد الله النجار في كتابه مذهب الدروز والتّوحيد بأنّ مولانا سبحانه هو، في كل عصر وزمان، يظهر ويتجلّى في صورة شبه بشريّة بتغيير الاسم والصفة لا غير.

أمّا عن ظهوره بالشّكل البشريّ فهو لأن حكمته قضت بذلك إشفاقًا على جهل العالم المتمسِّك بالمحسوسات، وامتحانًا لهم لتكمل عليهم الحجّة. أمّا عن غيبته النّاسوتيّة فيقول: بأنّ الباري سبحانه لا تخلو دار من وجوده طرفة عين، ولو خلت الأرض منه لزالت الحجّة عن الخلق في تلك اللحظة.

أمّا الدكتور محمد كامل في كتابه طائفة الدروز فقد كتب واصفًا الحاكم بأمر الله “…إنّكم ترون من أمور تحدث بما شاهدتموها من المولى ما لا يجوز أن تكون أحوالًا من البشر، لا ناطقًا ولا أساسًا ولا إمامًا ولا حجّةً …” ثم يقتبس من إحدى رسائل حمزة قائلًا: “ولو نظروا إلى أفعال مولانا جلّت قدرته بالعين الحقيقيّة، وتدبّروا إشارته بالنّور الشعشعانيّ لبانت لهم الألوهيّة والقدرة الأزليّة والسلطان الابديّ …”، ويزيد ويقول بأن سلطان لاهوته لا يُدرك بالعين ولا يُعرف بالكيف والأين … والموحّدون الدروز يؤمنون بأن الإله المعبود اتّخذ لنفسه صورة أنسيّة أسماها الناس الحاكم بأمر الله وهو عزّ وجلّ، ليس من جنس الصّورة الّتي اتّخذها ولا هي شبيهة به، وهو يظهر في هذه الصورة الناسوتيّة المتغيِّرة، وفي كل عصر ظهر  فيه، اتّخذ صورة ناسوتية مختلفة عن الأخرى.

رغم كلّ هذا يحاول الدكتور الشكعة المرّة تلو الأخرى ان يُعيد للقارئ وأن يكرّر جملة تأليه الحاكم بأمر الله، بما معناه بأن الحاكم إنسان عادي بنظره، له حسب ونسب وقد تمّ تأليهه من قِبل الآخرين. في هذا التّوجّه نوع من التأويل خلافًا للمعتقد التوحيديّ الذي يتمحور حول تنزيه الباري لا تأنيسه شكلًا أو جلوسًا على كرسيّ العرش في أي مكان.

استطرد الشكعة في موضوع تأليه الحاكم وراح يقتبس من كتاب المنفرد بذاته ناعتًا الكتاب هذا بالمصحف وليس من باب الصدفة. ثم يشير الشكعة بأن حمزة ابن علي قد نصّ ميثاقًا اسماه ميثاق ولي الزمان يُلزم ويوجب التوقيع عليه إلا أنّه فاته ذكر إن هذا الميثاق بمثابة كتاب تعهُّد للانضمام إلى الدّعوة التّوحيديّة، ميثاق اختياري لمن يشاء الانضمام وما الالتزام إلّا لمضامين تعهُّد لمن يوقّعه.

ثم يكتب في موقع آخر بأنّ الحاكم بأمر الله مؤلّه عند كثير من المتديّنين الدروز إلّا أن الواقع مغاير لأنّ جميع أبناء الطائفة التوحيديّة المعروفية، متديّنين وعلمانيين يؤمنون بأن الحاكم بأمر الله هو تجلّي إلهي لتسهيل فهم الوجود الإلهي وليس بعمليّة تأليه. ويتهمّ الشكعة حمزة ابن علي بتحريف آيات قرآنية في كتاب المنفرد بذاته كي يبرهن تأليه الحاكم لا تنزيهه، والكاتب يتغاضى عن نصوص توضّح التجلّي الإلهّي الّذي تكرّر أكثر من سبعين مرّة لتسهيل فهم التواجد والقدرة الإلهيّة ولترسيخ الإيمان بالباري حين يغيب ولا يُرى. ثم تظهر الازدواجيّة في كتابات الشكعة فأحيانًا يصف الطّائفة التوحيديّة بأعسل الأوصاف والألفاظ وبأخرى يمّس بقدسيّتها وبمعتقداتها. يتّضح من كتاباته أنه قرأ واطّلع إلا أنّه امتنع عن ذكر كلّ ما قرأ مثل إدخال رسائل مزيّفة إلى رسائل الحكمة من أجل المسّ بها وتحريفها، قد تمّ تصنيفها وإخراجها من رسائل الحكمة. ثم أنه امتنع عن ذكر القُدسيّة التي تعطي الطائفة التوحيديّة للقرآن الكريم.

ثم نعت الكاتب حمزة ابن علي بالوزير وبالمستشار للحاكم بأمر الله، مرّة أخرى، اختيار هذه العبارات لم يكن من باب الصّدفة إنّما محاولة للتّقزيم فالإله الّذي يتجلّى بصورة الحاكم بأمر الله لا يحتاج إلى وزير وإلى مستشار. ثم أن حمزة ابن علي لم يوصف بأيّ مكان في مصادر الطائفة المعروفيّة كوزير أو مستشار فمن أين للكاتب هذا؟!

ورغم أن الشكعة يُسهب في وصف ما كتب في رسائل التوحيد عن الحاكم بأمر الله ذاكرًا أسماء الرّسائل: السيرة المستقيمة، رسالة البلاغ والتوحيد، سبب الأسباب، رسالة الغيبة وغيرها إلّا أنّه يتقوقع في ادّعاءات التأليه لا التّجلّي ويمرّ مرّ الكرام على ما كتبه الدكتور محمد كامل حسين في كتابه  طائفة الدروز بأنّ الحاكم هو بشر في الأعين المجرّدة عند الذين  لا يعرفونه، أمّا الدروز الذين عرفوا حقيقته فيذهبون إلى أنّه الإله المعبود، اتّخذ لنفسه صورة أنسيّة أسماها الناس الحاكم بأمر الله، وهو ليس من جنس الصورة التي اتّخذها ولا هي شبيهة به.

ثم يتطرّق الشكعة إلى تحقيق كريستيان سيُبلد، حول كتاب “النقط والدوائر” ويعيد منواله كرّة أخرى حول تأليه الحاكم بأمر الله، إلّا أنه هذه المرّة يسلك في سرده مسلك التعريض والتشكيك حول بعض الشّرائع والأنبياء مدّعيًا بأن الذمّ والمسّ بالأنبياء قد جاء من النصّ التوحيديّ.

لا يكتفي بهذا ويحاول إقناع القارئ بأنّ العقيدة التّوحيديّة المعروفيّة تنبع من الحكمة اليونانيّة الممثَّلة في أفلاطون وأفلوطين وفيتاغورس ويعرّجها على الحكمة القديمة في الهند وبلاد فارس ومصر، ويرى بمعتقداتها امتدادًا لهذه الفلسفات. في هذا الادّعاء نرى بأن الشكعة يرمز إلى أنّ العقيدة التّوحيديّة هي اكتسابٌ واقتباسٌ من فلسفات سابقة وليست جوهرًا ولُبًا بحدّ ذاته كيف هذا التّغاضي والتّقزيم، كون أنه ذكر بنفسه آنفًا بأنّ العقيدة التوحيديّة قائمة منذ 343 مليون سنة. فما العجب في كون هؤلاء الفلاسفة مثل أفلاطون وفيتاغورس وهرمس وأمحوتب بمثابة أنبياء في فترة تواجدهم على الأقلّ. ويعاود فكرة امتداد العقيدة التّوحيديّة للفلسفة اليونانيّة القديمة وللفلسفات المشرقيّة المرّة تلو الأخرى ويربط بينها وبين إخوان الصفا والإسماعيلية الباطنيّة والصابئة ذاكرًا أن هناك أنبياء مشتركة بين الأخيرة وبين العقيدة التّوحيديّة مثل هرمس الهرامسة، إلّا أنه فات الكاتب أن يشير للقارئ بأنّ الصابئة تواجدت قبل الإسلام وقد شملها الإسلام مع أهل الذمّة وهناك من يعتقد بأنهم ظهور من ظهور العقيدة التّوحيديّة المعروفيّه.

وقمّة الفلسفات القديمة التي ذكرها الكاتب بما فيها العقيدة التّوحيديّة كحدّ تعريفه هو العقل الأرفع أو العقل الكلّي وهي البداهة وأصل كلّ موجود وعلّته، وهي علّة جميع العلل في الوجود، شعاع من شعاعات الله الذي هو مصدره، ونوعه وفعله وهو إرادته وغاية مبدعاته ومدِّبر مخلوقاته.

ويعود الكاتب إلى تحقيق سيبُلد حول كتاب النقط والدوائر شارحًا التّسلسل الزمنيّ للكون، إلّا أنّه لا يتحرّر من فكرة تأليه الحاكم بأمر الله رغم أنها كانت تجلِّيًا واحدًا من سبعين تجلٍّ آخر وأكثر، وفي كلّ مكان ذُكر اسم الباري عز وجل ربطه بالحاكم بأمر الله فقط لا غير وهذا أيضًا على ما يظهر ليس من باب الصّدفة. كما أنه يستعمل مصطلح الآلهة ويُقرنه بالحاكم ولا يستعمل كلمة الله أو الباري عزّ ّوجلّ. ومن ضمن ما كتبه أن الإله والقصد هو أنّ الله قد ظهر وغاب في دورات، امتدّت غيبته الأولى سبعمائة ألف سنة، خلالها ظهرت دعوات عدم، لكل دعوة كان ناطق وممدّ وأساس والمُمدِّون هم الحدود الذين تربية نفوسهم كانت بالطّبائع الدّينيّة التّوحيديّة العلميّة الفيضيّة

بعدها ما لبث الكاتب أن يذكر ظهور العلّي ودعوته سبحانه وتعالى والّتي امتدّت سبعمائة ألف سنة وأن بعدها ظهرت ست دعوات عدم، مدّة كلّ دعوة سبعمائة ألف سنة ولماّ اكتملت الدّعوات ظهر الباري بكشف آخر حتّى انقضت مدّة السبعين دورًا والتي هي ثلاثمئة وثلاثة وأربعين مليون سنة. ولمّا أتى زمان الكشف الأخير الذي هو أول دور الآخرة، تجلّى الحاكم سبحانه وتعالى بالوحدانيّة وظهر القائم المنتظر حمزة داعيًا إلى تنزيه الباري ناهيًا عن التّأويل والتّنزيل.

والعجب كلّ العجب أنّ هذا الطّرح يتنافى مع طرح الكاتب السابق الذي يدّعي به تأنيس الحاكم وتأليهه فهو وفق الطّرح هذا تجلٍّ إلهيّ من بين تجلِّيات عديدة أخرى تختلف عن بعضها البعض.

أمّا الطّرح التّالي للشكعة فهو محاولات للرّبط بين فرائض العقيدة التّوحيديّة المعروفيّة وبين الفرائض الإسلاميّة إلّا أنّ القارئ الحكيم يشعر أنّ هذه الرّوابط تُحاك عنوةً فكيف يمكن أن تكون فريضة سدق اللسان الّتي هي بمثابة الصّلة بالمعبود والإمام والحدود وبين الإخوان عوضًا عن الصّلاة؟ وهل يمتنع الموحِّدون عن الصلاة؟! وماذا لو كانت الصلاة غير صادقة فأين هي من سدق اللسان؟ ويربط الشّكعة بين فريضة حفظ الإخوان وبين الزكاة. ما للزكاة ولذكر الفضائل ونشر المحاسن وستر العيوب التي لحفظ الإخوان؟

وما علاقة فريضة ترك العدم وفريضة الّصوم الإسلاميّة، وكيف ترْك التّنزيل والتّأويل أن يكون صومًا؟ ولماذا يحرّف فريضة التّوحيد الإلهي إلى توحيد الحاكم فقط الذي هو تجلّي من مجموعة تجلّيات إلهيّة. وكيف للبراءة من الأبالسة أن تكون بديلًا للحج؟ ما علاقة البراءة من طبائع الضد والحجّ وكيف للبراءة من ديانات العدم أن تكون موازية للحجّ.

ويشرح لنا الشّكعة في كتابه مبدأ التّقمُّص التّوحيديّ المخالف للحياة البرزخية الإسلاميّة ومبدأ الثّواب والعقاب وتعريف الجنّة بتوحيد الخالق وبمعرفة ثمار المعرفة الحقيقيّة وبإيصال الأرواح الصالحة بالعقل الكلّيّ على قدر تكاملها. وهو يقسّم المجتمع التوحيديّ إلى متديّنين ودنياويين وللمتديّنين مراقٍ ودرجات دينيّة.

ثم أنّه بذكر أهميّة الرّقم خمسة والرّقم سبعة في العقيدة التّوحيديّة إلّا أنّه يناقض نفسه ويُدخل الحاكم بأمر الله كعنصر سادس للخمسة حدود صارفًا انتباهه إلى كون الحاكم تجلّى للباري من نوره انبثقت الحدود. والخلاصة أنّه يغلب على الدكتور شكعة توجّهه الإسلاميّ والخلفيّة الّتي يأتي منها على طرح وعلى محاولة بحث العقيدة التوحيديّة فهو يحاول عنوة إبطال معتقدات الطّائفة التّوحيديّة وصبغها بألوان أخرى غير ألوانها الطّبيعيّة فهل يمكننا الصّمت والتّغاضي عن هذه الادّعاءات؟! وهل يحقّ للكاتب أن يكتب ما يحلو له؟!.

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفية – العدد 151

زيارة مقام سيدنا الخضر (ع) أشرقت الشمس في صباح الخامس والعشرين من شهر كانون ثاني هذه السنة، ليس كعادتها في