الموقع قيد التحديث!

قصة أول زيارة حاشدة للمقام في التاريخ

بقلم السيدة سهام ناطور (عيسمي)
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

يُذكِّرنا موضوع إلغاء الزيارة السنوية الرسمية لمقام النبي شعيب عليه السلام بأول زيارة رسمية جرت في التاريخ بجوار المقام الشريف قبل حوالي ألف سنة، وذلك بعد الانتصار العظيم الذي حقّقه الأمير رافع بن ابي الليل في معركة الأقحوانة التي جرت عند مخرج نهر الأردن من البحيرة، بين الأمير رافع ومعه الحلف الفاطمي وبين المرتدين صالح بن مرداس وزمرته وذلك عام 1029 وفيه زال خطر انقراض الموحدين الدروز فيما لو خسروا، وتمّ توحيد كافة القوى التي تقبّلت دعوة التوحيد، والدفاع عن الدين الجديد.  وقد وقعت هذه المعركة بتاريخ 12 أيار عام 1029 وشارك فيها من بين القوى الدرزية القائد الكبير أنوشتكين الدزبري[1] الذي كان من كبار قادة الخلافة الفاطمية في زمن الحاكم بأمر الله وخليفتين بعده، وكان قد اعتنق دعوة التوحيد الدرزية، وساند الدروز وحارب معهم، بالرغم من أنه عاصر في موعد المعركة خلافة فاطمية لم تكن راضية عن الدعوة الدرزية. وكان قائد المعركة الأمير رافع بن أبي الليل، أحد كبار الشخصيات المبجّلة في تاريخ الطائفة الدرزية، بعد أركان التوحيد. واشترك كذلك الأمير معضاد[2] الذي قدِم مع فرسانه من وادي التيم ليدافع عن الكيان التوحيدي العريق، واشترك كذلك المقاتل طريف الفزّاري[3] الذي كان له شرف قتل صالح بن مرداس أحد الذين ارتدوا عن مذهب التوحيد وكان السبب في رجحان كفة الموحدين الدروز في المعركة وهو جد آل طريف، وشارك كذلك الشيخان التقيان من أقطاب دعوة التوحيد في بلادنا أبو الدرع جوشن[4] وأبو اللُّقى ثابت[5] من وجهاء قريتي داما والسافرية في منطقة الحمى وهذه المنطقة تقع في الموقع شرقي من مفرق جولاني حتى مشارف بحيرة طبريا بما في ذلك موقع لوبيا الذي يشرف على مقام النبي شعيب عليه السلام. وكان هاذان التقيان من المجموعة المعطّرة لأهل التوحيد اللذين كانا جزءً من مجموعة منتخَبة مميّزة من دعاة التوحيد عملت في منطقة أبو سنان ويركا وفي منطقة الحمى وفي الجرمق ومنطقة البقيعة لتثبيت أركان دعوة التوحيد هناك. وكان الشيخان جوشن وثابت بحكم قربهما من ضريح النبي شعيب عليه السلام يزوران الضريح ويشرفان عليه ويجريان الصلوات مع مشايخ آخرين من المنطقة بجانب الضريح الشريف تيمّنا بحضرة النبي الكريم. وعندما هدأ القتال في معركة الأقحوانة وهي السهل الذي يخرج منه نهر الأردن من بحيرة طبريا ويجري جنوبا إلى البحر الميت. وكان هذا السهل ليس بعيدا عن حطين حيث يوجد ضريح نبي الله شعيب في وادٍ غير نافذ وإلى جانبه عين الماء المميّزة. وفي فترة الدعوة برز في بلادنا دعاة نشيطون لفتوا أنظار أقطاب الدعوة فأطلق عليهم مولانا بهاء الدين لقب “آل تراب”[6] وهو من أكثر الألقاب احتراما وتبجيلا وتقديرا وكان مولانا بهاء الذي أشرف على مسيرة وتنظيم وإدارة دعوة التوحيد بعد غياب مولانا الحاكم يقدّر ويعرف الدور الذي قام به التقيّان البطلان أبو الدرع جوشن وأبو اللُّقى ثابت. وقد كان القائد الكبير أنوشتكين الدزبري حريصا أن يحافظ على أهل التوحيد وأن يرسّخ جذور دين التوحيد فجنّد كل شيء وبذل كل ما يمكن ليترجم هذا الانتصار إلى انجاز ساحق لجماعته الموحدين الدروز. وقد دعا أبو اللقى ثابت وأبو الدرع جوشن القوات العسكرية المنتصرة لزيارة الضريح الواقع بجانب قرية حطين قبل أن تنتشر القوات التوحيدية التي انبثقت من قبائل عربية مختلفة وقبل أن يعود كل محارب إلى قبيلته أو جماعته للقيام باحتفال كبير هناك. فتوجّهت جيوش الموحدين المنتصرة من الأقحوانة إلى ضريح سيدنا شعيب عليه السلام في حطين، وهناك وبجانب بقايا القبر الشريف أقسم الجنود يمين الولاء والإخلاص للدين الدرزي وعقدوا حلف دم قوي فيما بينهم، وآل كل واحد على نفسه أن يستميت من أجل طائفته ودينه وعشيرته، كل ذلك في ظل الضريح الشريف وفي نشوة الانتصار العظيم وبعد أن ثبت للموحدين الدروز أنفسهم أنهم يستطيعون أن يشكلوا طائفة موحدة مستقلة وأن هم أهل لتقبل مبادئ دعوة التوحيد ويمكنهم أن يدافعوا عنها. ويمكننا القول هنا وعلى مدى نظرة تاريخية إلى الوراء طولها تقريبا ألف سنة، أن البركة التي حصل عليها الموحدون الدروز من قبل نبينا ومولانا وسيدنا شعيب عليه السلام ما زالت تحمي وترعى وترافق أبناء التوحيد حتى أيامنا هذه. وكانت هذه الزيارة الأولى لأبناء الطائفة الدرزية حيث مكث الجنود حوالي يومين تمّ فيها تضميد الجروح وتهذيب النفوس وإلقاء بعض المواعظ والشروحات من أركان التوحيد وتم بعد ذلك الانتشار في المواقع الدرزية في وادي التيم حوالي جبل الشيخ وفي منطقة حلب وفي الجليل وكان في ذلك الوقت للموحدين مركز كبير في مدينة الرملة واللد.  ومنذ ذلك الوقت جرت زيارات فردية أهلية للمقام الشريف، ونعتقد أنه جرت زيارة رسمية أخرى للمقام عام 1281 بعد معركة حطين، فعندما شاهد السلطان صلاح الدين تفاني الدروز وتضحيتهم في المحافظة على كيانهم وعائلاتهم، وبعد ان أبلوا بلاء حسنا في معركة حطين قام ببناء مقام للنبي شعيب عليه السلام مرتبا وضم قاعة لتناول الطعام في النذور وقاعة للصلاة وغرف للمبيت ومجموعة أبنية صغيرة استُعملت فيما بعد للزيارات الفردية.

مزار الأمير رافع أبي الليل (ر) – قرية سليم – السويداء

[1]   أنوشتكين الدزبري: (عن موسوعة التوحيد الدرزية)قائد من الدولة الفاطمية، هو الأمير المظفر، أمير الجيوش، عدة الإمام، سيف الخلافة، عضد الدولة، شرف المعالي، ابو منصور، أنوشتكين. مولده فيما وراء النهر، في بلد الترك في البلد المعروف ب”ختل” وقد سُبي وحُمل إلى كاشغار، وهرب إلى بخارى، واستُعبد مرة أخرى، وحُمل إلى بغداد ثم إلى دمشق، وكان وصوله إليها عام 400 هجري، 1009 م، فاشتراه القائد تزبر بن أونيم الديلمي، وندبه لحماية أملاكه وصونها من الأذى، فأظهر شهامة وصرامة، وقام الديلمي بإهدائه إلى الحاكم بأمر الله في جملة غلمان عام 403 هجري، 1012 م فارتضى الحاكم مذهبه في الخدمة، وزاد في واجبه وقوّاه، وسيّره مع سديد الدولة في العسكر إلى الشام سنة 406 هجري، 1015 م ودخل البلد دمشق، ثم عاد إلى مصر، ولزم الخدمة بالحضرة، ولزم بعلبك واليا عليها، ثم ولاية قيساريا، وبعدها ولاية حلب. وقد عيّن الخليفة الظاهر، الدزبري قائدا لحملة لمحاربة صالح بن مرداس وحسان بن مفرج، اللذين انشقا عن طاعة الفاطميين، لكنهما حاربا الموحدين واضطهداهما ونكلا بهم كثيرا، لذلك كانت محاربتهما من مصلحة الموحدين. وبرز أنوشتكين في معركة الأقحوانة عام 420 هجري، 1029 م، حيث قُتل صالح بن مرداس، وفر حسان بن مفرج، فاستولى الدزبري على المنطقة كلها ودخل دمشق معززا مكرما. وقد أوقف انتصار الدزبري ورفيقه، القائد رافع بن ابي الليل في معركة الأقحوانة، الاضطهاد الشنيع الذي لحق بالموحدين في تلك الفترة. توفي عام 433 هجري، 1041 م.

[2] الأمير أبو الفوارس معضاد: أمير من لبنان (توفي 1040م) أبو الفوارس معضاد بن يوسف بن علي بن الخضر بن همام بن صالح بن هشام بن حسن بن حسين بن عبد الله بن تنوخ الجميهري من بني فوارس، ولد ونشأ في قرية فلجين قرب عاليه، يعود بنسبه إلى الملك المنذر بن ماء السماء اللخمي. كان من أركان دعوة التوحيد في القرن الحادي عشر في لبنان، وهو واحد من أعيان آل عبد الله المذكورين في الأصول التوحيدية.

[3]   طريف، الفزاري: (عن موسوعة التوحيد الدرزية) أحد أبطال معركة الأقحوانة عام 1029م التي دارت بين القوات الفاطمية بقيادة أنوشتكين الدزبري والأمير رافع بن أبي الليل من جهة الموحدين، وبين صالح بن مرداس، أمير حلب وكبير أعداء الموحدين آنذاك. وكان طريف أحد المقاتلين وهو ينتمي إلى قبيلة فزارة فقام طريف بالهجوم في المعركة وضرب صالح بن مرداس على رأسه ورماه أرضا، فقطع رأسه وأخذه إلى الأمير رافع الذي أرسله إلى القاهرة. وقد مُنح طريف فرس صالح بن مرداس، تقديرا لعمله. وقام الخليفة الفاطمي بتقديم المكافأة لطريف والأمير رافع على هذا العمل. وقد كلّف الأمير رافع طريفا ببعض المهمات في وادي التيم، وأثناء تجواله في المنطقة أعجبه أهل حاصبيا فعرض رأيه على الأمير رافع وعيّنه معتمدا له في حاصبيا وضواحيها، وهناك تزوج وبنى بيتا وامتلك أرضا وكوّن أسرة أصبحت مع الوقت عائلة طريف.

[4] أبو الدرع جوشن: (عن موسوعة التوحيد الدرزية) شيخ من الجليل، عاش زمن الدعوة التوحيدية، وكان من أقطابها في الجليل، وهو من أهل الحما، ومن سكان قرية داما الواقعة بين كفركنا وطبريا، وكان من أعيانها في تلك الفترة. ذكر في المصادر التوحيدية.

[5] أبو اللقى ثابت، الداعي (ر): (عن موسوعة التوحيد الدرزية) شيخ من الجليل، عاش في عهد الدعوة التوحيدية، وكان من كبار نشطائها في الجليل في فلسطين، هو الشيخ أبو اللقا ثابت من قرية السافرية، وهي قرية تقع شرقي قرية كفر كنا، في اتجاه مدينة طبريا وليس بعيدا من مقام النبي شعيب (ع). وكان الشيخ أبو اللقا (ر) من أعيان القرية ومن الذين تقبلوا الدعوة وعملوا من أجلها.

[6] آل تراب: (عن موسوعة التوحيد الدرزية) اسم أطلقه المقتنى بهاء الدين (ع) على جميع الشيوخ الذين عاشوا في منطقة الجليل من فلسطين بين عكا وطبريا، بما في ذلك منطقة الجليل الأعلى والقرى الواقعة بين الناصرة وطبريا، في عهد دعوة التوحيد في القرن الحادي عشر ميلادي، تقديرا لهم على أصالتهم وعراقتهم وقربهم من الأرض والجذور، وتضحيتهم من أجل استمرار الدعوة ونجاحها وبسطها وشمولها. وكانت المراسلات مستمرة بين القاهرة والدعاة من المنطقة. وقد عُرف معظمهم بالكني دون الأسماء. وورد ذكر لآل تراب في المصادر التوحيدية وفي رسائل الدعوة وفي الكتب التي وضعت في وقت لاحق، وأهمها كتاب “عمدة العارفين” للشيخ محمد الأشرفاني، وجاء فيه أن آل تراب هم “شيوخ المواضع من الأهل والأصحاب”.

يتحدث المؤلف عن ثلاثة مراكز للدعوة التوحيدية في شمالي فلسطين هي:

الساحل: وهي المنطقة التي تضم القرى يركا، جث، الكويكات، ميماس، إكليل والحنبلية. ويرد فيها ذكر شخصيات دينية بارزة كانت قيمة على نشر الدعوة والإشراف على شؤون الموحدين، وعلى رأسهم الشيخ أبو السرايا غنايم من يركا، وكان هؤلاء الشيوخ يجتمعون تحت شجرة وارفة تقع في المنطقة، يتداولون في شؤون دينهم ونشر الدعوة في المنطقة، عندما كانت تصلهم تعليمات من كبير الدعاة، الداعي بهاء الدين (ع). وجدير بالذكر أن معظم الأضرحة التي تضم هؤلاء المشايخ ما زالت قائمة حتى اليوم، وهي تعتبر مزارات مقدسة يؤمها الزوار.

الشاغور: وهي منطقة في الجليل الأعلى، حيث جاء ذكر قرية عين عاث وهي بجانب قرية شيزورة بالقرب من ساجور، وكان زعيمها الشيخ أبو الشبل الذي حظي بأوصاف مبجلة، وتم توصية المشايخ باحترامه وتقديره لما هو عليه من الديانة والفضل. وكان الشيخ أبو الشبل قد سافر إلى مصر وعاش مع المقتنى (ع) برهة من الدهر، ثم عاد إلى مكانه بين أقرانه وانضم بعد ذلك إلى قافلة الواحات.

الحما: وهي تضم منطقة الجليل الأسفل من ساحل عكا حتى مشارف قرية كفر كنا، وكان أهم قريتين فيها، داما والسافرية وقد ترأس مشايخ الدين هناك من آل تراب الشيخان أبو الدرع جوشن وأبو اللقا ثابت ووصفا بالشيخين السيدين.

 ويضم اصطلاح آل تراب كذلك السكان الدروز الذين تواجدوا في بلاد فلسطين في منطقة صفد والجرمق، وفي منطقة البقيعة، وفي منطقة ساجور ومنطقة المغار.

مقالات ذات صلة:

في ذكرى تحرير المقام الشريف

ما زلنا نذكر تلك الأيام العصيبة، غير البعيدة، التي وقعت في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حينما تكاتفت ظروف دولية

فضيلة الشيخ أبو علي حسين حلبي يرثي مؤسس ومحرر “العمامة”: من ذكريات الراحل المرحوم الشيخ أبو وسام سَميح ناطور

لَقَد كانَ هذا الراحل الكريم بِدَوْرِهِ، إنسانًا ديّانًا، وشخصًا عاقِلاً، عِلمِيًّا وَفهمِيًّا وَفِكْرِيًّا ، أديبًا ثَقافِيًّا، مُتواضِعًا أَخْلاقِيًّا، مُتَضَلِّعًا في