الموقع قيد التحديث!

مُقتطفاتٌ مِن كتاباتِ جاك دِي ڤتْرِي

بقلم البروفيسور علي الصغيَّر
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

مُقتطفاتٌ مِن كتاباتِ جاك دِي ڤتْرِي، مُطرانِ عكَّا خلال الفترة الصَّليبيَّة، حولَ عكَّا وأَوضاعِها الاجتماعيَّة وسُكَّانِها، وسُكَّانِ مُحيطِها؛ المُسيحيِّيِّن المحليِّيِّن والمُسلمين والدُّرُوز والحشَّاشِين والوثنِيِّيِّن

أَلمُطران “جاك دِي ڤتْرِي”، (Jacques de Vitry)، باسمه الفرنسي، و “إِيَاكُوبُوْس ڤتْريَّاكِنْزِس” أَو “إِيَاكُوبُوْس دِي ڤتْرِّيَاكُو” (Iacobus Vitrriacensis ، Iacobus de Vitrriaco) باسْمَيْهِ الَّلاتينيَّيْنِ، وُلِدَ بين العَامَيْنِ 1160 و 1170 للميلاد ببلدة “ڤتْرِي-آن ﭘِيْرْتْوا” (Vitry-en Perthois)، بِمٌقاطعة “رِيْم” (Reims)، بِشمال شرق فرنسا، وتُوُفِّيَ عام 1240 بِمدينة ِرُوما. درس الَّلاهُوت في جامعة ﭘﺎريس، عام 1214 عُيِّنَ مُطرانًا لمدينة عكَّا، التي دعاها الصَّليبيُّون “Saint–Jean d’Acre”، أَي “مدينة القدِّيس يوحنَّا العَكِّي”، والتي كانت في حينِهِ عاصمة الدَّولة الصَّليبيَّة الثَّانية (1191–1291 للميلاد)، ولكنَّه لم يصل إِلى هذه المدينة إِلَّا يوم الجمعة، الرَّابع من شهر تشرينٍ الثَّاني عام 1216، وبقي في وظيفته هذه حتَّى عام 1228. بين العامَيْنِ 1218 و 1220 شارك في حصار مدينة دُمْيَاط بمصر في نطاق الحملة الصَّليبيَّة الخامسة. عام 1228 عُيِّنَ كاردِيْنالًا بمدينة “تُوسْكُولُوم” (حاليًّا مدينة “فْرَاسْكاتِي”) بِإِيطاليا، ويُفْهَمُ من وثيقةٍ من عام 1240 أَنَّ البابا ﭼْرِﻳﭽُورْي التَّاسع (أَلولادةُ: بينَ العامَيْنِ 1145 و 1170، أَلوفاة: عام 1241؛ فترةُ البابويَّة: 1227-1241) عيَّنَهُ كارْدِينالًا على طائفةِ الَّلاتينِ على مدينة القُدس، ولكنَّهُ، ولسببٍ أَو لآخرَ، لم يستلم هذه الوظيفة.

أَلمُطران جاك دِي ڤتْرِي وضع مُؤلَّفاتٍ عديدةً، دينيَّةً وتاريخيَّةً، من بينها كتابَاهُ “أَلتَّاريخُ الشَّرقي”، أَو “التَّاريخُ الأُورشليمي” (بالَّلاتينيَّة)؛ (Historia Orientalis, Historia Hierosolymitana)، و”أَلتَّاريخُ الغربي” (Historia Occidentalis)، في تاريخ الحركة الصَّليبيَّة والحملات الصَّليبيَّة إِلى حينِ عصره.

أَلرَّسائِل التي دوَّنها المُطران جاك دِي ڤتْرِي حينما كان مُطرانًا على عكَّا، وهي سبع رسائِل، وكُلُّها بالُّلغة الَّلاتينيَّة، جَمَعَها الباحث رُوبرْت هﻴﭽِينْز (Robert Burchard Constantijn Huygens)، ونشرها مع مقدّمةٍ لها وتعليقاتٍ عليها بالفرنسيَّة عام 1960 بدار النَّشر “بْريْل” (Brill) بمدينة لايْدِن بِهُولندا، تحت الاسم: “رسائِل جاك دِي ڤتْرِي” (Lettres de Jacques de Vitry) ، ثُمَّ نشرها مرَّةً أُخرى الباحث ﭼَﺎسْتُون دُوشِيْه – سُوِشُو (Gaston Duchet – Suchaux) عام 1998، مع مقدّمةٍ وترجمةٍ لها إِلى الفرنسيَّة وتعليقاتٍ عليها، بدار النَّشر “بْرﻳﭘوْلْس” (Brepols) ببلجيكا، تحت الاسم: “جاك دِي ڤتْرِي، رسائِلُ الحملة الصَّليبيَّة الخامسة” (دامت بين السَّنوات 1217-1221 للميلاد)(Jacques de Vitry, Lettres de la Cinquième Croisade).

جاك دِي ڤتْرِي يتطرَّق إِلى الدُّرُوز في رسالةٍ له دَوَّنَ قسمَها الأَوَّل مًباشرةً بعد وُصُولِه إِلى مدينة عكَّا قادمًا من أُورُوﭘﺎ بمطلع شهر تشرينٍ الثَّاني عام 1216 للميلاد، ودَوَّنَ قسمَها الثَّاني رًبَّما خلال شهر أذار عام 1217، وبعد أَن انتهى من تدوينِها أَرسلها لأَصدقاءٍ له في وطنه، وكان ذلك إِبَّانَ فترة حُكم الدَّولة الصَّليبيَّة الثَّانية، أَو الدَّولة الَّلاتينيَّة الثَّانية، بالبلاد (1191-1292 للميلاد)، وهو يتطرَّق إِلى الدُّرُوز كذلك في كتابه “أَلتَّاريخُ الشَّرقي”، أَو “التَّاريخُ الأُورشليمي”، وهو لا يذكُرُهُم صراحةً باسمِهِم؛ وإِنَّما يدعُوهُم (Occulte Legis)، أَي “ذَوُو القانُون السِّرِّي”، بمعنى “ذَوُو القانُون الدِّيني السِّرِّي”، أَي “ذَوُو الدِّيانة السِّرِّيَّة”، أَو “أَتباع الدِّيانة السِّرِّيَّة”، وهو يكُونُ بذلك من أَوائِلِ الأُوروﭘيِّين الذين ذكرُوا الدُّرُوز في كتاباتِهِم، معَ أَنَّ ذكرَه لهُم يكُونُ قد حصل بعد مائتَي عام من بداية دعوة التَّوحيد في مصر الفاطميَّة، وحوالي مائةٍ وسبعةٍ وثلاثينَ عامًا على انغلاقِها (1017-1043 للميلاد).

المُطران جاك دِي ڤتْرِي لم يَتَقَصَّ الحقيقةَ العلميَّةَ في أُمورٍ عديدة، وكتاباتُهُ تنقصُها الدِّقة التَّاريخيَّة في مواضيعَ كثيرة، وهي لا تخلو من أَوهام العَصُور الوُسطى، ولا شكَّ أَيضًا في أَنَّهُ يشُوبُها التَّحامُلُ القومي والتَّعصُّبُ الدِّيني، شأْنَ عددٍ غير ِ قليلٍ من مُؤرِّخي الفترة الصَّليبيَّة، من غربيِّيِّن وشرقيِّيِّن على حدٍّ سَواء، ولذا فإِنَّ ما كتبه عن الدُّرُوز لم يكُن دقيقًا، وبه مُغالطاتٌ كثيرة، وهي لا تخفى على القارئ الَّلبيب.

وتجدُر الإِشارةُ هُنا إِلى أَنَّ أَوَّلَ أُوروﭘﻲٍّ ذكر الدُّرُوز صراحةً باسمِهِم كان الرَّحالةُ اليهوديُّ الأَندلُسي بِنْيامِيْن بِن يُوْنا التَّطِيْلِي (בִּנְיָמִין בֵּן יוֹנָה מִטּוּדֵלָה) (1130-1173 للميلاد)، وهذا الرَّجُل قام بِرحلةٍ في الشَّرق بين العامَيْنِ 1165 و 1167 للميلاد زار خلالها البلاد، ودَوَّنَ أَخبار رحلته بالعبريَّة، ثُمَّ تُرْجِمَت تلك الرِّحلة إِلى الَّلاتينيَّة، وفيما بعد إِلى لُغاتٍ عديدةِ، من بينها العربيَّة. قولُهُ عنِ الدُّرُوز يَرِدُ في تلك الرِّحلة، ولكنَّ المعلوماتِ التي كتبها حول العقيدة الدُّرزيَّة والمسلك الاجتماعي الدُّرزي، ونحنُ لا ندري مِن أَين استقاها، غيرُ صحيحة بالمَرَّة، ويبدو من حديثِهِ أَنَّهُ لم يَحْتَكّ بالدُّرُوز بشكلٍ جَدِّيٍّ أَبدًا.

نحن نعرضُ فيما يلي ما كتبهُ جاك دِي ڤتْرِي عن الدُّرُوز، أَوَّلًا في رسالتِهِ تلك، ثُمَّ في كتابِهِ المذكور، ونقدِّمُ أَوَّلًا النَّصَّ الَّلاتيني، ثُمَّ التَّرجمة إِلى العربيَّة.

“جاك دِي ڤتْرِي”، مُطرانُ عكَّا خلالَ الفترة 1216 – 1228 للميلاد.
(خلالَ فترةِ تواجُد الدَّولة الصَّليبيَّة الثَّانية).
((Jacques de Vitry
(Évêque de Saint – Jean d’Acre, 1216 – 1228).
باسمِهِ الفرنسي و “إِيَاكُوبُوْس ڤتْريَّاكِنْزِس” أَو “إِيَاكُوبُوْس دِي ڤتْرِّيَاكُو”
Iacobus Vitrriacensis) ، Iacobus de Vitrriaco ) باسمِهِ الَّلاتيني.

النَّصُّ الَّلاتيني الأَصلي لِعددٍ من الفقرات في رسالةُ المُطران جاك دِي ڤتْرِي مِنَ العامَيْنِ 1216 و 1217 للميلاد

في هذه الفقرات يتحدَّثُ جاك دِي ڤتْرِي، وبإِيجازٍ شديد، عن الأَوضاع الإِجتماعيَّةِ الرَّديئةِ التي كانت سائِدةً بِعكَّا في العِقْد الثَّاني من القرن الميلادي الثَّالث عشر، وعن أَعمال العُنف والقتل، في السِّرّ وفي العلانية، وقتل الأَزواج لِزَوْجَاتِهِم، والزَّوْجَات لأَزْوَاِجِهِنَّ، وعن انتشار السُّمُوم، سُمُوم قتل البشر، بأَنواعِها، وعن انتشار الفساد والزِّنَى، وكثرةِ الزَّانِياتِ في جميع أَنحاءِ تلك المدينة، وهو يذكرُ عددًا من الفِرَق الدِّينيَّة التي كانت مُتواجدة في مُحيطِ عكَّا بشكلٍ خاص، وفي أَراضي الدَّولة الصَّليبيَّة بشكلٍ عام، وهو يذكُر الفئات المسيحيَّة الغربيَّة المُتواجدة بِعكَّا، والفِرَقَ المسيحيِّة المحليِّة، والمُسلمين، وأَلحشَّاشُين أَتباعَ شيخِ الجبل، وهو الحَسَنُ الصَّبَّاح (1037-1124 للميلاد)، وهُم ينتمُونَ إِلى الإِسماعيليَّة النِّزاريَّة، ويذكرُ أَيضًا الدُّرُوز، والوثنيِّين. وتجدُرُ الإِشارةُ هُنا إِلى أَنَّ الأَحوالَ المُزرية التي يتحدَّث عنها جاك دِي ڤتْرِي بقيت سائِدة بِعكَّا إِلى أَن سقطت بِيَدِ السُّلطان المملوكي الأَشرف خليل بن قلاوُون بتاريخ الثَّامن عشر من شهر أَيَّار عام 1291 للميلاد، وبِسُقُوطِها، كما هو معروفٌ في التَّاريخ، زالتِ الدَّولة الصَّليبيَّة نهائِيًّا من البلاد.

هذا ما يقولُهُ جاك دِي ڤتْرِي:

أَلأَشخاص المُوجَّهةُ إِليهم الرِّسالة:

Viris venerabilibus et in Christo karissimis magistris Parisiensibus Guillelmo du Pont des Arches et Radulfo de Namuco et Alexandro de Corcon et Philippo Noviomensi archidiacono Iacobus, divina permittente mesiricordia Acconensis ecclesie minister humilis, sancte terre promissionis domini cum effectu subvenire.

Domne Ligardi de sancto Trudone, amice sue spiritualissime, et conventui de Awiria Iacobus, divina miseratione Acconensis eccelesie minister humilis, ascendere de virtute in virtutem, donec videant deum deorum in Syon.

…..

مدينة عكَّا وأَحوالُها الإِجتماعيَّة:

Cum autem monstruosam civitatem ingressus fuissem et eam innumeris flagitiis et iniquitatibus repletam invenissem, mente valde confusus sum, timor et tremor venerunt super me et contexerunt me tenebre, quia tam grave et inportabile onus susceperam et pro his districto Iudici redditurus eram rationem. Fiebant autem singulis fere diebus et noctibus homicidia tam manifesta quam occulta: viri de nocte suas iugulabant uxores cum eis displecerent, mukieres ex antiqua consuetudine venenis et potionibus mariots suos ut aliis nuberent permebant. Erant in civitate homines toxicum et venenum vendentes, vix aliquis alii se credebat, et inimici hominis domestici eius. Quidam autem nobis confessus est quod quedam animalia in domo sua nutriebat, ex quorum fimo potions ita artificiose temperabat, quod qui vellet inimicum perimere inveniebat pro voluntate sua unde posset eum occidere, ita tamen, quod langueret per annum, si vellet, vel per mensum vel, si vellet mortem accelerare, non viveret nisi per diem. Erat autem prostibulis passim repleta civitas: nam quia meretrices carius hospitia quam alii conducebant, non solum laici, sed persone ecclesiastice et quidam regulares in publicis scortis hospitia sua per totam civitatem locabant. Quis enumerare posset omnia alterius Bablionis flagicia, in qua christiani servis suis Sarracenis baptismum negabant, licet ipsi Sarraceni instanter et cum lacrimis postularent ? Dicebant enim domini eorum, in quorum consilio non veniat anima mea: si isti christiani fuerint, non ita pro voluntate nostra eos angariare poterimus.

أَحلامُ جاك دِي ڤتْرِي بِقُدُوم جيشٍ صليبيَّ إِلى عكَّا:

Acconensis autem absentiam meam moleste ferentes frequenter de civitate exibant dum diceretur eis quod ego reverti deberem. Cum autem per dies pluris michi obviam exirent, postquam certum nuntium de adventu meo acceprerunt cum mulieribus et parvulis michi obviam occurrerunt. Nunc autem in civitate Acconensi frequenter ad mare respicio cum lacrimis et desiderio magno expectans adventum peregrinorum: credo enim quod, si IIII milia militum armatorum haberemus, per gratiam Dei qui nobis resistere valeret non inveniremus. Est enim magna discordia inter Sarracenos et multi, pro certo errorem suum cognoscentes, si auderent et haberent auxilium christianorum, converterentur ad Dominum.

أَلمسيحيُون (يقصد المسيحيُّيِّن المَحَلِيُّيِّن) والشَّرقيُّون (يقصد المُسلمين):

Credo autem quod christiani habitantes inter Sarracenos plures sunt numero quam Sarraceni. Multi autem reges christiai habitantes in partibus Orientis usque in terram prsbyteri Iohannis, audientis adventum crucesignatorum, ut eis veniant in auxilium movent guerram cum Sarracenis. Sarraceni autem, quia multas et varias habent sectas, valde inter se sunt divisi: quidam autem legem Machometi tenant, alii parvipendent, unde contra mandata Machometi vinum bibunt et carnes porcinas comedunt, nec se more aliorum Sarracenorum circumcidunt.

 أَلحشَّاشُونَ أَتباعُ شيخِ الجبل:

Vetulus Mantanus abbas est religonis Fratrum Cutellorum, cui non tenent aliam legem nisi quod credunt per obedientiam salve fieri, quicuid eis percipiatur, et hii dicuntur Assasi, qui occidunt tam christianos quam sarracenos.

أَلدُّروز:

Sunt alii Sarraceni, qui dicuntur occulte legis: legem enim quam tenent nulli, nisi filiis suis quando iam sunt provecte etatis, relevant, ita quod uxores eorum quod mariti earum credunt ignorant, qui prius permittunt se interfici quam alicui nisi filiis suis secreta legis sue manifestant.

أَلوَثنيُّون:

Sunt alii miserabilis et sine aliqua lege homines, qui dicunt quod in die iudicii, quando dominus queret:

“Quare non servastis legem Iudeorum?” respondebunt: “Domine, non tenebamur eam servare, quia non eam suscepimus nec Iudei fuimus”.

“Quare non custodistis legem christianorum ?”

“Domine, non tenebamur, quia christiani non fuimus, similiter nec legem Sarracenorum debuimus servare, quia non fuimus Sarraceni”.

Et ita per privationem aliorum in die iudicii credunt evadere, cum tamen dicat Dominus:

“Qui non est mecum, contra me est”.

Inveni alios qui dicunt animas mori cum corpore, unde quidlibit agunt tanquqm bestie pro sua pessima voluntate.

فيما يلي ترجمة هذه الفقرات إِلى العربيَّة:

“إِلى الرِّجالِ المُوقَّرينَ والعزيزينَ جدًّا بِالمسيح، أَلسَّادة اﻟﭘﺎريسيِّيِّن وِلْيام دُو ﭘونْت دِي لارْك ورَاؤول دِي نَامُوْر وأَلِكْسَنْدر دِي كُورْشُوْن وفيليب؛ رئيس شَمَامِسة نُويُوْن، وبسماحِ الرَّحمة الرَّبَّانيَّة، الفقير جَاك، رئيس كنيسة عكَّا، مِن أَجل مساعدة الأَراضي المُقدَّسة بِوعدِ الرَّبِّ مع التَّنفيذ.

إِلى السَّيِّدة لُوﭤﭽﺎرْد، وإِلى صديقِهِ الغالي جدًّا بالرُّوْح، ولِدَيْرِ أَيْوِوِيْر، الفقير جَاك، برحمة الرَّبِّ، رئيس كنيسة عكَّا، من أَجلِ أَن يرتفعوا مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ، إِلى أَن يَرَوْا إِله الآلِهة فِي صِهْيَوْنَ.

…..

“عندما دخلت إِلى هذه المدينة المُخيفة (يقصد مدينة عكَّا. كاتب المقالة) وجدتُها مليئةً بِأَعمالٍ شِرِّيرةٍ لا تُحْصَى. خَوْفٌ وَرَعْدَةٌ أَتَيَا عَلَيَّ، وَغَشِيَنِي رُعْبٌ، وكُنتُ على وشك إعطاءِ حسابَ هؤلاءِ الأشخاص للقاضي الصَّارم (يقصد الله تعالى. كاتب المقالة). أَعمالُ قتلٍ تحدث، في العلانيةِ وفي السِّرِّ، كلَّ يومٍ وكلَّ ليلةٍ. الأَزواجُ يخنُقُونَ زوجاتِهِم في الَّليل حينما كُنَّ يُسِئْنَ إِليهم. أَلنِّساءُ يَقتُلْنَ أَزواجِهِنَّ بالسُّمُومِ طبقًا لعادةٍ قديمةٍ على أَملِ أَن يتزوَّجْنَ من رجالٍ آخرين. هُنالكَ رجالٌ يبيعُون السُّمُوم والشَّربات القاتلة في المدينة. بِصُعُوبَةٍ يَجْرُؤُ أَيُّ إِنسانٍ أَن يَثِقَ بِأَيِّ إِنسانٍ آخر، وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. أَحد الرِّجال أَكَّد لنا أَنَّه كان يطعمُ حيواناتٍ مُعيَّنة ببيتِه، ومِن رَوْثِ تلك الحيواناتِ هو يصنع الشَّرباتِ (يقصد الشَّربات أَلسَّامَّة. كاتب المقالة) بحذاقَةٍ، بحيثُ يكُون بمقدُورِ أَيُّ شخصٍ يبغي أَن يُدَمِّر عدوَّه أَن يجد الطَّريقة الَّتي يستطيع أَن يقتُلَه بها كيفما شاء. وهكذا، إِذا أَراد، فسوف يضعُفُ عدوُّه، لمُدَّة سنة، أَو لشهر، وإِذا أَراد أَن يُسْرِعَ في موته، فَلَنْ يعيشَ عدوُّهُ أَكثرَ مِن يوم. أَلمدينةُ مليئةٌ بالزَّانِياتِ في كُلِّ مكان، ونظرًا لأَنَّ أُولئِكَ الزَّانياتِ يَدْفَعْنَ مُقابلَ سُكناهُنَّ إِيجاراتٍ أَعلى مِمَّا تدفعُهُ عامَّة الشَّعب، فَحَتَّى رجال الكنيسة ورجال الدِّين العاديُّيِّن يُؤَجِّرونَ مساكنهم للزانياتِ العُموميَّات في جميع أَنحاء المدينة. مَنْ يقدِرُ أَن يُسَجِّلَ كُلَّ جرائِمِ بَابِل الثَّانية هذه، التي يرفضُ المسيحيُّونَ بها أَن يُعَمِّدُوا خَدَمَهُم الشَّرقيِّيِّن، حتَّى كان هؤلاء الخَدَم جَدِّيِّيِّن وكانت عُيُونُهُم مليئَةً بِالدُّمُوع، وَحتَّى لَو رَجَوْهُم ؟ فَأَسيادُهُم (يقصد سُكَّان عكَّا مِنَ الصَّليبيِّيِّن. كاتب المقالة) مُعتادُون أَن يقُولُوا: فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي-“إِذا كان هؤلاء النَّاس مسيحيِّيِّن، فَلَنْ نكُون قادرِينَ على استغلالِهِم كما نشاء ؟”.

…..

“سُكَّان عكَّا انزعجُوا من غيابي وفي كثيرٍ مِنَ الأَحيان كانُوا يخرجُون مِنَ المدينة حينما كانُوا يُخْبَرُوْنَ أَنَّني كنتُ على وشكِ الوُصول إِليها، وبعد أَن كانُوا قد خرجوا لمُقابلتي لمدَّة عددٍ مِن الأَيَّام، تلقَّوْا أَخبارًا صحيحةً بشأْن وُصولي، عندها أَسرعوا لِمُقابلتي مع نسائِهِم وأَولادِهِم. ألآن، وأَنا في مدينة عكَّا أَنظر عادةً إِلى البحر بِدُمُوعٍ وشوقٍ عظيم مُتوقِّعًا قُدُومَ الحُجَّاج (يقصد الحُجَّاج المسيحيِّيِّن القادمين من أُوروﭘﺎ في نطاق الحملات الصَّليبيَّة. كاتب المقالة)، لأنَّي أُؤمن أَنَّه لو كان لدينا، بِرحمة الرَّبِّ، أَربعةُ آلافِ فارسٍ لما وَجَدْنا أَحدًا قادرًا على الوُقُوف ضدَّنا، إِذْ أَنَّهُ توجدُ انقساماتٌ كثيرةٌ بين الشَّرقيِّيِّن، وكثيرونَ منهم، في الواقع، عندما يتحقَّقُون من خطأ طُرُقِهِم، سوفَ يتحوَّلُونَ إِلى الرَّبِّ، هذا إِذا كانتِ لديهِم الجُرأة لذلك، وإِذا حصلوا على مساعدةٍ مِنَ المسيحيِّيِّن. أَنا أُؤمن أَيضًا المسيحيِّيِّن الَّذين يسكُنون بين الشَّرقيِّيِّن هُمُ أَكثرُ عددًا مِنَ الشَّرقيِّيِّن. مُلُوكٌ مسيحيُّون كثيرون يسكُنونَ في مناطق الشَّرق حتَّى أَراضي الكاهن يُوحَنَّا، وحينما يسمعُون بِقُدُوم الصَّليبيِّيِّن سوفَ يقومُونَ بِمُساعدتهم، وسوفَ يُجْرُونَ حربًا مع الشَّرقيِّيِّن.

أَلشَّرقيُّون مُنقسِمونَ كثيرًا على أَنفسِهِم بسبب وُجُود فِرَقٍ عديدةٍ عندهُم. بعضُهُم يلتزمُزن بِديانةِ مُحَمَّد، وبعضُهُم الآخرُ يتعاملُونَ معها باحترامٍ قليل، فهُم يشربُون الخمر ويأْكُلون لحم الخنزير على العكس من تعاليم مُحَمَّد، وهُم لا يختٍنُونَ أَنفسَهُم طبقًا لعادة الشَّرقيِّيِّن الآخرين.

شيخُ الجبل يتبع لعصابة “أُخوة السِّكِّيْن”، وأَتباعُها لا يلتزمون بأَيِّ قانُونٍ عدا إِيمانِهِم بأَنَّهُم سوف يكونونَ آمنينَ عن طريق إِطاعتِه، بِغَضِّ النَّظر عن الأَوامر الَّتي يفرضُها عليهِم. هؤلاء النَّاس يُعْرَفُون بـ “أَلحشَّاشِيْن” (Assasi بِالَّلاتينيَّة، من الَّلفظة العربيَّة المُقابلة، ومن هذه الَّلفظة الَّلاتينيَّة أَتت الَّلفظة Assassin، بِمعنى القَتَلَة، بالاﻧﭽليزيَّة، وبِلغاتٍ أُوروﭘيَّة عديدة. كاتب المقالة). هُم يقتلُون المسيحيِّيِّنَ والشَّرقيِّيِّنَ على حدٍّ سَواء.

هنالك شرقيُّونَ آخرونَ يُدْعَوْنَ “أَصحاب الدِّيانة السِّرِّيَّة” (Occulte Legis). لهُم ديانةٌ لا يكشفونَها لأَحدٍ إِلَّا لأَبنائِهِم حينما يكونُ هؤلاء قد تقدَّمُوا في السِّنِّ، مع النَّتيجة أَنَّ زوجاتِهم لا يَعْرِفْنَ شيئًا عن عقيدةِ أَزواجِهِنَّ. هُم يسمحونَ لأَنفسِهِم أَن يُقْتَلِوا قبلَ أَن يكشِفُوا أَسرارَ ديانتِهِم لأَيِّ شخصٍ عدا أَبنائِهِم.

هنالك أُناسٌ آخرون، تُعساء بدونِ أَيَّة ديانة، وهؤلاء سوفَ يقولونَ “يوم الحساب”، عندما يسألُهُم الرَّبُّ:

“لماذا لم تلتزمُوا بشريعة اليهُود” ؟

هُم سوفَ يُجيبُون:

“أَيُّها الرَّبُّ، نحنُ لسنا ملزُومينَ باتِّباعها، لأَنَّنا لم نقبلْها ونحن لسنا يهُودًا”.

“ولماذا لم تلتزمُوا بشريعة النَّصَارى” ؟

آه، أَيُّها الرَّبُّ، نحنُ لم نكُن مُلْتَزِمينَ باتِّباعها، لأَنَّنا لسنا نَصَارَى، وكذلك نحنُ لم نكُن مُلْتَزِمينَ باتِّباعِ شريعةِ الشَّرقيِّيِّن (يقصد الإِسلام. كاتب المقالة)، لأَنَّنا لسنا شرقيِّيِّن (يقصد لسنا مُسلمين. كاتب المقالة).

بهذه الطَّريقة، عن طريق فصل أَنفسِهِم عن الآخرين، هُم يُؤمنون أَنَّهُم سوفَ ينجُوْنَ “يوم الحساب”.

 ولكنَّ الرَّبَّ يقول:

“مَن ليس معي فهو عليّ”.

وجدتُ أُناسًا آخرين يقولُونَ أَنَّ أَرواحَهُم تموتُ مع أَجسامِهِم، ولذا فهُم يتبعُونَ أَسوأَ غرائِزِهِم، وهُم يفعلُونَ أَيَّ شيءٍ يُريُدون، تمامًا كالحيوانات”.

*****

أَلفقرات الَّتي أَدخلها جاك دِي ڤتْرِي مِنَ الكتابِ المُقدَّس بِالَّلاتينيَّة في رسالتِهِ مَعَ نُصوصِها بالعربيَّة:

“de virtute in virtutem, donec videant deum deorum in Syon”.

سِفْر المَزَامِير، مزمُور 84، الفقرة 7:

“يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ”.

*****

“timor et tremor venerunt super me et contexerunt me tenebre”.

سِفْر المَزَامِير، مزمُور 55، الفقرة 5:

“خَوْفٌ وَرَعْدَةٌ أَتَيَا عَلَيَّ، وَغَشِيَنِي رُعْبٌ”.

*****

“tam grave et inportabile onus susceperam”.

إِنجيل مَتَّى، أَلإِصحاح 23، الفقرة 4:

“فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ”.

*****

“et inimici hominis domestici eius”.

إِنجيل مَتَّى، أَلإِصحاح 10، الفقرة 36:

“وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ”.

*****

“in quorum consilio non veniat anima mea”.

سِفْر التَّكوين، أَلإِصحاح 49، الفقرة 6:

“فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي”.

*****

“Qui non est mecum, contra me est”.

إِنجيل لُوقا، أَلإِصحاح 11، الفقرة 23:

“مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ”.

*****

وفيما يلي نصُّ الفقرات التي يتحدَّثُ بها جاك دِي ڤتْرِي عن الدُّرُوز، وعن عددٍ من الفِرَقِ الأُخرى في كتابِهِ “أَلتَّاريخ الشَّرقي” (بالُّلغة الَّلاتينيَّة)، وقد نقلناها عن الطَّبعة التي جَمَعَتْ كتابَيْهِ “أَلتَّاريخ الشَّرقي” والتَّاريخُ الغربي” معًا، وقد طُبِعَت هذه الطَّبعة عام 1596، وَحُقِّقَت على يَدِ ف. مُوْسْكِي.

(Orientalis et Occidentalis Historia. ed. F. Moschi, ex Officina Typographica Balthazaris Belleri, Douai, 1596.)

“De His Qui Legem Habent Occultam”

“Sunt insuper quidam alii miserabiles in montanis homines, circa iuga Libani in partibus Tripolitanis commorantes, qui licet ex parte magna Mahometi lege obseruent: dicunt tamen se legem quandam aliam occultam habere, quam no licet alicui reuelare, nisi filiis eoru cum ia adulte sunt aetatis, ut se secreta pueriliter no reuelent: vel mortis periculo iminente cum patres in extremis laborantes spem euadende non habent. Uxores autem eoru et filie in lege maritorum et parentum suorum, ignorates legem illam, dicut se credere. Quod si forte filius leuitate aliqua legem illam, quam vocat occultam, matri sue reuelaret, uxor a marito, et filius a patre; ulla retardatione necaretur. Hi autem praeter morim alioru Paganorum vinum bibut, et carnes porcinas edut, et ab omnibus aliis tanquam haeritici legis reprobantur. Hi autem pessima et abominabilia et seuxi foemineo cotraria in occulto turpiter operates, sicut illis narrantibus qui ab eis recsserunt cognitu est, timentne uxores eorum eos relinquerer, vel contemptui haberent, si execrabilis ritus eorum et immundicias secte peruesissime cognoscerent”.

وترجمة هذه الفقرات هي كما يلي:

“حَوْلَ أَصحابِ الدِّيانةِ السِّرِّيَّة”

“بِالإِضافة إِلى ذلك، يوجد في جبال لُبنان، قُرب مدينةِ طرابلُس، بعضُ رجالٍ بائِسينَ يلتزمُونَ بشكلٍ كبيرٍ بديانة مُحمَّد، إِلَّا أَنَّهُم، وبالرَّغم من ذلك، يقولونَ أَنَّ لهُم أَيضًا ديانةً سِرِّيَّةً مُعيَّنةً لا يُسْمَحُ لهُم أَن يكشفُوها لِأَيِّ أَحدٍ، عَدَا أَبنائِهم عندما يبلُغُونَ مرحلة البُلُوغ، كي لا يكشِفُوا أَسرارَها وهم في مرحلة الطُّفولة، أَو حينما يُصبحُونَ على شفا الموت، ولا يبقى لديهم مُتَّسَعٌ من الوقت للحياة. نِساؤُهُم وبناتُهُم الَّلاتي يَجْهَلْنَ هذه الدِّيانة تمامًا، يَقُلْنَ أَنَّهُنَّ يُؤْمِنَّ بديانةِ أَزواجِهِنَّ وآبائِهِنَّ. وإِذا تَهَوَّرَ أَحدُ الأَبناء صُدفةً وأَفشى لِأُمِّهِ أَسرارَ ديانتِه، التي تُدعَى “الدِّيانة السِّرِّيَّة”، فالأُمُّ تُقْتَلُ على يَدِ زوجها، والإِبنُ يُقْتَلُ على يَدِ أَبيه، بدونِ رحمة. وهُم، وبعكسِ الوثنيِّيِّن، يشربُونَ الخمر ويأكُلُونَ لحم الخنزير، ويُقِيْمُونَ هَرْطَقَة (أَي كفْر. كاتب المقالة) الشَّرقيِّيِّن (يقصد المُسلمين. كاتب المقالة) كلِّهِم. وهُم ينخرطُونَ سرًّا في أَعمالٍ مُخزيةٍ وبغيضةٍ وضِدَّ مصلحةِ النِّساء، ووُفقًا لقصصٍ سمعناها مِمَّنْ هجرُوا مجتمعهم، فهُم يخشَوْنَ أَن تتركُهُنَّ زوجاتُهُم، أَو أَن تَزْدَرِينَهُم، إِذا عَرَفْنَ طُقُوسَ الفسادِ التي تقومُ بها هذه الفِئةُ المُنحرفة بِلا حُدُود”.

ختمُ جاك دِي ڤتْرِي ، مُطرانِ عكَّا خلال الفترة 1216 – 1228 للميلاد.
ألوجه: كتابة مُختصرة (بِالَّلاتينيَّة): S IACOBI. ACON EPI . ┼ .
أَلكتابة كاملة: . ┼ . SIGILLUM IACOBI ACCONENSIS EPISCOPI
(ختمُ يعقُوب “جاك” مُطران عكَّا)
أَلظَّهر: كتابة مُختصرة (بِالَّلاتينيَّة): HOC SIGNUM CRUCIS ERIT IN CELO) ┼)
وهذه هي كتابةٌ مُختصرة للجملة الآتية:
(Hoc signum cruces erit in caelo cum dominus ad judicandum venerit, tunc manifesta erunt abscondita cordis nostri, alleluia alleluia).
(علامةُ الصَّليبِ هذه سوف تظهرُ في السَّماءِ حينما يأتي الرَّبُّ كي يحكُم، عندها سوفَ تظهرُ بِوضوحٍ أَسرارُ قُلُوبنا، هَلِّلُويَا هَلِّلُويَا).

مقالات ذات صلة: