الموقع قيد التحديث!

من مناقب شيوخ البياضة الأفاضل

بقلم الشيخ أبو رضا حسين حلبي
]
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

إن مشايخ البياضة، رحمات الله عليهم، كانوا يبتعدون عن حبّ الشهرة الابتعاد الكلّي، ولا يسمحون لأنفسهم أن يكونوا في موضع فيه محمدة لهم، أو حبّ للصيت والجاه، وذلك إخلاصا منهم لباريهم، وكانوا كثيرين الشغف في تتبُّع أخبار السلف الصالح وآثارهم، وكذلك كانوا لا يحبّون أن يكلّفوا الإخوان بهم حيث كانوا يقصدون الأجر (المأتم) لرؤية الإخوان مخافة الكلفة. ومن مشايخ البياضة المتأخّرين الأعلام نذكر الشيخ أبو حسن علم الدين ذياب، والشيخ أبو علي مهنا حسّان والشيخ أبو حسين إبراهيم أبو حمدان، والشيخ أبو فندي جمال الدين شجاع… وكان إذا سُئل أحدهم عن أمر معيّن يلتزم الصمت، ولا يتقدّم غيره من الشيوخ حتّى يتوخّى أن يترك الكلام لغيره من الشيوخ، فكأنّ هم جبلة من الأدب، يصعب التفريق بين أجزائها، نفّعنا الله ببركاتهم.
وكان قد زارهم مشايخ جبل الدروز قاصدين في الزيارة دعوتهم لزيارة الجبل، فلم يقبلوا العزيمة مخافة الكلفة، وكانوا يتحاشون ذلك ورعًا منهم وأدبًا وتواضعًا شاكرين أصحابها وحُسن مقاصدهم ممّا أضطرّ المشايخ (مشايخ الجبل) أن يقولوا لهم بلغة المطايبة والوداد: “يا مشايخنا زورونا ونحن على قيد الحياة. لله ما أصفى هذه الأخوّة الدينية وأنقاها، وأجلّها وأبهاها. وصدق قول الشاعر:
قلوبُ كالغدير به صفاءٌ كمِرآة بها الصقل السليم
تسامت في المحبّة بل تصافت كمثل النجم تشبهه النجوم
وعندما كان يزور سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف خلوات البياضة في آخر أيّامه، كان يطلب من ا لإخوان أن يأتوه لزيارة حجرة الشيخ أبو علي مهنا معدِّدًا خصائله الجليلة، باكيا متحسّرا على فراقه.
ومن أقواله: “مهما تكون خسارة الدنيا أهون من خسارة ليلة الجمعة، ونحن نأكل حتّى نعيش ولسنا نعيش حتى نأكل”.
وكان رحمه الله لا يسمح بخروج “الخلوتي” خارج حرم البياضة، وتوسّط بعض الإخوان وقال يا شيخنا اسمح للإخوان الخلوتيين ببعض الزيارات للتعرّف عليهم والتبرّك بهم. فقال له: لا أسمح بفتح هذا الباب وإن قصد الشيخ الجليل أبو علي مهنا من ذلك المحافظة على الخلوتيين وتأدّبهم بآداب الخلوة وهي: ترك الشهرة والمحمدة والتواضع، والمحافظة على الوقت بتلاوة كتاب الله عز وجلّ. وكان إذا أراد الخلوتي أن يتحدّث أثناء الذكر الحكيم مع أخيه الخلوتي فوق الدقيقة ينهره ويقول له: “هذا المحلّ لذكر الله تعالى وليس لأحاديث الدنيا”.
وكان سيدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج يجلّ مشايخ البياضة ويبجّلهم ويقدّرهم، وكان يأتي سيرًا على الأقدام من عبيه لزيارتهم وسؤال خاطرهم، وقد ألحّ عليهم كثيرًا أن يعتمروا العمامة المكوّرة فرفضوها تواضعًا منهم وخشية من الجاه والصيت ولفت الأنظار إليهم.
ونذكر ايضًا من مناقب شيوخ البياضة:

الشيخ أبو علي مهنا حسان كان كثير المتابعة لأحوال المتعبّدين المتواجدين في حرم الخلوة المباركة (البياضة) وكان كثير المراقبة لهم في الليل، متفقّدًا أحوالهم كأب وقور، وأمّ حنون. وممن ذُكر عنه من الشيوخ الثقات أنه قال: كل من أتى البياضة تأدّب بآدابها إلاّ الشيخ أبو محمد سعيد الحجلي رضي الله عنه، أتى على البياضة فتأدّبت البياضة بآدابه.

وكان الشيخ أبو علي مهنا رحمه الله كثير التدقيق على أكل الحلال والحرام، وكان يترفّع عن كل مأكل مشكوك من مصدره نزاهة وعفّة. وكان بخيلا على نفسه وكريما على إخوانه. وكان رحمه الله تعالى لا يرائي أحدًا من إخوانه في شيء كبيرا كان أم صغيرا، بل يفاتحه الأمر في وجهه بوقار وخوف من غضب الله أن يخالف قلبه ما ينطق به لسانه مع إخوانه.

ومن شيوخ البياضة الأفاضل الأعيان الشيخ العالم العامل أبو حسين إبراهيم أبو حمدان، الذي إذا سُئل عن معنى ديني معيّن (فائدة دينية)، يستحضر كتاب الله العزيز، ويقرأها في الكتاب، مخافة الزلل، أو الزيادة والنقصان.

ومنهم كذلك الشيخ الفاضل أبو فندي جمال الدين شجاع كريم النفس، وقد ورد خبر له أثناء معركة الجبل في الثمانينات من القرن الماضي، أن المقاتلين يحتاجون إلى الطعام، وعندما أُبلغ الشيخ أبو فندي بالخبر دفعته الغيرة والنخوة مناديًا عائلته قائلا لهم: “لولا جهاد المقاتلين ما بقينا هنا في أرضنا، قوموا اعجنوا مدّيْن طحين، وقُدّرت المؤن المرسلة من قِبله إلى المقاتلين حمولة عشر مركبات.

وكان مشايخ البياضة إذا أرادوا كتابة رسالة إلى أصحاب الشأن (سياسي، ديني، اجتماعي) لم يرسلوها إلاّ بعد التدقيق في معناها ومبناها مخافة الزيادة والفضول ويعتمدون الإيجاز في الكتابة.

فضيلة الشيخ ابو علي مهنا حسان مع فضيلة الشيخ ابو محمد جواد ولي الدين
فضيلة سيدنا الشيخ امين طريف مع فضيلة الشيخ إبراهيم أبو حمدان
من اليسار: المشايخ الافاضل أبو فندي جمال الدين شجاع، إبراهيم أبو حمدان، ابو علي مهنا حسان وابو محمود حسين فرج
الشيخ العالم العامل أبو حسين إبراهيم أبو حمدان
الشيخ أبو علي مهنا حسان

مقالات ذات صلة:

مقام النبي شعيب عليه السلام

عندما أشرف بناء المقام على الإنتهاء، في نهاية عام 1884، اجتمع أعيان بلادنا للتشاور حول موعد الإفتتاح، وبعد التشاور، استمرّ