الموقع قيد التحديث!

المرحوم الشيخ أبو عزام نواف حلبي

بقلم الشيخ أبو زيدان يوسف زيدان حلبي
دالية الكرمل
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

المرحوم الشيخ أبو عزام نواف حلبي

كان المرحوم أبو عزام (1924-2020) من خيار القوم وعَلما من أعلام المجتمع، منحه الله عمرا وحياة حافلة بهيّة بالإيمان والتقوى وحُسن المعاملة والصدق، والبذل في سبيل الله بلا منٍّ أو تفاخر أو رياء، كما كان طيلة عمره الحافل رجل الحكمة والموعظة الحسنة، والرأي السديد، الشجاع القويم، أمينا حافظا للواجب والإنسانية، مشاركا في اتّخاذ القرارات العامة والهامّة لمصلحة بلده وطائفته وشعبه.

وُلد في قرية دالية الكرمل سنة 1924لوالديْن كريميْن، فكان والده المرحوم أبو نواف سليمان حلبي مختارا عام 1932م، رجل معرفة واجتماع وأخلاق، ومن أصحاب المواقف المشرّفة، صاحب البيت الواسع والأيادي البيضاء، وهو ابن الشيخ ابو يوسف عزام حلبي، مختار عائلة الحلبي من سنة 1910-1932م، وأحد وجهاء قرية دالية الكرمل القياديين البارزين والساهرين على مصالحها وكرامتها، وقد انجب سبعة من الأبناء البررة كانوا اصحاب المكانة والقيادة والشهرة في دالية الكرمل والمنطقة والطائفة المعروفية. ومن أبرزهم كان الابن الثالث الزعيم الخالد “أبو علي قفطان ” المولود عام 1908 والذي عُيّن مختارا للقرية عام 1937 وقام في نفس السنة بزيارة عطوفة باشا الأطرش في جبل الدروز والزعيم محمد عز الدين الحلبي وزعماء آخرين من مواطني الجبل. مهنئأ إيّاهم انتصاراتهم ضد الفرنسيين. وتكريما للشيخ قفطان شيّد قريب العائلة الزعيم محمد عز الدين الحلبي مضافة أطلق عليها اسم “مضافة أبو علي قفطان” لا تزال قائمة حتى اليوم. وبعد قيام دولة إسرائيل عُيّن عام 1951 رئيسا لمجلس محلي دالية الكرمل  من شوارع ومياه وكهرباء ومدارس وغيرها، وبقي رئيسا إلى أن وافته المنيّة عام 1970. وتقديرا لخدماته وجهوده المميّزة، قرّر المجلس إطلاق المدرسة الثانوية على اسمه تخليدا له.

  وفي هذا الجو القيادي والريادي الزمني والديني، نشأ المرحوم أبو عزام نواف وترعرع في كنف والديه وأعمامه وجده، حيث تغذى التربية السليمة وأصول القيادة واعتناق القيم التوحيدية الشريفة والعادات الحسنة، فخورا بانتمائه التوحيدي، معتزّا بأبناء طائفته، ساعيا من أجل رفع شأن الطائفة وإبراز  فضائلها وكرامتها أمام الجميع ومن أجل خدمة أبنائها واستمرار التواصل بين أفرادها،  وقد عاش منذ صغره بين العمائم البيضاء، والزعماء الكبار في الطائفة الدرزية، وبين الشخصيات المرموقة التي زرعت في نفسه حب الطائفة وجعلته يعتبر نفسه امتدادا للتواصل العرفاني الراسخ الجذور في هذه المنطقة. ومع كل هذا استطاع المرحوم أن يشق طريقا خاصا به، فانتهج اسلوبا استطاع به القيام بأعماله بمبادرات فردية، وفي نفس الوقت يشارك بالأحداث العائلية والطائفية العامة.

ومن هنا نرى أنه نشأ وكبر وتفتّح أكثر  للحياة في جيل مبكّر مهيّأً للقيادة والزعامة وتشيّع بروح التسامح والضيافة والكرم التي ساد في البيت والعائلة، وتأثر من هذا الجو واستوعبه بداخله، وأصبح جزءً من كيانه وتفكيره، لذلك شبّ فيمابعد منفتحا على العالم الخارجي يتقرّب من المؤسسات الحكومية ويتواصل مع كافّة الطوائف والهيئات الرسمية والعامة.

في عام 1973 انتُخب رئيسا لمجلس محلي دالية الكرمل ولمدة 16 عاما، وانتُخب قائما بأعماله الشيخ ابو فايز راجي نصر الدين حيث عملا معا بأمانة وإخلاص للمصلحة العامة فكانت هذه الفترة العصر الذهبي في تاريخ دالية الكرمل، ونفّذا فيها المشاريع الحيوية الضرورية والهامّة. من أهمها:

“إقامة قسم المعارف في المجلس المحلي، الأول من نوعه في الوسط العربي بعد الناصرة عام 1974. بناء مدرسة (ج) وافتتاحها  1/9/ 1975.  بناء  أول مركز جماهيري في الوسط الدرزي وتم افتتاحه في 21/10/1978. بناء مدرسة (ب) وقاعة رياضية وملجأ بجانبها عام 1978. بناء خزّان للمياه.  تشييد بناية المجلس المحلي. التوقيع على الخرائط اللازمة لبناء مؤسسة بيت الشهيد الدرزي في احتفال خاص. تعبيد الشوارع العامة والفرعية. إيصال الماء إلى دير المحرقة. ترميم وتسييج مدرسة (أ). إدخال الحواسيب للمدرسة الإعدادية والثانوية عام 1984.ربط جميع البيوت بشبكة الكهرباء (قانون شاحل).  بناء مدرّج الملعب الرياضي. تأسيس وتبنّي الفرق الرياضية.  تغيير وإضافة شبكة المياه لكل بيوت القرية. بناء بيت الشعب الأول من نوعه في القرى الدرزية. بناء عيادة لرعاية الأم والطفل..إقامة قسم خاص للرفاه الاجتماعي. تشجيع التعليم الجامعي ومساعد ة الطلاب بالمنح الدراسية. فتح 14 روضة أطفال دون الخامسة سنة 1988. اعتراف الوزارات المختصّة بدالية الكرمل كبلد سياحي.  تحضير التصاميم والخرائط لمشروع المجاري والبدء به. بناء  مدرسة ثانوية بالاشتراك مع عسفيا على مساحة 35 دونما عام 1988. ومن أبرز أعماله عدم موافقة السلطات التوقيع على خارطة هيكلية في نطاق محدد ولولا ذلك لما تمكّنا من البناء والتوسع بهذا القدر.

من هنا نرى أنه إذا أردنا أن نسرد حياة المرحوم علينا أن ندوّن مؤلّفا كبيرا حتى نستطيع أن نغطي كافة اعماله ونشاطاته ومناقبه وإبراز صورة تمثل قدراته وإمكانياته ومواهبه ورؤيته الثاقبة للعمل والمصلحة العامة. وكي نرى بالمرحوم قدوة ومتابعة كيف يحترمون ويجلّون واحدهم الآخر. وأن يكون مرجعا لمن يريد معرفة تفاصيل الفترة التي عاشها وعبّر عنها بمقابلاته وأعماله.

ولما برز واشتدّ ساعده وأثبت وجوده في كل حضور، عندئذ أصبح له الباع الطويل في اتخاذ القرارات المتعلقة بأبناء الطائفة الدرزية في معية الرئاسة الروحية والزمنية وعلى رأسهم فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف ومن بعده حفيده فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية.

لقد كان المرحوم معروفا عبر سني حياته التي قضاها، إنسانا مؤمنا وعاقلا، مدركا خلوقا، مطّلعا ومحدّثا، شهما غيورا وعنصرا فعّالا، له في الأوساط والمجتمعات مواقف مشرّفة وبصمات تاريخية، تشهد له مواجهاته الشخصية وأعماله الخيرية منذ قيام الدولة وحتى ايامه الأخيرة. كان الصديق الوفي لمن صادقه، والمخلص الحميم لمن رافقه، ناصرا ونصيرا للحق والدين ولأهله، وكان السند والمعين للمرحوم الشيخ أمين طريف في المهمات الصعبة الشائكة والتي تصبّ في مصلحة وكرامة الطائفة، فكان الأمين المخلص الوفي، صاحب الاراء السديدة والخصال الحميدة والسيرة الحسنة المستقيمة، وبهذا يشهد كل من عرفه في تلك الحقبة من الزمن. وكان علما من أعلام الطائفة وركنا من اركانها وزعيما وقائدا مقداما. وقف مع طليعة قادة الطائفة الدرزية في فترة من أصعب الفترات في كينونتها، وفي مرحلة حرجة من مراحل سيرتها التاريخية. فتميّز بحكمته وإخلاصه لطائفته ومجتمعه، واستطاع بمساعدة مجموعة من أعيان هذه البلاد ان يجنّبوا الطائفة كثيرا من المآسي والكوارث والمحن وأن يقودوها إلى برّ الأمان.

برزت شخصية المرحوم المميّزة في المحافل الرسمية وفي الاجتماعات الشعبية والرسمية على مدى عقود عدة، ومن أعظمها وأنبلها قيامه بكل جرأة وإيمان بتلبيس الشيخ موفق طريف عباءة مشيخة الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية. كما وأثبت وجوده بحضور كبير وتواجد مقنع، وتأثير مبهر ، وصراحة حقيقية، وسعي دائم للعمل والمعرفة، وفي نفس الوقت خدمة الناس والاهتمام بشؤون الطائفة والعمل على تقديم المشورة والنصح لزعماء الطائفة الدرزية، وكذلك لشخصيات من طوائف أخرى، ومحاولة الجمع والتفويق بين جميع أطراف المجتمع في البلاد، والدعوة إلى المحبة والسلام والتضحية والتسامح بشكل مستمر ودائم ومنتظم وبدون غاية أو قصد. كما عُرف عنه بأنه كان من أكثر الناس جرأة في الحديث، يقول بصريح العبارة ما يؤمن به وما يراه مناسبا حتى ولو كلّفه ذلك النقد والتجريح، لأنه كان مصرّا على قول الكلمة الصادقة والصريحة أمام الجميع. ولا ننسى الكرم والسخاء الحاتمي والبيت المفتوح، الذي كان مقصدا ومحجة لكافة الضيوف والنزلاء، أبناء جميع الطوائف والأديان، حيث كان هذا المنزل مضافة الطائفة، وكل من دخله شعر وكأنه صاحب البيت ونال كل ما يمليه واجب الضيافة بنفس طيّبة وبروح الكرم. لم يبخل المرحوم بتأدية الدور المشرّف في الواجبات والمشاركة في المناسبات العامة لدى الجميع، فهو رجل المجتمع والناس، فكانت له علاقات حميمة مع كافة العائلات والأوساط العربية في البلاد والضفة والقطاع والأردن، وكان كثيرا ما يزورهم ويشاركهم في المناسبات والأعراس، كما كان مواظبا ومصرّا على المشاركة في المآتم وفي تقديم واجبات العزاء في جميع المناسبات التي تتطلب ذلك. وقد اختير عدة مرات للمشاركة في لجان الصلح التي كانت تهدّئ الخواطر بعد وقوع أحداث أليمة في المجتمع العربي. كما اقام علاقات خاصة ومميزة تربطه برؤساء ووزراء ورجال أعمال من مختلف الطوائف. حقا أنه الزعيم الذي فتح عرينه أمام الجماهير وأولم على شرفهم أغاثهم ونصرهم، أرشدهم ودلّهم، دعاهم وشاركهم، انتخبوه ومثّلهم، قصدوه ولبّى مطلبهم، نادوه وسمع صوت نداهم. وأخيرا توّج حياته بعمامة الفضيلة والإيمان الراسخ بقدرة الخالق الذي له البداية والنهاية. رحم الله أبا عزام رحمة واسعة وبوّأه الغفور الرحيم فسيح جنانه، وعوّضنا خير العوض بأبنائه الصالحين البررة، ومن  النبل الحميدة التي أودعها نفوس الذين عرفوه أو تعاملوا معه أو سمعوا عنه.

مقالات ذات صلة: