الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 165: “كأنّ الشيخ روح وجميع الحاضرين جسم..”

بقلم أسرة “العمامة”
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

ورد في مقال لفضيلة الشيخ أبو علي سليمان أبو ذياب، نُشر في العدد 162 من مجلة “العمامة”، حمل عنوان “علاقتي بفضيلة الفاضل الأمين الشيخ أبي يوسف أمين طريف رضي الله عنه” أنه عندما زار شيخ العشيرة، وسيّد الجزيرة، الشيخ الطاهر الأمين أبو يوسف أمين طريف خلوات البيّاضة المباركة، كان الطقس حارًّا فاستحسن المشايخ الجلوس قرب المجلس، سيّد الجزيرة الأطهر في الوسط والناس حواليه وأنظارهم إليه، فقال شيخ فاضل لفضيلة الشيخ أبي ذياب: “كأنّ الشيخ روح وجميع الحاضرين جسم”. ما أعظم وأدقّ هذا الوصف المعبّر..

ثلاثون عامًا مرّت على غياب فضيلة المرحوم سيّدنا الشيخ أمين، ولا تزال كراماته وتعاليمه، وتراثه وطاعته ماثلة وحاضرة وخالدة وحيّة في القلوب وعلى الألسن، وستبقى الأجيال تتناقلها إلى الأبد، حيث يعود مشايخنا الأجلّاء وأبناء العشيرة المعروفيّة في كلّ عام في مثل هذا التاريخ، للاجتماع لإحياء ذكراه العطرة، بقلوب خاشعة مؤمنة وحزينة لتستذكر ما قام به فضيلته في سبيل الحفاظ على نور التوحيد والوحدة وقيادة الطائفة، ليس فقط في البلاد فحسب، وإنّما في البلدان المجاورة أيضًا نحو برّ الأمان.

وفي هذه الأيّام، حيث يعاني أبناء العشيرة المعروفيّة في البلاد والمنطقة عامّة، من أوضاع تشوبها الصعاب على العديد من الصعد، كم نحن بحاجة إلى مواقفه ونصائحه ومشورته وقيادته وعمله الدؤوب وقدرته الفريدة على التأثير على الزعماء والقادة والسياسيين وعلى المواطنين وكبار رجالات الدين من كافّة الطوائف في إسرائيل وخارجها، الذين استناروا بنوره الشعشعانيّ، وبسدادة رأيه وبحكمته وبأعماله وبكراماته الّتي لا تعدّ ولا تُحصى، وكما سبق وذُكِر أينما حلّ فضيلته، رضى الله عنه، كان هو الروح وكلّ مَن حوله الجسم.

ولا يخفى على أحد أنّ سيّدنا الشيخ أمين الذي تميّز بمواقفه القويّة الشجاعة، وحكمته ومعرفته وتواضعه، وبشخصيّته الدينيّة النادرة، قد كان على مرّ عقود طوال، محطّ أنظار وإعجاب الكثيرين، إذ كان صاحب الأيادي البيضاء الناصعة في خدمة القاصي والداني وتمكّن، حتّى في أحلك الظروف، بفضل إيمانه الشديد، وخدمته لأبناء طائفته في كلّ مكان، من السير بمصلحة الطائفة إلى بَرّ الأمان، ويكفي أن نقتبس في هذا المقام مرّة أخرى ممّا ذكره فضيلة الشيخ أبو ذياب عن إحدى زيارات شيخ العشيرة وسيّد الجزيرة إلى لبنان في حينه: “حدثت أحداث في بلادنا، ومرّت على الناس شهور شداد، فقمنا للدفاع عن أنفسنا، وعلمنا أنّ الأحداث حُرِّكت عن قصد واعتماد. نهض الأمين المفضال نهوض الأسد الرّئبال، ناصرًا ومدافعًا عن الأهل والآل. – فطائفتنا في تاريخها لا تتخلّى عن بعضها في الشدائد – وأتى الرّؤوف الأمين إلى بلادنا بوقاره وطلعته واستشعاره لخالقه، جلّ وعلا، ومحبّته، فحلّت الهيبة في البلاد، والتفّ حوله أهل الدين والنجدة والرشاد”.

وممّا لا شكّ فيه، فإنّ ذكراه خالدة في العقول والنفوس وأعماله لا تزال على الألسن وصوره تزيّن كلّ بيت ومؤسّسة حيث لا زلنا نعيش وكأنّه معنا وبيننا، يرافقنا بذكره الحسن الطيّب المستحبّ، وبكراماته وبنور إيمانه، خصوصًا، وأنّه ارتبط مع بقيّة المشايخ الأجلّاء، ورسم مسلكًا دينيًّا معهم، بالأُخوّة والمحبّة والهدف المشترك، لحفظ وصيانة ورعاية شؤون الطائفة محليًّا وإقليميًّا لا بل عالميًّا، حيث كان همّه وشغله الشاغل، حفظ الأمانة، ومبادئ الحقّ، وتعزيز مركز ومقام الطائفة، ورعاية كلّ فرد فيها.

وعلى خلفيّة الظروف والأحوال الصعبة، التي لا يستهان بها، والتي تمرّ بها الطائفة بشكل عامّ، والسلطات المحليّة بشكل خاصّ، وذلك في أعقاب شحّة الميزانيات، وسلسلة من القوانين التي تمّ تشريعها في السنوات الأخيرة، والخطوات التي مسّت وتمسّ بالعديد من القضايا التي تتعلّق بالأرض وبالمسكن وبمستقبل الأبناء، لا بدّ لنا من كلمة حقّ وثناء على الرئيس الروحيّ للطائفة الدرزيّة الحاليّ الشيخ أبي حسن موفق طريف، أطال الله عمره،  الذي أوصى سيّدنا الشيخ أمين في حينه بأن يخلفه، على مواقفه الشجاعة والصائبة والقويّة في كلّ ما يتعلّق بالشؤون المُلحّة والمصيريّة التي تواجهها الطائفة سعيًا إلى حفظ وصون كرامة الطائفة وحقوقها في كافّة المجالات، وليكون خير خلف لخير  سلف.

ولا بدّ لنا في هذه الفترة أن نستذكر أيضًا ما جاء في كلمة العدد 18 من مجلة “العمامة” الذي صدر مباشرة بعد وفاة سيّدنا الشيخ في شهر تشرين الثاني 1993 تحت عنوان “جامع كرامات الأولياء” بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور عن فضيلته: “… كان الشيخ أمين شخصيّة أسطوريّة في حياته، كان وليًّا صالحًا وهو بعد على قيد الحياة، وكان مثالًا للفضيلة والتقوى والدين وهو ما زال يتنفّس ويتحرّك ويعيش. هناك أناس تسمع عنهم وعندما تقابلهم تجد أن اسمهم أكبر من جميعهم. الشيخ أمين تسمع عنه ويكبر في عينيك عندما تقابله حتّى ولو لم ينطق بكلمة. كان كلّه حضورًا ومهابة وتبجيلًا. لقد فرض هالة من القدسيّة على كلّ من عرفه. لقد كان كبار الزعماء يتوافدون على باب داره للتبرّك قبل أن يقدِموا على عمل مصيريّ ولم يكن هذا تملُّقًا أو محاباة وإنّما شعور صادق وإحساس فعليّ عندهم، فهم رؤساء الدولة وقوّاد الجيوش وهو راعي طائفة صغيرة. وقد كانوا بحاجة إليه.

وقد بُنيت شخصيّة الشيخ أمين طريف خلال عشرات السنين ومن ورائها حكمة إلهيّة ورعاية سماويّة لا بدّ كانت وراء كلّ قراراته وخطواته حتّى تعدّى صيته آفاق بلادنا، وأصبح اسمًا مُعتبّرًا في أوساط الدروز وغير الدروز في كلّ مكان. وإذا كان كبيرًا في حياته فقد كان عظيمًا يوم وفاته. لقد عاشت في هذه البلاد شخصيّات مرموقة جدًّا وتبوّأت مناصب عالية وعندما تُوفيت جرى لها جنازات كبيرة، ولكن في حدود المعقول. أمّا الشيخ أمين فما أن وصل نبأ وفاته إلى الجمهور، حتّى تقاطر إلى جولس عشرات آلاف المشيّعين، وشهدت البلاد أكبر جنازة في تاريخها. كنت تشاهد الشيخ المسنّ يتوكّأ على عكّازه ويسير مئات الأمتار ليصل إلى مقر الجنازة، وكذلك النساء والشباب والأولاد والوزراء والأعيان، كان الجميع يشعر أنّه يشارك في مأتم تاريخيّ لم تشهد البلاد مثله، فانتشرت الجموع فوق الهضاب المشرفة على مقرّ المأتم وهي تتحمّل الحرّ الشديد والعطش والانتظار، وكلّها صابرة تدعو للفقيد بالرحمة، وتلهج بمزاياه وخصاله وأعماله. وعندما ووري الجثمان الطاهر التراب في الغرفة التي شهدت خلال عشرات السنين أهمّ أحداث حياته، وقفت الجموع خاشعة مسبّحة للمولى تدعو للفقيد أن يتغمّده الله برحمته ورضوانه.

هكذا عاش الشيخ أمين طريف في حياته علمًا من أعلام الطائفة والدولة والمنطقة، وهكذا مات وجمع يوم مماته جميع أبناء الطوائف في هذه البلاد. لقد كان رمزًا للوحدة والتآخي والتسامح، وتجمّعت في شخصيّته كلّ صفات أولئك الذين مرّوا من هنا عبر القرون، وأصبحوا في عداد الأنبياء والأولياء والصالحين. ويمكننا أن نقول إن أسمًا كبيرا قد أضيف إلى أسماء هؤلاء. رحمه الله.”

والله ولي التوفيق..

أسرة “العمامة”

دالية الكرمل – أيلول 2023

مقالات ذات صلة:

ما بين المادّة والروح

من أهمّ طبائع البشر وأخطرها طبيعتان هما: الطبيعة الروحانيّة والطبيعة الماديّة، وهتان الطبيعتان تؤثّران تأثيرًا مباشرًا إيجابًا أو سلبًا على

مثلٌ في الجهل

حين يبلغ أحدُهم منصبًا أو مركزًا، يُخيَّل إليه أنّ اللهَ أوجدَ العالم من أجله، وأنّ الكونَ سُخِّر له وحدَه. وقد