الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 153: نيال من له في السويدا خرابة

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

تربّينا خلال مئات السنين، على المقولة الشعبية الدرزية: “نيّال مَن له في السويداء خرابة”، فقد نظر جميع الدروز، في أي مكان في العالم، إلى مدينة السويداء التي تمثل الجبل الأشم ودروز سوريا في باقي المحافظات السورية،  كما ينظر المسيحيون إلى الفاتيكان،  والمسلمون إلى مكة المكرّمة، واليهود إلى أورشليم،  وكما ينظر صفوة العلماء إلى قاعدة إطلاق صواريخ الفضاء في فلوريدا، وإلى مقرّ  جائزة نوبل في ستوكهولم،  وإلى كل مصادر القداسة، والقيادة، والطهارة، والنبل، والشرف، والعزة، والكرامة، والعطاء، والمجد، والسؤدد، والفخر، والتقدم، والتألق، والبراعة، والمهنية وكل الفضائل الإنسانية.  وكم تغنّينا بذلك الزعيم الذي “عمّر العمارة وتوّجها بالديوان في مقدّمتها”، وبالشاعر الذي لم ينسَ مقام النبي شعيب عليه السلام في منفاه، وبالشيخ الذي سدّ فوهة المدفع بعمامته، وبالتقيّ الكبير الذي أفحم إبراهيم باشا بحجّته، وبالزعيم العظيم الذي لم تنطفئ النار  في المواقد لتطعم كل يوم أكثر من ألف جائع من خارج الطائفة، وبالقائد الفذّ العظيم الذي هبّ لنصرة لاجئ طريد، ثم رفض تقسيم سوريا، وأشعل نيران الثورة السورية الكبرى، التي كانت أول دافع لحصول جميع الدول العربية على استقلالها فيما بعد، وكم تباهينا وطرنا فخرا واعتزازا “بأم حمد بستان شلغين” التي أحضروا لها قاتل ابن أخيها جبر شلغين، البطل المغوار، فقامت بتسريحه فورا قائلة، إن هناك أما تنتظره، وهو ضحية مثلنا وليس بقاتل، وهزّتنا النشوة، عندما صدحت من الجبل الأشم، مواهب موسيقية، وأصوات ملائكية، لفريد وأسمهان وفهد بلان، وارتحنا وحمدنا الرب، سبحانه وتعالى، عندما نال الدكتاتور الباغي أديب الشيشكلي جزاءه، حتى ولو بعد حين، وشمخنا ورفعنا رؤوسنا إلى السماء فخرا ببطولات الشيخ إبراهيم الهجري، وأبي علي قسام الحناوي، وغيرهم من الشيوخ الأكارم والأبطال الأشداء،  وكم تضامنّا مع قادة الثورة ومع الثوّار الذين تمّ نفيَهم إلى الصحراء، فتقبّلوا ما فُرض عليهم بالبطولة والرضا والتسليم، وقضوا عشر سنوات في المنفى، وغيرهم من الطوائف الأخرى يقبض ثمن عمالته من الفرنسيين وغيرهم، وكم تأثّرنا وتضامنّا مع قيادة الجبل التي هبّت للدفاع والقتال في معركة ضارية مع ممدوح باشا من أجل عيني السيدة المصون ميثا الأطرش، وسعدنا أن نسمع من رؤساء وسفراء جمهورية الصين العظيمة اليوم، أن البروفيسور سلامة عبيد، كان محاضرا للغة العربية في جامعة بكين، أيام ماو تسه تونغ وتشو إن لاي، وأنه ألف أول معجم صيني عربي في التاريخ، وكم بكينا مع وعلى أم الأبطال الخمسة وزوجها، شهداء البيرق من عائلة حمزة، الذين فدوا الأرض بحيواتهم في معركة واحدة، ليظل هذا الحدث في التاريخ، ستالينغراد  وبيرل هاربر الدروز.

 ولو أردنا أن نعدّد المآثر، والبطولات، والأعمال الخارقة، التي توّجتْ هامات الجبل الأشمّ، لاحتجنا إلى عشرات المجلّدات. فمنذ أول يوم في تأسيس أول بيت في جبل الدروز، بدأت المفاخر تصدر عن السكّان الأبطال، الذين قدِموا من عدّة أماكن، من أجل تكوين قلعة دينية شامخة لأبناء الطائفة الدرزية، فنجحوا، وظلّ الجبل حتى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين رمزا للثورة والإباء والشمم، ولما  اندلعت الثورة الأخيرة عام 2011، تطلّعنا بحذر إلى موقف إخواننا دروز الجبل من الثورة، لكي نبني موقفنا نحن منهم ومن الثورة، ولنفحص الطرق المناسبة لمساعدتهم، فاكتشفنا أن دروز الجبل هم هم دائما، شامخون، نجباء لا يهابون إلا الله سبحانه وتعالى،   فالطائفة الدرزية، دائما، واثقة من نفسها، واثقة من كيانها، واثقة من ميزاتها، بكونها لها طابع ديني مستقلّ، تودّ أن تحافظ عليه، في بيئة  عدائية، طاردتها واعتدت عليها ولاحقتها، فقط لأن أبناءها ينتمون إلى دين التوحيد. كل ذلك، بعد أن ابدع، واستبسل، وتميّز، وتفوّق، مئات الزعماء، والقادة، والعسكريين، والخبراء، والأطباء، والشعراء، والمثقفين الدروز، في خدمة الدول العربية المختلفة، التي ينتمون إليها، وفي دعمها والمحافظة عليها وعلى سلامتها،  هذا بعد أن كان الدروز أول من أطلق الرصاص، من أجل تحقيق الاستقلال وإزالة الانتداب، وهم الذين أُحرقت قراهم وبيوتهم، عندما قام عطوفة سلطان باشا الأطرش بإعلان الثورة السورية الكبرى، وقام جبل الدروز بالتضحية بحوالي سبعة آلاف شهيد، من مقاتل، ومن مواطن. وكان الثمن، خراب وتدمير كافة القرى الدرزية في الجبل، في حين ظلّت الملاهي والمسارح وأشباهها عامرة في دمشق، وفي مدن سوريا الأخرى خلال سنوات الثورة. ولا يكفي هذاـ فقد توجه عدد من زعماء سوريا وغيرها، بالنقد لسلطان الأطرش، الذي بادر إلى الثورة من أجل الاستقلال، وقام هؤلاء “الزعماء والسياسيون” بالتعاون مع الانتداب الفرنسي، وتقبّل الوظائف التي عرضها الانتداب. وظل هذا الوضع سائدا بعد أن فشلت الثورة، ونفي قادتها ومحاربوها إلى الصحراء، وظلّوا هناك خلال عشر سنوات، يقاسون شظف العيش، وقسوة المناخ الصحراوي، وسكان سوريا الآخرون يجرون الولائم للحكام العسكريين، ويشاركون في حفلات الرقص والتهريج والتغني ومدح الانتداب.

 ولم يندم سلطان باشا الأطرش، على ما ضحى به، ولم يتأسف أي مواطن درزي على من فقد من شهداء، أو على ما خسر من بيوت وأملاك، فقد فشلت الثورة في طرد الانتداب، لكنها نجحت في المحافظة على وحدة سوريا، وعدم تقسيمها، فلولا مبادرة سلطان الأطرش بالثورة، ولو قبل سلطان أن يكون رئيسا لدولة جبل الدروز، لتم تقسيم سوريا إلى ست دول، حسب المخطط الفرنسي الإنجليزي. هكذا حافظ الدروز على وحدة سوريا، وكانوا من أوائل المستجيبين لنداء الوطن، وتجنّدوا، وامتهنوا الحياة العسكرية، واستُشهد الكثير منهم، للمحافظة على الوحدة التي حققوها لسوريا، وعلى الاستقلال الذي جاء متأخرا لكنه جاء.

إذن، الدروز في سوريا، أخلصوا لسوريا، وكانوا من كبار منقذيها وحماتها والمدافعين عنها. وكذلك الدروز في لبنان، كل ذلك بالرغم من أن الدروز عانوا الكثير إبّان الحكم العثماني، وحكم المماليك، من المطاردة ومن فتاوى ابن تيمية، ومن ملاحقات أخرى. أما في بلادنا فقد كان عدد أبناء الطائفة الدرزية الإجمالي، لا يزيد عن 17 ألف نسمة في الأربعينات، موزّعين في 18 قرية. وقد عانى جميع السكان الدروز في كافة القرى من مطاردات جيرانهم، وملاحقاتهم، وتعدّياتهم، بالرغم من أنهم بذلوا الغالي والرخيص من أجل المحافظة على جيرة حسنة، وعلى تعامل طيب، وعلى تقديم كل دعم ومساعدة لهم. لكن الدروز، هم، هم، في كل زمان ومكان، يستقون تعاليمهم، ومصادر الالهام لكل أعمالهم، والمبادئ التي يسيرون، عليها من تاريخهم، ومشايخهم، وعمائمهم، ودفاترهم القديمة.

واليوم تواجه الدروز في الجبل الأشم محنة كبيرة، فقد صمدوا ببطولة فائقة أمام كل أخطار الحرب الأهلية السورية الشرسة، مع دواعشها ونصرتها وبشارها، وتخطوها بالرغم من انهم فقدوا في الثورة حوالي ثمانية آلاف شهيد من خيرة أبنائهم، الجنود  والضباط، الذين لبوا نداء الوطن، كعادة الدروز في كل مكان، وهبّوا للدفاع عن الشرعية والنظام والكيان السياسي الذي حاربوا الاستعمار الفرنسي للحصول عليه، وتمكنوا بعونه تعالى من استمرارية الشرعية، لكن الحكم الغادر وعناصر هدامة في الدولة أخذت تزرع الفتنة فيما بينهم وتحاربهم بسلاح الغدر والخيانة، لتشل من قوتهم وتضعف من عزيمتهم، لا لشيء، إلا لأنهم أقوياء، بالرغم من أنهم لا يشكلون أكثر من ستة بالمائة من عدد السكان، لكنهم دائما مع الحق، ومع النظام، ومع الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان والنزاهة في الحكم.

ونحن واثقون هنا كل الثقة، أن الكنوز البطولية الكامنة في نفوس إخواننا في الجبل، وأن النفوس الأبيّة، والقدرات النضالية، والتراث التوحيدي المستقيم، والإيمان اللا نهائي بالله وبعدله، هي خير كفيل لبقاء وازدهار وشموخ كل القوى الشريفة، النزيهة، المعطاءة، الشجاعة، المكونة من أهل التوحيد ومن معهم، فإلى أهلنا في الجبل نقول:

ليهنأ من يستشهد، وليبلغ جنات الخلد من يضع روحه على كفه، وليسعد من يُكتب له البقاء

زيارات محبوسة مقبولة
وكل عام وأنتم بخير

سميح ناطور

دالية الكرمل
تموز 2020

مقالات ذات صلة:

قصة قصيرة : طنجرة ام شفيق

عندما كانت شمس الظهيرة تتكبد قبة السماء وترسل أشعتها الحارقة لتخترق عريشة العنب المتكئة على كتف بيت أم شفيق بثبات

تجربة الدنو من الموت

تجربة الدنو من الموت، هي تعبير عن مواقف صادفت الكثيرين ممن كانوا على وشك فراق الحياة، وكانوا قريبين من الموت،

في خصلة الاتّباع

كثيرةٌ هي الأسئلة الّتي تُطرح يوميًّا على أسماع مرشدي قسم التّوعية التّوحيديّة، الّذين يحملون أمانة نشر الوعي الدّينيّ والثّقافيّ بين