الموقع قيد التحديث!

كلمة فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف للعدد 153 من مجلة العمامة: حفاظاً على الكينونة التوحيدية

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئّيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة ورئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف

بسم الله الرحمن الرحيم

إن اشتراك الموحدين الدروز المعروفيين في كل زيارة دينية، هو عملية تجديد، للعلاقة بين الإنسان وخالقه، عن طريق تواجده في مقام مقدّس، في أجواء دينية صافية، وبحضور شخصيات تقيّة محترمة. ولهذا الأمر أهمية اجتماعية، إنسانية،أخلاقية، وطبعا دينية، حيث مجرّد أن الشخص نوى أن يصل إلى المقام الشريف، أي مقام ديني، في موعد الزيارة،  وحضر، وكرّس من وقته، وقام بفرائضه الدينية، وابتهل إلى الله  سبحانه وتعالى، أن يحقق أحلامه، وأن يحمي عائلته وأولاده، والتقى بإخوان الدين، وسأل عنهم، واطمأنّ على سلامتهم، وجلس في المجلس الديني، وأصغى للأشعار العرفانية، واستمع للشروحات التوضيحية، وتلا بعض النصوص التراثية، وذكر الله، سبحانه وتعالى، وذكر الأنبياء، وفطن بأهمّ شخصيات زمانه، من مشايخ، وقادة، وأساطين، خدموا المجتمع، وساهموا في تطوّره، وقاموا بصيانته، فبذلك يكون قد أدّى فرضا دينيا قدسيا هامّا، ويكون قد وثّق أصالة الدين في نفسه، ويكون قد أنار السبيل، أمام أهل بيته وأقاربه، عن كيفية تصرّف رجل الدين الحقيقي في ظروف كهذه.

 والزيارة ليست ذات أهمية وواجب ديني  للمتدينين فقط، ولمن هو حامل لواء الدين في المجتمع، فهناك من لم يستوفوا الفروض الدينية بكاملها، وما زالوا في عداد غير المتدينين، وهذا لا يقللّ من كرامتهم، ومن أهميتهم، ومن منزلتهم شيئا، فهم موحدون بالقوة، إن كانوا يتبعون طريق الصواب ولا يقومون بمخالفات تضر بمنزلتهم الدينية في المستقبل، عندما سيتوجهون للدين واتباع طريقه. وهم قابلون دائما، لأن يصبحوا موحدين بالفعل، فزيارة المتدين وزيارة من لم يحقق حتى الآن ذلك طالما هو يملك الإيمان بالله وعقيدته ثابتة، فزيارته مقبولة، وتوجّهه مشكور، وكل ذلك يزيد من وهج، ورسوخ، وتثبيت، وتمكين، وتعزيز، الكينونة التوحيدية على مرّ العصور.

ومن فضائل الزيارة، أي زيارة لمقام ما،  أولا، الدوافع الشخصية، والتصرفات الفردية،وهو ما تحدّثنا عنه في الفقرة السابقة، وثانيا، عامل الاتصال بالإخوان، فمذهب التوحيد مبني على علاقة مباشرة بين الله والإنسان المؤمن، والله سبحانه وتعالى ليس بحاجة طبعا لأي إنسان، وكل فلسفة الدين، أي دين، هي أن الدين والتعاليم، والفرائض، والواجبات،  والسلوكيات الخاصة، مثل صلاة وصوم وعبادة، أوجدها الله، سبحانه وتعالى، وبثّها عن طريق أنبيائه، وأوليائه الصالحين، فقط “لكي يكون الإنسان إنسانا مع أخيه الإنسان”،وكل صلاة يؤديها أي مؤمن، ليست كي يرضى عنه الله، سبحانه وتعالى فقط، وإنما لكي يتعلم هو، ويتعوّد، ويواظب، ويحقق مبدأ دعم أخيه الإنسان، وعلى الأقل، عدم مسّه بسوء، وتجنّب مضرّته.

 يتطلب كل دين طبعا من المرء، أو من الإنسان المؤمن ان يدعم أخاه المؤمن بالله الواحد الأحد، سبحانه وتعالى الموحد الدرزي يدعم، كل إنسان يؤمن بأي دين سماوي، أو بأي معتقد آخر، لكنه لا يضرّ، ولا يؤذي، ولا يعتدي على إنسان مؤمن بالله، وقد بدأت الزيارات في الأماكن المقدسة الدرزية عند الموحدين الدروز منذ القدم، وهي مستمرّة حتى اليوم، وينفرد المواطنون الدروز بهذه الظاهرة، فقلّما نجد زيارات لأنبياء في الديانات الأخرى إلا ما ندر. والطائفة الدرزية تعتز وتفتخر أن المؤمنين يجلّون ويحترمون ويقدّرون الأنبياءوالرسل، وقد كانوا مستعدين تجشّم أعباء السفر والتنقل على الدواب والخيل لمدة أيام كي يصلوا إلى المكان الذي كانوا يبغونه.  وهم يشعرون بالسعادة القصوى لذلك. وما زالت عملية الزيارات مستمرة في أماكن التواجد التوحيدية حيث يعتقد المؤمنون أن قيامهم بزيارة مقام مقدس ومكوثهم فيه هو حدث جليل يستحق التقدير والاحترام.

وفي هذه الأيام، وفي الظروف الكورونية الصعبة، يقوم ابناء الطائفة الدرزية بواجباتهم الدينية، ومنها زيارة مقام سيدنا شعيب عليه السلام ومقام الست شعوانة رضي الله عنها، ومقام سيدنا  أبي إبراهيم عليه السلام، ومقام سيدنا بهاء الدين عليه السلام، وباقي الزيارات الأخرى. وقد تعلّم ابناء الطائفة الدرزية، أن يعيشوا الزيارة حتى ولو لم تُنفّذ. و بسبب الكورونا، ألغيب زيارة مقام سيدنا شعيب (ع)، وتحلّ مواعيد زيارتي شهر تموز في مقام سيدنا أبي إبراهيم عليه السلام في دالية الكرمل، وفي مقام سيدنا بهاء الدين عليه السلام في بيت جن، دون إجراء زيارة رسمية كالمعتاد، بسبب المحافظة على القواعد الصحية السليمة، والتقيّد بتعليمات وزارة الصحة، من أجل مصلحة المجتمع والمشايخ الأفاضل، وهم بغالبيتهم متقدّمون بالسن، ومعرّضون أن يصابوا بسرعة بأي مرض طارئ، كل ذلك مع فائض إيماننا بالمكتوب والقضاء والقدر، إلاّ  أن الاحتياط واجب، وتجنّب التحرش بالخطر، أو بالمرض، هو بحد ذاته فرض ديني، يلازم الإنسان في أي دين وأينما كان. فالاتكال على الله، هو من قواعد، ومن أسس، ومن أركان التديّن الصحيح والإيمان العميق، لكن لا حاجة للإنسان أن يختبر الله سبحانه وتعالى عمدا.

وهنا، وبما أننا تعوّدنا أن نقوم بهاتيْن الزيارتيْن، وبالزيارات الأخرى للأماكن المقدسة المذكورة، يكفينا أن نجلس في بيوتنا، وأن نتوجّه بخواطرنا إلى هذه الأماكن، وأن نتلو بعض الآيات، وأن نذكر الله سبحانه وتعالى، وأن ندعوه أن يفكّ هذه الأزمة ،وأن يهيّئ لنا الأجواء لأن نقوم بإيفاء زياراتنا في السنوات القادمة، كما تعوّدنا في عشرات السنين السابقة. على كل الأحوال، أي زيارة، أي صلاة، أي عيد، أي مناسبة دينية، هي محطّة هامّة في مسيرة حياتنا التقليدية، التي تتأثّر طبعا بالعوامل الخارجية، والمؤثّرات التقنية، وهي طاغية ولا تقاوَم، لكننا نعتمد على نفوسنا الأبيّة، التي تعوّدت أن تتّبع دروب الخير، وطرق النجاة، وأساليب الوقاية من كل شرّ ،فمسيرة الإنسان طويلة طويلة، في هذه الحياة، وعليه أن يقطع حواجز ،ومخاطر، واعتراضات، وكل أنواع الإغراء والتشويق لأعمال غير مستحبّة، لكنني واثق، أن جوهر غالبيتنا صامد لا يرضخ لهذه المؤثّرات، ولا يسمح لنفسه، إلاّ أن يقوم بما كُتب له، وسُمح به، ودُعي لاستعماله، من على صفحات كتبنا الشريفة، ومن بين سطور حكمتنا الخالدة.

 وأخيرا ندعوا للجميع  أن يبارك الله سبحانه وتعالى زياراتهم، التي كانوا ينوون القيام بها، والله سبحانه وتعالى عالم بالسرائر ،ويقدّر عمل الإنسان من اللحظات الأولى، وحتى التنفيذ، ويعلم أن من نوى الزيارة بصدق، وبمحبة حقّة، سيجد الطرق والأساليب، ليحافظ على قدسية، وطهارة، ومكانة الأماكن المقدسة، حتى ولو أمرت الظروف أحيانا بعدم الوصول إليها. هنيئا للطائفة الدرزية على معتقداتها، وعلى تجنّدها، لحماية أبناء التوحيد، وعلى تمسّكها بمبادئها وتراثها، وكل عام وأنتم بخير.  

مقالات ذات صلة:

ما بين المادّة والروح

من أهمّ طبائع البشر وأخطرها طبيعتان هما: الطبيعة الروحانيّة والطبيعة الماديّة، وهتان الطبيعتان تؤثّران تأثيرًا مباشرًا إيجابًا أو سلبًا على