الموقع قيد التحديث!

قصّة وحُجَّة

بقلم الشيخ أبو زيدان يوسف زيدان حلبي
من كتاب “الحكمة غذاء الروح”
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

القصة هي قصة حديث الطيور مع النبي سليمان بن داود صلى الله عليهما، النبي الذي أكرمه الله بخصائص لم يكرم بها أحد من خلقه قبله ولا بعده. كتسخير الريح له، وتعليم الله له كلام الطير والنحل وغيرها من الحيوان والوحش، وكذلك سخّر له بساط الريح كي يركبه، وأتاه الله من الحكمة والمُلك ما لم يؤتِه لأحد سواه على ما أخبر الله عز وجلّ في محكم كتابه العزيز.

قصّة حديث الطيور

قيل بتقدير حكمة العزيز الغفور، أتت إلى النبي سليمان بن داوود (ص) سائر الطيور، فلمّا مثلوا بين يديه وابتهلوا بالدعاء إليه، قالوا: يا نبي الله اعلم أن في قلبنا بعض الغصّة، وقصدنا نعرض هذه القصّة. قال: اِسألوا ما بدا لكم، وإن شاء الله نجيبكم عن سؤالكم. قالوا: يا نبي الله، مُرادنا أن تنظر إلينا كنظرتك في سائر الرعيّة، وتعدل بنا عدل القضيّة، وتصلح من الطيور ما فسد، وترُدّ ما شرد منّا، فنحن نشكو إليك أربعة من الطير مُخالف ولغير جنسه مُؤالِف، ونحن نتوسّل بكرم نبوّتك، وشرف رسالتك تسألهم ما سبب انفرادهم عنّا وانقطاعهم منّا.

قال فتعجّب النبيّ سليمان (ص) من لطائف وغرائب هذه الطيور وقال: سوف أنبيكم إن شاء الله عن هذه الطيور، فاستدعى الطائر الأول وهو (الباز) وقال له: أيّها الباز إن أكثر الطيور يشكونك إلى حين تبقى أبدّا ساكت والغدر في قلبك ثابت، حتّى إذا أتتهم نوائب الأيّام تُسلَّط عليهم وتكون عندها شامت. قال الباز: يا نبيّ الله اللسان كثير الزلل وما خلق الله الإنسان إلّا للعمل، أي من حبس لسانه عن الفضول أصغت إليه ذوي الأفهام والعقول، ولولا سِجن لساني ما صارت يد الملوك مكاني. فقال يا نبي الله سليمان (ص): اِجلس أيّها الباز وفّقنا وإيّاك الآخرة ولا شغلنا بالدنيا الغادرة.

ثم استدعى الطير الثاني وهو (البوم) وقال له: أيّها البوم إنّ أكثر الطيور يشكونك إلى حين تختار البلاء والخراب على المنازل والرحاب، فكلّما سألوك عمّا هو، لم تزدهم عن قولك إلا يا هو، قال البوم: يا نبي الله إنّي نظرت إلى الدنيا بعين المحبّة وتفكّرت في الخلوة فرأيتها حلوة، وأنا قتيل أشواقي، فلم أزل أنادي بلسان الحال هو الباقي يا هُو يا هُو يا من لا يعلم إلا هُو، يا مَن جميع خلقه في وصف محبّته قد تناهوا. قال فتعجّب النبيّ سليمان (ص) وقال: وفّقنا الله وإياك لصالح الأعمال، ولا شغلنا بقاطع الآمال.

ثم استدعى الطير الثالث وهو (الغراب) وقال له: أيّها الغراب إنّ أكثر الطيور يشكونك حين تندب الزمن، ولا تحنّ إلى الساكن والسكن، كأنّك ممّن يعلم الغيب. قال: يا نبي الله ما رأيت جمعًا إلّا تفرّق، ولا شملًا إلّا تمزّق، وكيف لا أندب ربوعًا كانت بالأحباب آنسة، وقد أصبحت بأحبابها دارسة، وكانت شموس الوصال إليها طالعة فإذا حوادث الزمان إليها مسارعة. فقال النبي سليمان: اِجلس أيّها الغراب فرّج الله صدرك ويسّر أمرك وردّ عليك غُيّابك وجمع شملك بأحبابك.

ثم استدعى الطير الرابع وهو (البلبل) وقال له: ما بال الطيور يشكونك إلى حيث تبقى في الشتاء ساكت، وإلى دار الدنيا وعماراتها تنظر كنظر الباهت، فإذا شاهدت عناقيد العنب، تغرّد طربًا بصوتك العالي، وهذا شغل العاشق، ونحن مع ذلك لا نوافق، لماذا لا تصيح في زمان ليس فيه خمر ولا خمار. قال البلبل: يا نبي الله ما رأت القوم ما أنا رأيت، ولا اتّضح لهم ما وعيت، بل عجبت ممّن يسكر من شراب هذه الحبّة، كيف لا يسكر من شراب المحبّة. وقال شعرًا:

شربتُ فيكم بكم كأسًا على ظمئٍ         صرفًا فبالَغَ في مكنون أسراري

ما زلتُ فيكم بكم منكم على وجلٍ        إليكم قاصدًا هل تجمع الدار

قال النبّي سليمان صلى الله عليه: أيها الطيور، من أراد سماع الجواب منكم فليتقدّم، واعلموا أني ما رأيتُ لكم حقٌّ يلزم. لأن كل من اشتغل بالعمل وسجن لسانه عن الزلل “يسلم”. ومن هجر الأوطان في طاعة مولاه “يغنم”. ومن نظر إلى الدنيا بعين الانتهاء والزهد في فضولها عن شهواتها “يُعصَم”. ومن ترك اللهو والشراب وسكت في حبّ مولاه لا “يأثم”.

وهذه قصة الطيور حجّة بالغة عليكم يا بني آدم. الله سبحانه بالسّرّ يعلم.

أيّها القرّاء الكرام: ليتنا وفي مثل هذه القصة عبرة نعتبر، ونتبنّى التعاليم التي هدانا بها النبيّ الأكرم والتي خُيِّرنا الالتزام بها.


النبي سليمان (ع) – من موسوعة التوحيد الدرزية:

الملك سليمان الكبير، إبن النبي داوود عليهما السلام، وخليفته على العرش، وقد حكم أربعين سنة. وقد رأى الملك سليمان في بدء حكمه حلما، سأله الله فيه عما يطلب، فلم يطلب لا غنى ولا عظمة ولا طول أيام، وإنما طلب الحكمة، وقد أعطاها له الله وبرزت في أعماله. كان على صداقة مع ملك صور حيرام ومن صور أحضر الأخشاب من أرز لبنان للبناء. كان الملك داوود قد جهز الكثير من مواد البناء للهيكل، لكن الملك سليمان بناه وأنجزه خلال سبع سنوات، على مثال الرسم الذي أعطاه الله للنبي موسى (ع). كان موقع البناء على جبل موريا. دشن الملك سليمان الهيكل بعد يوم الغفران العظيم، وقبل عيد المظلة، وفي احتفال رائع. وقام كذلك ببناء أبنية أخرى مثل الحصون والقلاع وبيت قضاء ومبان عامة. زارته بلقيس ملكة سبأ ودهشت مع رجالها من حكمته. لم تقع في أيامه حروب وانتعشت البلاد من الناحية الإقتصادية وكانت له أساطيل تجوب البحار وتعود محملة بالذهب والفضة والنفائس. كان عالما وعارفا في كل شيء، فدرس كل العلوم، وفاق كل علماء عصره، وقد ألف وكتب كثيرا لكن ضاع كثير منه. كان يعرف لغة الحيوانات والطيور، وكان غزير العلم والمعرفة. كان يتنقل في أرجاء الأرض بواسطة بساط الريح، وكان بساطه من السندس الأخضر، وكان يجلس على كرسيه في وسط البساط وحوله 600 كرسي يجلس عليها أشراف الناس. وجاء في كتاب عمدة العارفين للأشرفاني، أن الملك سليمان، لما تملك وحصل على طاعة الرعايا، وصفا له الزمان، تخلى عن الممالك كلها، وتنزه عن الدنيا بأسرها، وانقطع لعبادة ربه تعالى. ولما علم بدنو أجله، أخذ في مزيد من الصوم والصلاة والعبادة الخالصة لله، وبالغ في الجد والاجتهاد، وفي يوم كان متكئا على عصاه خرجت روحه ودفن بجانب أبيه داوود. v

مقالات ذات صلة:

شعر: كل عِلّه إلها سبب

انعرف السّبب بطل العجبْشمس الدّني ما تنحجبْالقمر اختفى الرّيح اكتأبْالجوّ انعكر الفكر انقلبْصوتو حزين بصوتو ندبْيا سامعين لوين الهربْنتفة يقين