الموقع قيد التحديث!

من فضائل التوحيد.. فريضة الرضا والتسليم هي نهاية العلم وغاية التعليم

بقلم السيدة سهام ناطور (عيسمي)
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

الرضا

معنى الرضا في اللغة: القبول، القناعة، اطمئنان النفس، الموافقة، وهو ضد السخط، وفي التوحيد هو نهاية التوكّل وقبول كل شيء بطيبة نفس، وتقبُّل ما يقضي به الله عزّ وجلّ من غير تردُّدٍ ولا معارضة. وهو ارتفاع الجزع في أي حكم كان، لأن الله عزّ وجلّ لا يختار للإنسان إلّا الأفضل.

الرضا من الصفات والأخلاق الحميدة التي يتحلّى بها الإنسان البصير والمؤمن، فهي صفة تجلب له الهدوء والتوازن النفسي، والقدرة على مكابدة الحياة والعيش فيها بأحسن ما يمكنه ذلك، فيكون فعّالاً نتيجة لتوازنه الداخلي وتسليمه لمجريات القدر، مع احتفاظه بعزيمته وإصراره وهمّته، والرضا ثمرة من ثمرات المحبّة، وأعلى مقامات المقرّبين، وهو باب الله الأعظم، ومستراح المُتّقين والعابدين، وجنّة الدنيا، لأن الرضا يفرغ القلب لله، ومن ملأ قلبه من الرضا، ملأ الله صدره غنىً وقناعة. ورضا الله عن العبد أكبر من الجنة وما فيها، لأن الرضا هي صفته والجنة هي من خلقه، وهو يثمر محبة الله تعالى ورضوانه وتجنّب سخطه. إن الذي يرضى بقضاء الله وقدره، فإن الله يملأ قلبه سعادة وسرورًا ورضًا، أما الذي يتسخط ويعترض، وينظر إلى غيره، فإنه يعيش في شقاء لا يعلمه إلا الله.

 الرضا عدّة أنواع:

•          الرضا بالله ربًّا: ربًّا يلزمك أن ترضى بأوامره امتثالًا، وترضى بنواهيه اجتنابًا، وترضى بأقداره المؤلمة رضاء مطلقًا، ترضى بكلّ نعمة ومصيبة، وكلّ منع وعطاء، وكلّ شدّة ورخاء، ترضى إذا عافاك، ترضى إذا ابتلاك، ترضى إذا وضعك في السجن وحيدًا فريدًا، ترضى به إذا أغناك وحاباك، ترضى به إذا أعدمك وأفقَرك. كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو “الرحمن”، أرحم بعباده من الأم بولدها؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو “العليم”، يعلم ما يصلح لعبده وما يضرّه، والعبد جاهل لا يرى إلا تحت قدميه؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو “اللطيف”، يَبتلي عباده بالمصائب؛ ليُطهِّرهم من الذنوب والعيوب؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو “الودود”، يتودَّد إلى عباده بنِعمه اللامحدودة.

•          الرضا بإلهيّته: وهو يتضمّن الرضا بمحبّته وحده وخوفه ورجائه والإنابة إليه والتبتُّل إليه وانجذاب قوى الإرادة والحبّ كلّها إليه، وذلك يتضمّن عبادته والإخلاص له إخلاصًا مطلقًا.

•          الرضا بربوبيته: وهو يتضمّن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضّمن إفراده بالتوكُّل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه اعتمادا كُلّيًّا مطلقا، وأن يكون راضيًا بكل ما يفعل به، فيعمل ما أمره به، أي ما أباحه له، ويرضى بالمصائب كالفقر والمرض والذّلّ وفقد الأحبة وغيرها من المصائب، ويشكر الباري سبحانه عند الضرّاء ويشكره أيضا عند السرّاء فلا فرق عنده بين هذا وهذا بالنسبة لتقبُّله لما قدّره الله عزّ وجلّ، أي إن الراضي تكون المصيبة وعدمها عنده سواء، ويعتبر كلّ ذلك امتحانًا واختبارًا من الباري جلّ وعزّ. فالرضا عن الله بقضائه، والرضا بالقليل واليسير من العيش، والرضا برزق الله تعالى وبما قسمه لك، والرضا بالمصيبة، يجعل المؤمن الموحِّد في حياة مطمئنة هنيئة، وهدوء بال، وراحة نفسيّة، وفرح وسرور، إلى جانب تحصيل الأجر الكثير، ومغفرة الذنوب، هذا في الحياة الدنيا، وفي الآخرة الفوز بالجنان والرضوان، ثمّ يترك جميع ما نهاه عنه مثل الكفر والفسق والعصيان والكذب والبهتان وجميع الخصال السيئة والرذائل التي لا ترضي الله سبحانه.

ولكي يتسنى للمرء فهم مسألة الرضا يجب عليه أن يقف على حقيقة القضاء والقدر والإرادة الإلهيّة، وذلك في النقاط التالية:

1-       لابدّ أن تؤمن إيمانًا جازمًا أن الله خالق كلّ شيء، وهو حده المتصرِّف في هذا الكون كلّه بجميع مكوِّناته، وأنّه لا يقع في ملكه إلا ما أراده هو جّل جلاله وحده.

2-            إنّ ما قدّره الله وأراده فهو حادث وواقع لا محالة ولا يمكن الفرار منه.

3-       إن الله جلّ وعلا بنى قدَره وإرادته على عِلم وحكمة وعفو ورحمة، فليس هناك أي أمر بلا ترتيب، أو معرفة للعواقب، أو تقدير للنتائج، وكلُّ ذلك في غاية الرّحمة واللطف بالعباد، حتّى ولو كان الأمر في الظاهر أو الواقع على خلاف ذلك، كالمرض مثلًا يكرهه الإنسان ولا يحبّه، وقد يكون فيه غاية اللطف والخير وعليه ثواب عظيم في الآخرة، وقد يُغفر له بسببه من الذنوب والخطايا ما لا يعلمه إلّا الله، ولو عرف فضله لتمنّى أنّه ظلّ مريضًا طول عمره.

4-       إن مقادير الله لا تتغيّر إلا بالوسائل الشرعيّة التي حدّدها هو سبحانه وتعالى، وذلك مثل الدعاء لأنّه لا يردّ القضاء إلّا الدّعاء، وكذلك صلة الرحم، وبِرّ الوالديْن، والطّاعة عمومًا.

5-       إن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكُّل، وإنما علينا أن نجدَّ ونجتهد فنذاكر مثلًا ونجتهد في المذاكرة والتحصيل ونكِل الأمر كلُّه بعد ذلك لله وحده.

6-       إنّه جلّ جلاله وعدنا ألّا يضيع عمل عامل مهما كان، ذكرًا أم أنثى، مؤمنًا كان أو كافرًا.

التسليم

معنى التَّسِلِيمَ في اللغة العربية هو الانقياد إلى إرادة المُسَلّم إليه، والتسليم بِالأَمْرِ الوَاقِعِ هو الخُضُوعَ والإِذْعَانَ له، التَّسْلِيمُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَر هو تقبُّله لما قدّره الله عزّ وجلّ، والتسليم في القتال: هو ترك القتال وإلقاء السلاح والانقياد إلى إرادة العدوّ المنتصِر، تسليم الرسالة هو تقديمها، أمّا في التجارة فهي عملية إعطاء سلعة لمشتريها.

 ونحن هنا بصدد تسليم الأمر لله: قال الدكتور أحمد الدسوقي، أحد علماء الأزهر الشريف، “إن التسليم لأمر الله مرتبة قلبيّة إيمانيّة عالية، لا ينالها إلا المقرَّبون، والحقيقة أنّ التسليم فيه المعرفة، فأي إنسان أيقن أن الله بيده كلّ شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأنّه يعلم كلّ شيء، وهو رحيم، مشيرًا إلى أنّ الله عز ّوجلّ خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة”.

كما أن التسليم لله يعني اكتساب الإنسان لحرّيّة مضاعفة، فلمّا كان على علم بظروف وجوده المأساوية (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، فإن ذلك يعني إدراكه لما سيواجهه في هذه الحياة من مكابدة وعناء، وأنهما سِمتان معقولتان وطبيعيّتان في هذا الوجود، ما يحقّق له الصفاء والاعتدال ويحرِّر سعيه من قيد النتائج وتحقُّقها وتفويض أمرها لله عز ّوجلّ.

إن التسليم لأمر الله تعالى من ركائز مذهب التوحيد وثوابت الإيمان ودلائل الإحسان، ومن يرتضي لأمر الله تعالى، ويسلّم له يَنَل خير الدنيا وثواب الآخرة، وينعم بالرضا والاطمئنان، ويستشعر السكينة والأمان.

 إنّ التسليم لأمر الله تعالى هو الانقياد والخضوع لله جلًّ جلاله، فيمتثل المؤمن لأحكام الله تعالى فيتّبعها، ويتجنّب ما نهى الله تعالى عنها، فلا يتّبع هوى النفس وإغواء الشيطان لكي يسعى لإرضاء شهواته والسعي خلف أطماعه.

إنّ التسليم لأمر الله تعالى يقتضي الرضا واليقين بأنّ الخير بيد الله تعالى، ولكي يُحَقّق المؤمن التسليم لابدّ أن يُحسِن الظنّ بالله تعالى ويعلم أن الله عزّ وجلّ لن يقدِّر له إلّا الخير، فيتَّبع كل ما أمره به الله، فيهتدي بسنّته وحِكمته الشريفة وينشر سيرته العطرة.

 فالتسليم لأمر الله تعالى هو الِّلبنة التي يرتكز عليها الإيمان، ومن توافرت فيه خصال المؤمنين وسِمات الطائعين فاز بالنعيم والرضوان وارتقى درجات الجنان ونال شرف رضا الله ذي الجلال والإكرام.

والإيمان بالله يتضمن أنه تعالى هو الإله الحقّ الذي لا يستحقّ العبادة سواه، وأنه تعالى ربّ كلّ شيء ومليكه، وأنه سبحانه وتعالى موصوف بالكمال، منزّه عن النقص؛ فلا ظلم ولا عبث في خلقه وشرعه وقدَره؛ بل هو تعالى حكيم في ذلك كلّه.

 الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى واجب، والتسليم لأحكامه حتميّة امتثال المؤمن لأمر الله ونهيه وقدره.

فتفويض الأمر لله أن يعتقد العبد أنّ الأمور كلّها آتية من الله، وراجعة إليه سبحانه. فإنّه إن فعل ذلك أتاه الفرج من ربّه عاجلا غير آجل..”.

مقالات ذات صلة:

نساء صوفيّات

شهدَ التـَّأريخُ الإسلاميّ العَدِيد مِن النّسَاء اللّوَاتِي ارتـَقـَين مَدارج المعرفة الرّبَانيّة والنّفحاتِ الرّحمانيَّـة، بيد أنّ الخطـاب الدِّينِي القدِيم والمعَاصر كانَ