الموقع قيد التحديث!

قصة سلطان باشا الاطرش مع الضابط الانجليزي

بقلم الأستاذ الشيخ أبو توفيق سليمان سيف
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

عاش الثوار ابان الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي وعند نزوح الثوار الى منطقة -الجوف- شمالي الجزيرة العربية إلى وادي السرحان.في ضنكٍ من الظروف القاسية  التي تكاد الجبابرة ألا تتحملها، فقد كانت طبيعة تلك المنطقة قاسية، في حرارتها ورياحها وجدبها، وعدم وجود مصدر للماء، سوى عينٍ صغيرة اسمها عين (جوخه)،  تنبع فيها مياه لا تكاد تصلح للشرب، وقد مرَّ على أهلنا فترةً طويلة لا يعرفون فيها طعمًا للخبز، فهم يأكلون مما توفره الطبيعة من نباتات كالقطن أو من حيوانات كالضب والأفعى والغزلان اذا توفرت!

وفي هذه المرحلة من الشقاء والجوع والظمأ، أرسلت انجلترا بالتنسيق مع فرنسا، شاحناتٍ تحمل الغذاء والمؤونة الى وادي السرحان، وتفاجأ الثوار هناك، بالجنود الانجليز يفرشون موائد الحديد القابلة للطي ويمدونها على مساحةٍ واسعةٍ من الأرض ويضعون عليها الأطعمة الفاخرة والمياه الصافية. وفي هذه الأثناء يدخل الضابط الانجليزي الذي يقود هذه العملية ومعه المترجم الى القائد العام للثورة السورية والذي كان يجلس على بساطٍ صغيرٍ لا يقي رجليه من رمال الأرض في بيتٍ متواضعٍ من الشعر.

لم يقف القائد العام، الباشا سلطان لهذا الضابط وكانت عادةً لديه اتجاه ضباط العدو فقام الضابط الانجليزي بالجلوس بجانب سلطان باشا واعطاه جانبه وبدأ يتكلم مع المترجم بعد أن أحضر الجنود مجموعةً من صناديق المال الى داخل بيت الشعر ووضعوها أمام القائد العام سلطان.

قال الضابط للمترجم: قُل لسلطان أن هذا المال حصته وحده وذلك الطعام له ولرجاله.

أجاب سلطان باشا متكلمًا مع المترجم: ” اسأل سيّدك ماذا يريد مقابل هذا العطاء”

يُجيب الضابط: “ان تتخلى عن قيادة الثورة السورية، وأن تُعلن ولاءك لفرنسا” وعندما تُرجِمَ الطلب، قام سلطان باشا بحفنِ حَفنَةٍ من رمال الأرض، وقال بغضب: حفنه من تراب بلادي أثمن من ذَهب بريطانيا كله، أخبر أسيادك بأننا على درب الجهاد حتى آخر قطرةٍ من دمنا.

وأثناءِ هذا التفاوض، حدث أن أحد الثوار الذينَ أنهكهم الجوع، غافل الجنود واختطف عن أحد الموائد قطعةً من اللحم، وأخذَ منها لقمةً في فمه، وحينها تلاقت عينه بعين سلطان باشا، الذي نظر اليه بِحِدّةٍ، فَخَجلَ الثائر من موقفه الضعيف، وَتَفَل ما في فمه وألقى ما في يده….  شاهد الضابط الانجليزي هذه اللحظة الرهيبة، فَعَدَّل من جلسته متأثرًا بما رأى. وبعد أن تُرجم جواب سلطان باشا للضابط، وقف أمامه وأعتمر عمرته وأدى التحية العسكرية لسلطان… وانصرف مع جنوده.

فيما بعد تواترت أخبار محاكمة هذا الضابط عسكريًا باعتبار النقاط التالية مأخذًا عليه:  أولًا: عدم مصافحته لسلطان الأطرش عند دخوله عليه.

ثانيًا: عدم محاولته اقناع سلطان الأطرش كأسلوب تفاوض وفشله بالنتيجة.

ثالثًا: أداءِ التحيةِ العسكريّة أمام سلطان باشا.

وأجاب الضابط مدافعًا عن موقفه:

ان سلطان لم يقف عند دخولنا عليه، وان وقف، فكيف لي أن أُصافح يدًا قد تساوم على أرضها بسبب المال والطعام، وقد أُديت التحية العسكرية في نهاية التفاوض لأنه رفض بشهامته أن يتخلى عن حفنه من تراب أرضه مقابل ذهب انجلترا كله كما قال وأسجل هنا، اننا ندرب الجندي في كلياتنا الحربية ثلاث سنوات زارعين فيه الروح المعنوية والعزيمة ليصمد في ساحة الحرب وكثيرًا ما نفشل بذلك. لكن سلطان الأطرش بنظرةٍ واحده استطاع اعادة بناء معنويةِ ثائرٍ هدمها الجوع والعطش (وروى الحادثة).

سيدي القاضي: في أي كلية حربية درب سلطان جنوده؟ وبأي عزمٍ شحنهم؟

وهو لم يوفر لهم السلاح المناسب والطعام المطلوب كما نوفر نحن لجنودنا. انه يستحق التحية العسكرية في كل بقاع الأرض وكان لي هذا الشرف. على أثر هذه المحاكمة تمَّ ترفيع الضابط الانجليزي رتبه عسكريه باعتباره سَجَّلَ درسًا في الشرف العسكري، في الروح المعنوية التي تكلم عنها أثناء دفاعه.  

مقالات ذات صلة:

العدد 6 – اذار 1985

العدد 6 – اذار 1985 Share on whatsapp Share on skype Share on facebook Share on telegram لتحميل العدد Pdf