الموقع قيد التحديث!

ثَلاثُ سَيِّدَاتٍ وأَزْوَاجُهُنَّ

بقلم البروفيسور علي الصغيَّر
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

هؤُلاءِ السَّيِّدَاتُ الثَّلاثُ يَنْتَمِيْنَ إِلى آلِ طَرَبَيْه، وثَلاثَتُهُنَّ مِن نساءِ القرنِ التَّاسعِ عشرَ. واحدةٌ مِنهُنَّ تحملُ الاسم “فاطِمَة”، والاثْنَتَانِ الأُخريانِ تحملانِ الاسم “زمُرُّد”. أَزواجُهُنَّ كانُوا المشايخ مرزُوق معدِّي مِن قرية يِرْكا، زوج السَّيِّدة فاطِمَة، ومُصطفى الأَطرش مِن بلدة القُرَيَّا بِجبل العرب، زوج واحدةٍ مِنَ السَّيِّدَتَيْنِ الَّلَتَيْنِ تحملانِ الاسم زمُرُّد، وسلمان ماضِي مِن قرية جُولِس، زوج السَّيِّدة الأُخرى الَّتي تحمل الاسم زمُرُّد. هؤلاءِ الأَزواجُ الثَّلاثة كانُوا مِن كِبارِ وُجهاءِ وكُرماءِ عصرِهِم، كلُّ واحدٍ منهم في موقعه وبيئته وزمنه ومجتمعه، وشاءتِ الأقدارُ أَن يموتَ اثنانِ منهم قتلًا، ظلمًا وغدرًا، أحدُهما مات شنقًا، والآخرُ مات مسمومًا، وايضاً ان يموت ابنُ ثالثهما شنقًا، ظلمًا وغدرًا.

أَلشَّيخ مرزُوق معدِّي وزوجتُهُ فاطِمَة طَرَبَيْه

نحنُ لا نعرف سنة ولادة الشَّيخ مرزُوق معدِّي، ولا سنة ولادة زوجته فاطِمَة، وهي فاطِمَة سلمان طَرَبَيْه، الّتي كان سُكَّانُ يِرْكا يُطلِقُون عليها لقب “المِيْمِي”، أَيِ “الأُمّ”، لِحُنُوِّها عليهِم، وأَصل هذه السَّيِّدة مِن بلدة شَفَاعَمْرُو. مِمَّا نعرفُهُ عن الشَّيخ مرزُوق معدِّي أَنَّه كان وجيهًا في بلدته يِرْكا وفي مُحيطِها، وفي سائِرِ أَنحاءِ البلاد أَيضًا، وأَنَّ عبدالله باشا الخَزِنْدَار، والي صيدا، منحه التزام قرية أَبو سنان لِلأَعوام 1827 و 1828 و 1829، وأَنَّه جدَّد له فيما بعد هذا الالتزام، مع إِضافة قُرىً أُخرى إِليه، لِلأَعوام 1830، و1831، و 1832، وأَنَّ حُسَيْن عبد الهادي، الَّذي عيَّنه ابراهيم باشا المصري والِيًا على صيدا بعد أَنِ احتلَّ عكَّا وعزل عبدالله باشا وطرده منها، منحَهُ التزامًا جديدًا على قُرىً عديدة في الجليل الأَعلى الغربي لِلأَعوام، 1834 و 1835 و 1836، ولكنَّ ابراهيم باشا شنقَهُ بِعكَّا بتاريخ الثَّامن والعشرين مِن شهر شباط عام  1839، في أَعقاب وِشَايةٍ عليه مِن رجلٍ حاقدٍ من بلدة الغابسِيَّة بِساحلِ عكَّا بأَنَّهُ يُخْبِئُ بارودةً في بيته، ولم يُسلِّمها لِلجيش المصري، بعد أَن كان ابراهيم باشا قد جمع السِّلاحَ عنوةً مِن سكَّان البلاد، خصوصًا مِنَ السُّكَّان الدُّرُوز. خلال عهده أُمراءٌ لُبنانيُّونَ عديدونَ، أَرسلانِيُّونَ وجُنبلاطِيُّونَ، سكنوا في يِرْكا، وبعضهم تُوُفِّيَ بها ودُفِنَ في مقبرتِها. 

أَلسَّيِّدة فاطمة طَرَبَيْه، زوجة الشَّيخ مرزُوق معدِّي، تُوفيَّت بتاريخ العاشر مِن شهر تشرينٍ الأَوَّلِ عام 1858، وهو لم يُنجِب منها سوى ابْنَتَيْنِ، زهرة وعفيفة.

أَلشَّيخ مُصطفى الأَطرش وزوجتُهُ زمُرُّد طَرَبَيْه

أَلشَّيخُ مُصطفى الأَطرش، زوجُ السَّيِّدة زمُرُّد طَرَبَيْه، هو ابنُ الشَّيخ اسماعيل الأَطرش الثَّاني. هذه السيِّدة هي شقيقةُ الشَّيخ الجليل حُسَيْن طَرَبَيْه المُتَوَفَّى عام 1913، وقد هاجر هذا الشَّيخ مِن بلدته شفاعمرُو في مُنتصف القرن التَّاسع عشر، وسكن في بداية أَمره قُرب بلدة عِرَى بجبل العرب، ثُمَّ انتقل بِدعوةٍ مِنَ الأَطارشة إِلى مدينة السُّويداء.

نحنُ لا ندري متى وُلِدَ هذانِ الزَّوجانِ، أَلشَّيخُ مُصطفى الأَطرش والسَّيِّدة زمُرُّد طَرَبَيْه، ولا متى تَزَوَّجَا، ولا متى تُوُفِّيَا.

أَلشَّيخ مُصطفى الأَطرش أَنجبَ مِن زوجتِهِ زمُرُّد طَرَبَيْه فايز الأَطرش المُتَوفَّى عام 1904، والوطنيَّ الكبير المُجاهد ذُوقان الأَطرش، الَّذي كان مِن كِبار مُقَاوِمِي العُثمانِيِّيْن، وعلى رأْسِهِم القائد سامي باشا الفارُوقي حينما شَنَّ حملته العسكريَّة بجيشِها الجَرَّار على جبل الدُّرُوز، تلك الحملة الغاشِمة الَّتي بدأَت بِتاريخ الخامس والعشرين مِن شهر أَيلول عام 1910، والَّتي انتهت بِإِخضاعِ الجبل، ولكن بعد أَن أَلْحَقَ الدُّرُوزُ بها، بِرِجالِهِم ونِسائِهِم، وبِأَعدادِهم القليلة، وبِأَسلحتِهِم القديمة، خسائرَ فادحة. بعد انتهاء تلك الحملة، وفي شهرِ آذارَ عام 1911، شنقتِ السُّلطاتُ العُثمانيَّة، جَوْرًا وغَدْرًا وظُلْمًا، وكما يشهدُ التَّاريخ، عددًا مِن كِبار المُجاهِدين ضِدَّها، وعلى رأْسِهم كان المغفورُ له ذُوقان الأَطرش، وشنقت أَيضًا مزيد عامر مِن بلدة المَتُوْنَة، وحَمَد المغَوِّش مِن بلدة خَلْخَلَة، ويَحْيَي عامِر مِن بلدة شَهْبَا، ومحمَّد القَلْعَانِي مِن بلدة شَقَا، وهزَّاع عِزّ الدِّين مِن بلدة لاهِثَة.

 ذُوقان الأَطرش هو والدُ المغفورِ لهُم جميعًا علي وزيد ومُصطفى وسُلطان باشا الأَطرش، وسُلطانٌ، كما هو مشهورٌ ومعروفٌ، كان القائد العام لِلسُّوريَّة الكُبرى ضِدَّ الاحتلال الفرنسي الظَّالِم، تلك الثَّورة الَّتي لولاها لَنَجَحَ الفرنسيُّون في تقطيعِ أَوصالِ سُوريا وتفتيتِها إِلى دُوَيلاتٍ صغيرة، دُوَيْلَة دُرزيَّة، وأُخرى كُرديَّة، وأُخرى علويَّة، وأُخرى سُنِّيَّة، وأُخرى نَصْرانيَّة، ورُبَّما غير ذلك.

يقول الباحثُ سَعِيْد الصغَيَّر في الصَّفحة 796 مِن كتابه “بَنُو معرُوف في التَّاريخ”، أَلَّذي صدر عام 1984، مِن قِبَلِ مطابعِ زَيْنِ الدِّيْنِ بِالقُرَيَّا، أَنَّ شقيقةً ثانيةً كانت لِلشَّيخ حُسَيْن طَرَبَيْه، ولِشقيقتِهِ زمُرُّد، زوجة الشَّيخ مُصطفى الأَطرش. مُؤلِّفُ الكتابِ لا يذكرُ اسمَها، ولكنَّه يقول أَنَّها تزوَّجت في جبل العرب من سليمٍ الأَطرش، ونحنُ نعتقد أَنَّ سعيد الصغيَّر وقع في خطأٍ هُنا، فقد ورد في الصَّفحة الثَّامنة مِن كتاب “مِن آثار الشَّيخ حُسَيْن صالح طَرَبَيْه، 1927 – 1954، أَلسُّويداء، جبل العرب”، لمُحمَّد بن حُسَيْن طَرَبَيَه، وقد صدر ذلك الكتاب عام 1993 مِن قِبَلِ دار الينابيع لِلنَّشر والتَّوزيع بِدمشق، أَنَّ تلك الشَّقيقة الثَّانية، ومُؤلِّف الكتاب، هو الآخرُ، لا يذكر اسمها، تزوَّجت الشَّيخ منصُورًا الأَطرش مِن بلدة الغارِيَّة بِجنوب جبل العرب.

أَلشَّيخ ذُوقان الأَطرش، إِبن الشَّيخ مُصطفى الأَطرش وزوجته السيِّدة زمُرُّد طَرَبَيْه، شنقه العُثمانيُّون، ظُلمًا وغدرًا، عام 1911، بعد حملة سامي باشا الفارُوقي على جبل الدُّرُوز عام 1910

أَلشَّيخ سلمان ماضِي وزوجتُهُ زْمُرُّد طَرَبَيْه

نحنُ لا نعرفُ إِلَّا القليل عنِ الشَّيخ سلمان ماضِي، وكذلك عن زوجته السَّيِّدة زْمُرُّد، نحنُ لا نعرف متى وُلِدَا، ولا متى تَزَوَّجَا، ولا متى تُوُفِّيَا. أَلسَّيِّدة زْمُرُّد  هذه هي زْمُرُّد  سلمان طَرَبَيْه، وكانت شقيقة السَّيِّدة فاطمة طَرَبَيْه، زوجة  الشَّيخ مرزُوق معدِّي. بِحوزتِنا وثيقةٌ مِن يِرْكا دَوَّنَهَا هذا الشَّيخ بخطِّ يدِه، وخطُّهُ كانَ أَنيقًا وجميلًا وواضحًا، ووثيقتانِ أُخْرْيَانِ، مِن يِرْكا أَيضًا، وضع توقيعَه عليهما، هذه الوثائِقُ الثَّلاثُ هي مِن آخر سنوات الأَربعين ومِن سنوات سنواتِ الخمسينَ والسِّتِّين مِن القرن التَّاسع عشر، وهذا يعني أَنَّ وفاته كانت بعد تلك السَّنوات، ونحنُ نعتقد أَنَّ وفاته كانت خلال سنوات السَّبعين أَوِ الثَّمانين مِنَ القرن التَّاسع عشر، ومِمَّا نعرفه عنه أَنَّه كان مضربَ المثلِ في حُسْنِ استقبالِ الضَّيفِ والنَّخوةِ والكَرَم.

أَخْبَرَنَا صديقُنا الدُّكتُور سِمْعان مُرْقُس مِن قرية كُفر ياسيف أَنَّ الشَّيخَ سلمان ماضِي هو الَّذي استقبلَ واستضافَ جَدَّهُ لِوالدتِه، أَلسَّيِّدَ حَنَّا البَسِّيْط الُّلبنانيَّ الأَصل، أَلَّذي كان يعملُ في دَقِّ الحجارةِ ونَحْتِها، وفي البِناءِ أَيضًا، فقد قَدِمَ هذا الرَّجل مِن إِحدى قُرى جنوبِ لُبنانَ، هو وزوجتُهُ وأَبناؤُهُ وبناتُهُ، على ما يبدُو خلالَ سنواتِ السِّتِّينَ مِن القرنِ التَّاسعِ عشرَ، مُبَاشَرَةً إِلى قرية جُولِس، وهُناك حلَّ ضيفًا على الشَّيخ سلمان ماضِي وسكن في بيتِه، وخلالَ مُكُوثِهِ عندَهُ دَقَّ ونَحَتَ حجارةَ بيته الكبير، وبَنَاهُ أَيضًا، وهذا البيت لا يزالُ قائِمًا إِلى اليوم، وبَقِيَ السَّيِّد حَنَّا البَسِّيْط في بيتِ الشَّيخِ سلمان ماضِي عددًا مِن السِّنين، ثُمَّ انتقلَ إِلى قريةِ كُفر ياسيف، وهُناك تزوَّجت بناتُهُ، وواحدةٌ مِنهُنَّ تزوَّجت السَّيِّدَ الياس مُرْقُس، جَدَّ الدُّكتور سِمعان لِوالِدِه، أَمَّا أَبناؤُهُ فهاجرُوا إِلى البرازيل. أَلسَّيِّد حَنَّا البَسِّيْط هو الَّذي نحتَ ودَقَّ حجارة كنيسة طائفة اﻟﭘﺮوتستانت بِكفر ياسيف.

  طبقًا لِلحديثِ المُتناقَلِ عندنا سُمَّ الشَّيخُ سلمان ماضِي   بِمدينة عكَّا على يدِ رجلٍ مِنها في أَعقابِ مُؤامرةٍ حِيْكَتْ ضِدَّه، ووافَتْهُ المنيَّةُ عند المشارفِ الغربيَّة لقرية جُولِس، وقدِ انتشرَ خبرُ وفاتِه، في بلدتِهِ ومُحيطِها، كانتشارِ النَّارِ في الهشيم، ومع وُصول الخبر إِلى أَحد أَصدقائِهِ بِقرية مَجْد الكُرُوم المُجاورة، وكان ذلك الرَّجل جارًا له في موقع الأَرض المعروف باسم “العُيُوْن”، الواقع إِلى الشَّرق من جُولِس، وقُرب بلدة مَجْد الكُرُوم، قَدِمَ ذلك الرَّجل مُباشرةً إِلى جُولِس وأَنشدَ ارتجالًا أَمَامَ نَعْشِهِ تلكَ الأَبياتَ الشِّعريَّة الشَّعبيَّة الَّتي لا تزالُ تَتَرَدَّدُ حتَّى هذه الأَيَّام: 

زَعَق غُرَاب البَيْنِ وقالْ سلمانْ
وكَرِيْمُ مِنْ بَنِي مَعْرُوْفْ سلمانْ
ويا ذِلِّكْ يا جُولِس مِن بعدْ سلمانْ
يمُرِّ الضَّيْف ما يذُوْقِ الغَدَا
زَعَق غُرَاب البَيْن وقالْ سلمانْ
وكَرِيْمُ مِن بِنِي مَعْرُوْفْ سلمانْ
ويا ذِلِّكْ يا زْمُرُّد مِنْ بَعْدْ سلمانْ
سَعْد زْغِيْر ما يْكِيدِ العِدَا

سَعْد زْغِيْر ما يْكِيدِ العِدَا زْمُرُّد هي زوجتُه، وسَعْد هو ابنُه، وكان صغيرَ السِّنَّ حينما مات والدُه، و”العِدَا”، أَيِ الأَعداء، هُمُ الأَشخاص الَّذين تآمَرُوا عليه وكانُوا السَّببَ في موتِه بِالسُّمِّ، ولِسَعْدٍ ابنِهِ وُلِدَ ابنٌ وبنتٌ، أَلابنُ هو جدُّنا لوالدتِنا المرحُومة انشراح سلمان سَعْد سلمان ماضِي (1922 – 1953)، والبنتُ هي “قَطَم”، وهذه السيَّدة تزوَّجت في جُولِس المرحُوم الشَّيخ حُسَيْن علي عامر .

البروفيسور علي الصغيَّر

مقالات ذات صلة:

الصلاة عن بُعد

لقد حبانا الله سبحانه وتعالى، نحن الذين نعيش اليوم، وندرك ونعي ما نشاهد، وما نرى، وما نسمع ، أن نعيش