الموقع قيد التحديث!

القائد ورجُل المجتمع المُربّي المرحوم نور الدّين شنّان

بقلم الكاتب الشّيخ أبو حسام جمال سعد
بيت جن
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بقلب مفعم بالحزن والأسى، وصدر مثقل بالآلام، وعين دامعة تلقّيت نبأ وفاة الرّجل العصامي، رجل المجتمع والمربّي الفاضل المرحوم الأخ أبو جابر نورالدّين محمد شنّان.

وُلد أبو جابر نورالدّين محمد اسعيد شنّان في يوليو 1947 في قرية حرفيش الجليلية، لأسرة عريقة ذات باع طويل في المسائل الاجتماعيّة والسياسيّة في المنطقة.

 هو الابن الرّابع للشّيخ أبو نسيب محمد اسعيد شنان، أول رئيس مجلس منتخَب في حرفيش في نهاية السّتّينات.  وحفيد للشّيخ أبو محمد اسعيد شّنان، مختار حرفيش المعيَّن في فترة حكم الأتراك، الرّجل الشّجاع الّذي جمع بين الحكمة والكرم والتّقوى.

 هذا الإرث العائليّ الغنيّ بالعمل في الشّأن العامّ ترك أثرًا بالغًا في صقل شخصيّته القياديّة سياسيًّا واجتماعيًّا فكانت علامات الشّخصيّة القياديّة ظاهرة عليه منذ نعومة أظفاره.

معرفتي بأبي جابر جابر امتدت سنوات طويلة، فقد كان زميلي ورفيق دربي فكان رجلًا من خيرة الرّجال، عَلَمًا من أعلام هذا المجتمع.  كان عميدًا، كان قائدًا، كان شجاعًا، جريئًا وقؤولًا للحقّ. كان مرجعًا في المواقف، كان أديبًا، كان أمينًا، صادقًا، مخلصًا وفيًّا، كان مقدامًا في العطاء، والوفاء، وكرم، النّفس والأخلاق. كان مضيافًا صاحب البيت الواسع المفتوح وصاحب القلب الكبير.

المرحوم مع المرحوم الشيخ جبر معدي

اجتمعت في أبي جابر كلّ مؤهّلات الشّخصيّة القياديّة فبِحدّة ذكائه وسرعة بديهته وسِعة اطّلاعه أدرك أهميّة العلم والمعرفة فكان قارئًا نهمًا منذ صغره، وأصرّ رغم العوائق الكثيرة في ذلك الوقت على إنهاء تعليمه الثّانويّ في مدرسة ترشيحا بدرجة تفوّق ليكون بعدها من رعيل المعلّمين الأوّل في القرية.

 أخذ رسالته التّربويّة على محمل الجدّ ليكون معلِّمًا فعّالًا ومؤثِّرًا على أجيال عدّة ترك فيهم بصمة الشّابّ القويّ المحبّ الغيّور على بلده ومجتمعه، وفيما بعد ترقّى ليكون مرشدًا في منطقة الشّمال.

في هذه الفترة أصرّ على إتمام تعليمه للّقب الأوّل في العلوم السياسيّة والتّربية من جامعة بار ايلان.

بعد أن شعر بأنه قد أدّى رسالته التّربويّة على أكمل وجه وضع نصب أعينه رسالة اجتماعيّة جديدة وهي تطوير القرية وطرح أفكار لمشاريع إصلاحيّة رائدة، وهذا ما كان، فقد انتُخب مرّتيْن في أواخر الثّمانينات، لرئاسة السّلطة المحليّة، وفي هذه الفترة أنجز عددًا كبيرًا من المشاريع التّطويريّة في القرية أهمها:

–          بناء مقرّ للمجلس المحليّ.

–          المصادقة على خريطة حيّ الجنود المسرّحين بما يقارب 400 وحدة سكنيّة.

–          الحصول على هبات للبيوت القديمة لبناء ملاجئ خاصّة وتوزيع القسائم مجّانًا للمستحقّين.

–          توسيع مسطّح البناء في القرية وزيادة ما يقارب 500 دونمًا إضافيًّا على المخطّط التّنظيميّ في كلّ الاتّجاهات هذه المساحة شملت كلّ بيوت القرية ومساحة زائدة خدمت السّكّان وحلّت أزمة السّكن لمدّة طويلة.

  ففي فترة رئاسته هذه أُقيمت المدرسة الثّانويّة في حرفيش، ولاحقًا وبفضل مجهوده الكبير حصل على مصادقة وميزانيّة لبناء المدرسة الابتدائيّة في حيّ الجنود المسرّحين.

ولكي يضمن سقفًا معروفيًّا آمناً لأبنائنا حارب من أجل الحصول على مصادقة لإقامة قرية الأطفال الدّروز وتخصيص 15 دونمًا لهذا المشروع، وبقي داعمًا له طيلة حياته، فحتّى وفاته كان عضوًا فعّالًا في مجلس الإدارة.

في هذه الفترة كان ممثّلًا معينًا في إدارة البنك العربيّ الإسرائيليّ وساهم في توظيف الكثير من شبابنا في البنوك حيث تبوّأ شبابنا فيها مناصب عدّة.

المرحوم مع رئيس الدولة – حاييم هرتسوغ

المرحوم مع رئيس الحكومة – إسحاق رابين

وفي هذه الفترة أيضًا انتُخب عضوًا اللّجنة اللوائيّة للتّخطيط والبناء في لواء الشّمال وساهم في توسيع المخطّطات للقرى المختلفة.

 شهدت حرفيش خلال فترة رئاسته للمجلس المحليّ ازدهارًا عمرانيًّا منقطع النّظير، فكانت رؤيته العمرانيّة والثّقافيّة تتجلّى عبر مشاريع غيّرت وجه البلدة الثقافيّ والاجتماعيّ ممّا زاد من جودة حياة سكاّنها.

 فالمدرسة الثانويّة جعلت الدّراسة حُلمًا قابلًا للتّحقيق وخاصّة لفتيات القرية، وتوسيع مسطّح القرية وقسائم السّكن المجّانيّة جعلت الشّباب والشّابّات يرون في حرفيش مكانًا صالحًا للعيش والحلم.

سنة 1990 عُيّن بالإجماع رئيسًا أوّل لمجلس تيفن الصّناعيّ الّذي كان يشكّل ٨% من الصّادرات الإسرائيليّة، متعاونًا مع رجل العمل والسّلام ستيف فيرتهايمر وابنه أيتن فيرتهايمر ورأى أبو جابر هذا المنصب وسيلة لخدمة أبناء مجتمعه فأدخل المئات من الشّباب والشّابّات للعمل في المنطقة الصّناعيّة وفيما بعد عمل لبناء مدرسة نموذجيّة لتعليم مهارات التّقنيّات العالية لأبناء منطقتنا ليتمّ استيعابهم بعد التّخرّج في المصانع المختلفة.

وبفضل نجاحه الإداريّ عُيّن رئيسًا للجنة التّخطيط والبناء في منطقة الجولان، وهناك كما دائمًا، جعل من منصبه أداة لمساعدة الآخرين، الأمر الّذي شهد ويشهد له به مشايخ الجولان، حيث عمل على مساعدة الأهالي وتسهيل أمورهم وكانت مساهمته مفصليّة في إزالة كلّ العوائق التّخطيطيّة والبيروقراطيّة لبناء مركز الشّام في مجدل شمس بعد أن كان المشروع عالقًا لسنوات طويلة.

نزولًا عند طلب الشّيخ العارف العلّامة المرحوم أبو زين الدّين حسن الحلبي قام بالعمل على توسيع منطقة حرم مقام سيّدنا يودا عليه السّلام بعشرات الدّونمات وحظي بمباركة الأعيان لأعماله في مساعدة الأهالي وتفانيه في خدمة المقامات والمصالح العامّة.

 تميّز المربّي المعلِّم الأستاذ نور الدّين في جعل المناصب العديدة الّتي أشغلها أبواب رزق ومساعدة داعمه لأبناء بلده ومجتمعه، وعليه بقي رجل مجتمع من الصّفّ الأوّل، شارك النّاس كل الناس افراحهم واتراحهم في الدّاخل والخارج. وكان ناشطا اجتماعيا له بصمته المميّزة في بناء مجتمعه الصّغير والكبير.

 وكان أيضًا عضوًا فعّالًا في لجنة الصّلح القطريّة ولم يدّخر أيّ شيء للعمل على نشر المحبّة والسّلام بين أبناء شعبنا.

ولتوثيق التّواصل بين أبناء المجتمع الواحد ونشر المحبّة بين النّاس جعل من بيته محطّة لقاء دائم وتعزيزًا للألفة والمحبّة، حرص على إقامة وليمة كبرى في بيته كلّ سنة ودعا إليها المئات من الضّيوف الّذين يأتون لتهنئة الطّائفة الدّرزيّة بمناسبة زيارة النّبيّ سبلان عليه السّلام.

لقد كنتَ دائمًا صاحب البيت المفتوح للضّيوف يقصده القاصي والدّاني، فتحت قلبك وبيتك لكلّ أصدقائك ومحبيك ومعارفك من النّقب في الجنوب حتّى مجدل شمس في الشّمال، لقد أحببتهم واحترمتهم فأحبّوك واحترموكَ.

تُوفّي أبو جابر يوم 2023/11/8 عن عمر يناهز ال 76 ودُفن في قريته حرفيش، ليتوافد الآلاف إلى وداعه المهيب تقديرًا وحبًّا لهذه القامة الاستثنائيّة على ما قدّمه للّطائفة والمجتمع العربيّ عامّة.

وعرفانًا لمسيرته الحافلة، وتأكيدًا لكون ذكراه الطيّبة بين النّاس لم تمت، خاطبه مئات المعزّين بالكلمات الخالدة وفاءاً لما كان عليه.

رثاه الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة الشّيخ أبو حسن موفّق طريف في كلمة مهيبة أشادت بعمق المعرفة بين العائلتْين، وأواصر الصّداقة مع إخوانه وخاصّة طيّب الذّكر المرحوم المحامي أبو رائد نسيب شنان مع سيّدنا المرحوم الشّيخ أمين طريف فشدّد على استماع مشيخة العقل لرأيهم السّديد في شتّى القضايا المتعلّقة بالطّائفة.

إنّ فقدانك يا أبا جابر يا أيّها الرّاحل الكريم، أيّها الغائب الحاضر يُعتبر خسارة فادحة ليس لأبنائك وعائلتك وبلدك فحسب، بل هي خسارة فادحة لكلّ المجتمع وخسارة فادحة لي شخصيًّا يا رفيقي في السّرّاء والضّرّاء.   

المرحوم مع سماحة الشّيخ أبو حسن موفق طريف

مقالات ذات صلة:

الديانة الهرمسية

تُعدّ الديانة الهرمسيّة أوّل ديانة فلسفيّة في تاريخ الثقافة الإنسانيّة المتعارف عليها، تعود جذورها إلى عهد الطوفان وهناك اعتقاد أنّ