الموقع قيد التحديث!

الصلاة عن بُعد

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

لقد حبانا الله سبحانه وتعالى، نحن الذين نعيش اليوم، وندرك ونعي ما نشاهد، وما نرى، وما نسمع ، أن نعيش حدثا لم يشهد التاريخ مثله حتى الآن، منذ ما سُمي الطوفان الكبير، حيث  طغى مؤخرا حدث هائل  على البشرية جمعاء، وشلّ حركتها وأوقفها في موضع لا تستطيع معه، إلا أن تدعو الله سبحانه وتعالى أن ينشلها منه، وفرض عليها هدوءً وصمتا وسكينة لم تتعوّد عليها، وأوجب على كل إنسان أن يقبع في ركنه، وإن كان متدينا أن يصلي إلى ربّه حسب تعليم دينه، وإن لم يكن متدينا أن يضرب بيديه على الطاولة، يتذمر من مجهول سبّب له هذا الوضع.

حدث كل هذا  في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، حيث وصل الإنسان إلى ذروة اختراعاته وإنجازاته العلمية، وإلى قمة تقدمه، فأصبح العالم بأسره عبارة عن قرية صغيرة واحدة، فيها حضور لكل حدث، ينتقل خلال ثوانٍ إلى جميع أرجاء المعمورة، ويعلم به كل إنسان ويشاهده. وقد كانت تحلّق في الجو، في كل لحظة عادية حوالي عشرة آلاف طائرة، وكانت ملايين السيارات والقطارات والمراكب تنقل البشرية جمعاء من مكان إلى مكان، للعمل، للنزهة ولأمور أخرى. لكنها توقّفت مرّة واحدة بسبب جرثومة صغيرة، يمكن مشاهدتها فقط بالمجهر، وعجز أكبر العلماء والمتخصصين حتى الآن، عن سبر غورها، وعن اكتشاف كنهها، وعن معرفة حقيقتها، وعلى الأقل تفهّم طبيعتها، من أجل الوقاية منها. وهذا العالَم الديناميكي الكبير، عاجز حتى الآن، عن تفسير هذه الظاهرة، لماذا، وكيف، وما يجب عمله لكي يستمر قدما في مسيرة حياته.

ومهما كان الإنسان كافرا، ومهما كان ملحدا، ومهما كان ناكرا لوجود قوة مركزية تدير شؤون العالم، يؤمن بها المتدينون بأنها القدرة الإلهية، ويتقبّلون قراراتها وفروضها بالرضى والتسليم، مهما كان هؤلاء الملحدون في غيّهم، إلا انهم يعترفون الآن، أن هناك من فرض وأوقف أنفاس العالم بهذه الجرثومة الصغيرة. ودول العالم اليوم تتخبّط كيف ستخرج من هذه الأزمة التي لا تُعتبر كارثة كبيرة، فقد وقعت كوارث أشنع وأكبر في التاريخ، لكن لأول مرة، يصيب حدث جميع سكان الكرة الأرضية، ويلزمهم أن يتّخذوا إجراءات وقائية لاستمرار مسيرتهم الحياتية. ونحن لا يهمّنا، ولا يعنينا، الكافرون والملحدون والناكرون لوجود الله سبحانه وتعالى، نحن نؤمن بالله، وبحكمته، وبقدراته، وأنه عادل، ولا يضرّ الإنسان من أجل المضرة، وإنما يفعل ما يفعل ترويضا له وتهذيبا لأخلاقه وتقويما لانحرافاته فما أصعب أن يشعر إنسان بالقوة ويتحكّم بمصائر البشر وفي التاريخ عشرات الذين خرجوا من لا شيء وامتلكوا قوة خارقة وقتلوا وذبحوا وفتكوا بالناس فقط من أجل العظمة. وكان مصيرهم في النهاية مصير أي إنسان: قطعة أرض طولها متران وعرضها متر وواجبنا كمؤمنين أن نتعلم ونتّعظ ونستخلص العبر مما يحدث. وهنا نقول إننا اصطدمنا في الشهر الأخيرة بأناس يبدو عليهم لأول وهلة أنهم مؤمنون ولكنهم بعيدون كل البعد عن الإيمان. فقد انشغل بالكورونا كافة زعماء العالم وتعاونوا مع المتخصصين ومع الخبراء وفرضوا قيودا والتزامات وناشدوا الناس الامتناع عن الاختلاط والحركة الزائدة والاتصال إذا كان بالإمكان الاستغناء عن ذلك. وقد شاهدنا أناسا يتبجّحون بالإيمان الزائد والعقيدة الفائضة والتدين المبالغ به ولا ينصاعون لتعليمات حكوماتهم ويعتبرون أنفسهم فوق كل النظم والقوانين البشرية وهذا خطأ جسيم جسيم جسيم. الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبقدراته هو أن تتكيّف مع التغييرات الموجودة في الكون وأن تلاءم نفسك لها وأن تظل في نفس الوقت مؤمنا. نحن نشعر مع كل إنسان تعوّد خلال عشرات السنين أن يصلي وأن يعبد الله وأن يقوم بالتزاماته الدينية بشكل معيّن وبنمط واضح وهو راضٍ من نفسه ومؤمن أنه يقوم بواجبه، لكن إذا صدف وكانت هناك قوة عليا تفرض وضعا آخر يمنعه من زيارة مكان العبادة والصلاة أمام قدس الأقداس فعليه أن يعلم ان الله سبحانه وتعالى موجود في كل مكان وحاضر أمام كل إنسان وكل مؤمن يستطيع ان يخاطبه ويتوجّه إليه ويصلي له ويطلب منه ما يشاء. والله سبحانه وتعالى ليس بحاجة لأحد  وكل هدفه من التعاليم خلق مجموعة بشرية نقيّة مهذّبه تعمل الخير. وهذا يمكن فعله في كل مكان وليس بحاجة أن يذهب الإنسان إلى الجامع أو إلى أي مكان عبادة كي يقوم بواجبه أمام الإنسان الآخر. ومهما رأى المؤمن صعوبة في تقبّل وضع لا يمكنه فيه أن يذهب للخلوة في ليالي العُشر او ألا يزور الجامع يوم العيد أو ألاّ يحضر الصلاة في الكنيسة أو الكنيس في موعدها فلا يحدث شيء المهم أن يبقى الإنسان نقيا مع نفسه، مخلصا لضميره متقيّدا بتعاليم مذهبه ودينه، ومطبّقا للفرائض الأساسية التي تعوّد عليها بينه وبين نفسه وبينه وبين الله سبحانه، وتعالى ولا يضير أي إنسان عدم القيام بواجب ديني إن تعسّر ذلك عليه. فالمؤمن الحقيقي هو مؤمن مطلق وعلاقته مباشرة مع الله سبحانه وتعالى ولا يهمّه إن تغيّرت بعض القشور. فنداؤنا للجميع: نفّذوا التعليمات، أضبطوا النفوس تصلون على السعادة الكبرى. وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة: