الموقع قيد التحديث!

المواطنة الصالحة البنّاءة – شعار الدروز في كل مكان

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئيس الروحي للطائفة الدرزية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

يعيش الدروز اليوم، بالرغم من قلة عددهم ، في غالبية دول العالم، وفي مختلف القارات، من أستراليا إلى أفريقيا، إلى أمريكا الجنوبية والشمالية، وعودة إلى أوروبا ودول آسيا، وخاصة منطقة الشرق الأوسط والدول العربية. وقد وصل المواطنون الدروز إلى كل هذه الدول، مثلهم مثل كافة المغتربين العرب من سوريا ولبنان والعالم العربي، حيث بدأت هجرة المواطنين، بما في ذلك الدروز، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خاصة إلى الولايات المتحدة، ودول أمريكا الجنوبية وأستراليا، وذلك بعد أن أثقل الحكم العثماني قبضته ووطأته على كافة المواطنين، مستخدما كافة وسائل العنف والتنكيل والتشريد والتجهيل والملاحقة والمطاردة. واستقر عدد كبير من المهاجرين في الدول التي قصدوها، ونجح عدد كبير منهم في المواطن الجديدة، وفتح عهودا في حياتهم، تمزج بين القديم والحديث،  لكن لا ننسى، أن عددا كبيرا من المغتربين، إما قضى نحبه في الغربة وهو يبحث عن مصدر رزق مناسب، وإما عاد خائبا إلى قريته وأهله، ليعيش معهم كيفما كان.

وفي جولاتنا في دول العالم، التقينا بعدد كبير من أبناء الجاليات الدرزية في هذه الدول. وقد أثلج صدورنا، أن معظم الذين يعيشون اليوم في بلاد الاغتراب، ينعمون بحياة راغدة هنيئة، وهم يحاولون أن يتمسكوا بالرداء الدرزي، وبالعقيدة التوحيدية، وبالجذور المعروفية، مع أنه، وللأسف الشديد، توجد حالات متعددة من الخروج من الطائفة، ومن اضمحلال الشخصية التوحيدية عند البعض، إلا أن الغالبية الغالبة من المغتربين، ما زالت ثابتة على كل ما نشأت عليه، وما اكتسبت من أهلها، ومن قريتها، ومن بيئتها السابقة، وهم يعملون هناك على رفع راية التوحيد في كل مكان، وعلى التغني والمباهاة والافتخار بانتمائهم التوحيدي الأصيل، الذي لا يمنعهم ابدا من أن يفتخروا بهويتهم السكنية الجديدة، وبمواطنهم البديلة، وهم في نفس الوقت، يحملون ذكريات طيبة من الوطن الأول، وهم في حنين واشتياق دائم لزيارة الأهل والأقارب في “الضيعة والجبل”، حيث ما زالت ذكريات طفولتهم، تحيي فيهم نزعة البقاء والاستمرارية، في حمل راية التوحيد في كل مكان.

وبالرغم من المعاناة التي مرّ بها أبناء الطائفة التوحيدية الدرزية في سوريا، اثناء الحرب الأهلية الأخيرة، وبالرغم من المشقات التي واجهها إخواننا دروز لبنان في تاريخهم، من صراعات طائفية، ومن مشاغبات دينية، حيث أنهم كانوا حكّام لبنان بلا منازع، منذ الدعوة في القرن الحادي عشر، حتى نهاية القرن الثامن عشر، عندما انتخب الدروز بشير الشهابي، حاكما على لبنان، وانقلب هذا عليهم، وعمل كل جهد من أجل القضاء على النفوذ الدرزي، فنجح جزئيا، ولم يتمكن هو أو غيره أثناء حوادث الستين، أو الكتائب في الثمانينات من القرن العشرين، من القضاء كليا على التواجد الدرزي في لبنان.  وتشير كل الدلائل والرموز، أن الثقافة اللبنانية، والفلكلور اللبناني، والعادات اللبنانية الأصيلة، هي كلها تراث درزي عريق، سيظل ولا يمكن أن تمحوه الأيام.

وقد نادى الدروز في سوريا ولبنان بالشرعية ودعم المؤسسات الدستورية القائمة، عندما وقعت في هاتين الدولتين الحروب الأهلية، وتمسك الدروز في بلادنا، وفي المملكة الأردنية الهاشمية، وفي الدول العربية الأخرى التي يعيشون فيها، بمبدأ المواطنة الصالحة، والتي تعتمد على أسس وركائز دينية توحيدية، توصي الموحد الدرزي، بالإخلاص للكيان السياسي الذي ينتمي إليه، وبدعمه وتأييده والذود عنه، وحتى الموت من أجله، طالما هو يحترم المواطن ولا يطارده، ولا يمس به، بسبب دين أو عقيدة أو مبدأ. ونحن نعلم، أنه يعيش آلاف المواطنين الدروز في الدول العربية، من المغرب العربي إلى دول الخليج، وهم يقدّمون هناك كل الواجبات المفروضة على المواطنين، ويقومون بشكل نافذ فعّال، بتقوية ورصانة الدول التي يعيشون فيها، معتبرين أن كرامتهم وشرفهم، هو في إخلاصهم، وفي تقديرهم، وفي حمايتهم للإطار السياسي الذي يعيشون فيه، والذي يُعتبر حاميا لهم ومدافعا عن عقائدهم ومراكزهم.

وإذا نظرنا إلى أوضاعنا في البلاد، نجد أن الطائفة الدرزية تؤدي كل واجباتها، وتتعهد بكل التزاماتها، وتحاول أن تحصل على كافة حقوقها، لكن الأمور لا تتيسر للمرء دائما، فلا بد أن يكون أحيانا شعور بالغبن والإجحاف والمرارة لدى بعض المواطنين، لكن موضوع العلاقة بين المواطن والسلطة هو موضوع ما زال يشغل الفلاسفة والمفكرين، منذ وضع سيدنا أفلاطون كتاب ” الجمهورية” حتى اليوم، مارا بابن خلدون، وجان جاك روسو، ومونتسكيه  وكارل ماركس وغيرهم، حيث يتقيد المواطنون الدروز باحترام التزاماتهم وتعهداتهم التي تم التعبير عنها أحيانا بكلمة شرف دون التوقيع على اتفاقيات ومعاهدات، لكن كلمة الشرف هذه، ظل يحترمها وينفذها كل من أتى من الأجيال الجديدة. وعندما نجتمع في كل زيارة بالقاعة الفسيحة في أي مقام من مقاماتنا، نجدد العهد بيننا وبين الله، سبحانه وتعالى          ونحافظ على رسالة التوحيد ونلتزم بإعلان إخلاصنا وتقديرنا لكل من يحترمنا ويدعمنا ويثمن مواقفنا. ويسعدني بمناسبة حلول زيارتي سيدنا أبي إبراهيم (ع) وسيدنا بهاء الدين (ع) أن أتوجه إلى الشبيبة الدرزية في البلاد وفي كل مكان، طالبا أن يحافظوا على كرامتهم كموحدين دروز، وعلى شخصيتهم وتعهداتهم،  وأن يشاركوا في الزيارات الرسمية والخاصة، للتبارك والقداسة، راجيا لهم أوقات سعيدة وكل عام وأنتم بخير.  

مقالات ذات صلة:

تجربة الدنو من الموت

تجربة الدنو من الموت، هي تعبير عن مواقف صادفت الكثيرين ممن كانوا على وشك فراق الحياة، وكانوا قريبين من الموت،