الموقع قيد التحديث!

المرحوم المؤرخ الكاتب نجيب البعيني

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

تودع الطائفة الدرزية في هذه الأيام، ويودع جمهور المثقفين فيها، المرحوم المؤرخ الكاتب الأستاذ نجيب البعيني (1936-2018) الذي انتقل إلى رحمته تعالى، ووري جثمانه التراب، في محفل كبير في مسقط رأسه  في قرية مزرعة الشوف في لبنان، باشتراك كافة المسئولين والمشايخ والوجها،ء وذلك بعد حياة حافلة في العمل والإنجاز والبحث والتنقيب والنشر والتوضيح، قام بها المرحوم، في مرحلة حاسمة من تاريخ الطائفة الدرزية، وأدّى دورا كبيرا في خدمة طائفته ومجتمعه.

وقد كان المرحوم في مقدمة المؤرخين الدروز الأفذاذ، إلى جانب المرحوم الدكتور سامي مكارم، والمرحوم الدكتور محمد خليل الباشا، الذين قاموا بنهضة مباركة في الأربعين سنة الأخيرة، في البحث والتنقيب في تاريخ الطائفة الدرزية، وأصدروا الكتب والبحوث والموسوعات، وذلك بعد فترة طويلة من إهمال هذا الموضوع، من قِبل قادة وزعماء الطائفة الدرزية، لأسباب تاريخية متنوعة، وفي مقدمتها سرية الدين، التي كانت رادعا لعدد كبير من شيوخ ومثقفي الطائفة، أن يتحدثوا عن تاريخ الطائفة الدرزية، خوفا أن يتعرّضوا بشكل ما للدين، حيث لم يكن ذلك مقبولا، ففضّلوا عدم الاقتراب من الموضوع. وكان السبب الثاني هو مطاردة الدروز من قِبل عناصر مختلفة ومتنوعة، خلال ألف سنة، فكان المجتمع الدرزي مشغولا بالدفاع عن نفسه عسكريا وأمنيا، ولم ينتبه أو لم يكن لديه الفراغ الكافي، للقيام بنشر التاريخ. وثالثا كانت العائلات الدرزية الإقطاعية تحكم لبنان، وبعد ذلك جبل الدروز في كل تلك الفترة، وكانت تنادي بمقولة غير حكيمة مفادها : “نحن نصنع التاريخ وغيرنا يكتب” ففي تلك الفترة كان الدروز تابعين لعائلات إقطاعية تحكم المناطق التي يعيشون فيها، وكانوا مشغولين بالقتال والدفاع عن الأهل وعن البيت، أو بالعمل في الزراعة وفي واستصلاح الأراضي، وقد ترفّعوا عن أشغال النجارة والحدادة والبناء وغيرها، فشغّلوا أبناء الطوائف الأخرى في هذه المهن، واعتبروا الكتابة جزءا من هذه المواضيع التي ترفّعوا عنها، وكانت النتيجة أن تحوّل هؤلاء من الطوائف الأخرى مع الوقت إلى أعداء للدروز، فشوّهوا التاريخ الدرزي، ونشروا كتبا ونشرات فيها مسّ وتحريض وتزييف الحقائق القائمة في المجتمع الدرزي. وظل هذا الوضع سائدا تقريبا حتى حرب الشوف عام 1982، وعندها انتبه الدروز إلى التقصير الإعلامي، فبدأت حركة نشر وتأليف من قِبل مثقفين دروز، وبدأ المجتمع الدرزي يتقبل هذه المنشورات ويروّجها، وكان المرحوم الأستاذ نجيب البعيني من بين النشطاء في هذا المضمار، وزيادة إلى الذين ذكرناهم، كان إلى جانبه المؤرخ صالح زهر الدين، والدكتور نايف حمزة، والأستاذ سعيد ملاعب، والصحفي علي نصر الدين، والكاتب أمين نصر الدين، والأستاذ رفيق وهبة،  والأستاذ سليمان بدور، وعدد لا بأس به من المثقفين الدروز في لبنان وسوريا وبلادنا، حيث صدر عدد من الكتب في هذه السنوات، يزيد عن عدد الكتب التي صدرت خلال ألف سنة في السابق.

وقد أصدر المرحوم الكتب التالية في التاريخ: رجال من بلادي ج 1 1984  ج 2 1986، شعراء من جبل لبنان 1987، أمين تقي الدين 1987، شعراء عرب معاصرون 1991، أمير البيان شكيب أرسلان ومعاصروه 1994، طرائف الشعراء في مجالس الأدباء 1996، من آثار امير البيان شكيب أرسلان1996، من شكيب أرسلان إلى كبار رجال العصر 1998، معجم المؤلفين من الشوف والمتنين من قضاء عاليه، بالاشتراك مع د. محمد خليل الباشا 1998، صحافيات لبنانيات رائدات وأديبات مبدعات 2008، موسوعة الشعراء العرب المعاصرين 2008، أسرار ثورة بشامون في مذكرة سفير 2011، هذا بالضافة إلى القصص والكتب الأخرى التي ألفها.  مما أكسب التاريخ الدرزي ثروة ضخمة ونوّر وغذّى الأجيال الدرزية الصاعدة بمواد دسمة من تاريخ الطائفة ومفاخرها حيث وبالرغم من كل ما كُتب، ما زالت هناك زوايا ومناطق ومواضيع في تاريخ الطائفة الدرزية، تتطلب البحث والتنقيب والتحقيق. ونحن نهيب بالمؤسسات الدرزية في كل مكان، أن تولي هذه الناحية أهمية كبيرة، ونشدّ على أيدي المؤرخين والمثقفين، الذين ما زالوا ينتجون حنى اليوم، ونأسف لرحيل المثقف الكبير الأستاذ نجيب البعيني، الذي ستظل أعماله ثروة ومنارة وقدوة، رحمه الله.

مقالات ذات صلة: