الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 155 – الذين اغتنموا زمان الإمهال

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

يروي الكاتب اللبناني سلامة الراسي في أحد كتبه، أن الأمير سليمان علم الدين من سلالة آل معن العريقة في لبنان، قد زهد بأمجاد الدنيا وانصرف الى عبادة مولاه فاعتكف في خلوة قرب بيته دُعيت خلوة بيت معن، وكان يعلق في صدر مجلسه عبارة جميلة مكتوبه بخط أنيق هي “اغتنموا زمان الإمهال، وتقربوا الى الله بصالح الأعمال”.
والطائفة الدرزية بمشايخها الكبار الأجلاء وبأبنائها وبناتها البررة تنظر الى الدنيا الفانية بأنها دار شقاء ولا بدّ بالتالي من دار بقاء ولذلك يعتبر الزهد والتقشف والتواضع بالدنيا من أبواب وسمات التقوى، وعندما يقال “الدنيا فيها وما فيها” يُقصد بذلك أن الدنيا فيها شقاء وما فيها بقاء. وفي هذه الفترة التي تكثر فيها المغريات نرى والحمد لله أن السواد الأعظم من مشايخنا ومن أبناء الطائفة المعروفية ينتهجون هذا المبدأ ويسلكون درب الصلاح في دار الفناء علّهم يحققون الفلاح ويصلون دنيا البقاء.
ومع هذا نرى البعض يختار حياة الدنيا وينشغل بها، ويصبح جل جهده وعمله وسعيه في تحصيل نعيمها ومتعها، وفي الغالب فإن كل من تغلب عليه النزعة الدنيوية، يقتصر اهتمامه على أمور فانية كاللباس والمال والجاه والطعام والشراب وحب الذات واقتناء المركبات الفخمة وبناء منازل الأثرياء ولا يتردد حتى في الرياء، ويقلق نفسه وفكره بما لا يدوم وبكل زائل لا يعوّل عليه ولا ينفع آخرته، وينسى أن كل ما على الأرض فانٍ ولا يبقى سوى وجه الرحمن، بينما المؤمن الورع الحقيقي لا يعمل الا بوحي إيمانه لأنه لا قيمة لأي عمل أو شيء إن لم ينتظم مع هدى الله ومع تنزيهه، ولا يتسلم مالاً من رجل لا يثق بشرف عمله أو طهر نفسه أو صفاء غاياته، وبيته تغمره المحبة وتزيّنه الفضيلة وتجملّه القناعة وروح العطاء والتفاني وحب الغير وإغاثة المحتاج ودماثة الأخلاق وحسن السيرة والذكر  والمعشر. وتاريخ عشيرتنا المعروفية حافل بمشايخ أفاضل وأسماء معروفة سلكت مثل هذا النهج وسارت على درب التقوى والايمان والزهد بعيدا عن مغريات الحياة الدنيا.  
ويترافق الزهد لدى أجاويد وشيوخ وأبناء عشيرتنا المعروفية والحمد لله بالتواضع، إذ يعتبر خلق التواضع من أبرز الأخلاق التي اشاعها دين التوحيد، والتواضع لا يعني عدم التعجرف والغرور والتكبر والتعالي على أحد من الناس فقط، وإنما أن لا يكون المرء ذليلاً قاصراً ضعيفاً يقبل القهر والذل والهوان وبأن تداس حرماته وتهدر حقوقه بدون أن ينشط ليسترد هذه الحقوق وينال كرامته، ومن يتابع الاحداث والاعتداءات التي استهدفت في السابق  وتستهدف في الحاضر أمة التوحيد في أكثر من مكان، يرى أن شيوخنا الأفاضل يتقدمون ابناءنا ونساءنا وبناتنا ويدافعون ويقاتلون ببسالة الى أن تتحقق الغايات والأهداف، وهم يحملون السلاح في عزة وفخر ما دام هذا السلاح للدفاع عن الأرض والعرض. وهنا لا بد لنا من الثناء والاعتزاز بوحدة الصف وباللحمة وبالدعم الكبير المتبادل الذي يميز كافة مركبات الطائفة أينما وجدت، على الصعيدين المؤسساتي والفردي في سبيل صون الأرض والعرض والحفاظ على شأن وسمو ورفعة أمة التوحيد في كل مكان وزمان.     
إن صفة التواضع التي يتحلى بها أجاويدنا ومشايخنا والكثيرون من أبناء وبنات العشيرة المعروفية والتي هي في صلب تعاليمنا الدينية وتربيتنا الدنيوية، أساس كل الفضائل والقيم النبيلة والسلوكيات الحميدة، ويتجلى تواضع أجاويدنا وشيوخنا الأجلاء في حديثهم واختيارهم للكلمات المحتشمة والقويمة والعاقلة والرزينة باعتبار أن الحديث هو التعبير الجلي للنفس الداخلية وللفكر وللسدق وللمشاعر والاحاسيس الصادقة والنوايا الحسنة، فالشيخ التقي ليس بحاجة للبحث عن الكلمات والتعابير لأنها جزء من كلٍ مؤمنٍ متكاملٍ مفعمٍ بالخير والمحبة والصلاح في دنياه، أملاً في بلوغ دار البقاء والتقرب الي الخالق العلي القدير بصالح الاعمال وبزاد غني ووفير. ويبرز تواضع شيوخنا في سلوكهم أيضا فإن وعدوا وفوا وإذا عقدوا العزم والنية على شيء سعوا دون الخروج عنه، وكذلك في لباسهم الذي يقال فيه بأنه يعكس ويمثل شخصية الإنسان ومفهومه للحياة، فسبق وقيل إن اللباس الديني الفضفاض هو تعبير عن الرصانة والاتزان وبعد الرؤيا وأن الألوان التي تميل الى القتامة تمثل بوضوح عمق التفكير والواقعية والرزانة وأن أفضل الألوان الزاهية هو الأبيض لون العمائم، الذي يشير الى صفاء وطهارة وطيبة النفس والقلب والايادي. وبناءً على ما تقدم، ليس من قبيل الصدفة أن يلبس رجال الدين عندنا القمباز الكحلي والعمامة البيضاء بدون أي زركشات وبدون حمل عصا وبدون ذهب أو ماس أو ما شابه وبدون صولجانات لأن حضور أجاويدنا ومشايخنا يتميز ببساطته وبتواضعه وبهيبته ووقاره، وكما نرى ويعلم الجميع فإن هذا اللباس الديني المتواضع يحظى باحترام كبير لدى كل الطوائف، وفي كل مكان ومقام وزمان لأنه أضحى رمزاً لا يدل على وجه وشخصية مَن يرتديه فقط بل على وجه الطائفة الحسن.
ولا يخفى على أحد أن كلاً منا يحب في العادة دنياه، التي يعيشها بكل جوارحه وبكل احاسيسه وبكل قواه، وذلك رغم إدراكنا التام بأننا نحيا في دار فناء وأن علينا أن لا نتعلق بها كثيراً، لأنه لا يبقى للمرء شيء فيها بعد رحيله سوى الذكر الطيب والعمل الصالح الحسن الذي يقربه من الخالق عز وجل وهذا ما نأخذه معنا من زاد يشفع لنا، فالله جلّ جلاله عليم سميع رحيم بصير. والمقصود بالعمل الصالح هو كل ما يقوم به الإنسان من أعمال يكون قاصدًا بها وجه الله تعالى بنية صافية وبقلب مؤمن، حيث لم يكن من باب الصدفة ان يقرن الإيمان بالعمل الصالح.
 ونحن في هذه الأيام المباركة التي نحتفل فيها بزيارة سيدنا الخضر وهو نبي من أنبياء الله المرسلين عليهم السلام نقول إن الذين يغتمون زمن الامهال يبتعدون عن ثلاث كلمات مهلكات، أنا، ولي، وعندي، إيمانا بان الملك لله سبحانه وتعالى وإدراكاً بأن التواضع صفة الإنسان الذي يعرف قدر نفسه، صفة الحكيم العاقل الذي عمل لآخرته في دنياه. وهنا أيضاً لا بدّ أن نعترف بأن البعض من أبنائنا بغض النظر فيما إذا كانوا جهالا او متدينين، يبتعدون في الفترة الأخيرة عما يمليه علينا ديننا وما أقره من قيم وسلوكيات فاضلة، وما تأمر به عقيدتنا وايماننا وسلوكنا القويم، والاسرة هي أول المسؤولين عن ذلك وليست الأخيرة، وعلى الجميع أن يدرك بأن مكافحة رذيلة الاستعلاء والتعجرف والابتعاد عن حياة الزهد والخير والعون والعطاء والتواضع تبدأ من داخل البيت والأسرة، من خلال القدوة الطيبة التي يراها الصغار في سلوكيات الكبار. والشخص العاقل يُتّكل عليه بعد العلي القدير سبحانه وتعالى في تهذيب الأخلاق واسداء النصح والإرشاد بصدق وإخلاص وأمانة، وذلك لأنه يدرك معنى وقصد ومفهوم قول “اغتنموا زمان الإمهال، وتقربوا الى الله بصالح الأعمال”

والله ولي التوفيق..

أسرة “العمامة”

دالية الكرمل
كانون ثانٍ 2021

مقالات ذات صلة:

أصول عائلة فرج

عائلة فرج، هي عائلة تنوخية عريقة لها حضور وكيان في التجمعات الدرزية منذ عدة قرون وأنجبت شخصيات دينية لامعة كان