الموقع قيد التحديث!

المرحوم الشّيخ أبو زكي كمال منصور

بقلم العمامة
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

مستشار سبعة من رؤساء دولة إسرائيل في ذمّة الله

بمزيد من الحزن والأسى والأسف، ودّعت الطّائفة الدّرزية وقرية عسفيا الكرمليّة في 22.03.2024 إحدى الشّخصيّات المحوريّة الهامّة والبارزة في الطّائفة المعروفيّة والمجتمع الإسرائيليّ عامّة المرحوم الشّيخ أبو زكي كمال نجيب منصور، الّذي تبوّأ في مشوار حياته الغنيّ سلسلة من المناصب الجوهريّة في الدّولة والّتي كان أبرزها العمل كمستشار للشّؤون العربيّة لسبعة رؤساء في إسرائيل، منذ ولاية الرّئيس الثّالث للدّولة الرّاحل زلمان شازار حتّى نهاية ولاية الرّئيس التّاسع الرّاحل شمعون بيرس، وقد كنّ له جميع الرّؤساء احترامًا كبيرًا وعملوا بمشورته نظرًا لما تمتّع به من معرفة وحنكة وقدرات ورأي سديد ومزايا حميدة.

صورة من العام 1958، المرحومان نجيب وكمال منصور مع رئيس الحكومة دافيد بن غوريون

وفور الإعلان عن رحيله إلى جوار ربّه عمّم فضيلة الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة الشّيخ موفق طريف نعوة بوفاته جاء فيها: “بمزيد من الرّضى والتّسليم لحُكم الله وقضاه، ننعى إليكم وفاة رجل المجتمع القياديّ، صاحب البصمات النيّرة والأعمال الخيّرة المرحوم الشّيخ أبو زكي كمال نجيب منصور، وذلك بعد مسيرةِ عمرٍ امتدّت أكثر من تسعة عقود، قضاها المرحوم في خدمة الطّائفة والمجتمع العامّ، من خلال عمله مستشارًا لرؤساء دولة إسرائيل خلال عشرات السّنوات، وتبوّئه مناصب رفيعة عديدة ساهم من خلالها في رفع شأن قرى الطّائفة، مُضافةً الى نشاطاته حول العالم في دعم التّعايش المشترك وبناء الجسور بين المجتمعات داخل وخارج البلاد”.

وفي كلمة الرّثاء التي ألقاها صهر المرحوم المستشار العسكريّ السّابق في مقرّ رؤساء إسرائيل الجنرال احتياط حسون حسون خلال مراسم تشييع الجنازة قال: “في مثل هذا الموقف الحقّ، أٌقول وبكلّ تواضعٍ، إنّني أبكي واتحسّر ليس فقط على خسارتي على الصّعيد الشّخصيّ وعلى خسارة أسرتِنا بفقدانه، وإنمّا على خسارة الطّائفة والدّولة لشخصٍ كرّس كلَّ حياته لخدمةِ مجتمعِه ودولتهِ على أفضل وجهٍ ممكن، بشهادةِ وعرفان الكثيرين من رؤساء وقادة الدّولة والطّائفة ومشايخها الأفاضل الّذين انضمّ إليهم في الفترة الأخيرة بعد أن قرّر التّديّن واستلام الدّين. إن سيرة الشّيخ كمال منصور لم تكن كسيرةِ غيرِه من المستشارين الكبار الّذين عملوا في مقرّ رؤساء إسرائيل على مدار سنوات طويلة، بل هي سيرةُ شخصيّة كبيرة نجحت بحكمتها في دفع عجلة السّلام بين الشّعوب، من خلال تقديم النّصائح والاستشارة والمعرفة لسبعةٍ من رؤساء الدّولة. كيف لا والعمّ كمال قد نجح في المزج بين الشّرق والغرب وبين جميع الثّقافات وأجادَ الخِطابَة والتّحدث بثلاثِ لغات وعلى أعلى المستويات وعرفَ بأسلوبه الخاصّ كيفيّةَ التّكيّف مع الجميع”.

وُلد المرحوم الشّيخ كمال منصور في قرية عسفيا في العام 1931، ودرس في مدرسة القرية الابتدائيّة ثمّ أكمل دراسته الثانويّة في حيفا والأكاديميّة في الجامعة الأمريكيّة في بيروت والجامعة العبريّة في أورشليم القدس.

لقد وضع الرّاحل الشّيخ كمال منصور مصالح دولة إسرائيل والطّائفة الدّرزية نصب عينيه وفي رأس سلّم أولويّاته، وكان من المقرّبين لدافيد بن غوريون رئيس الوزراء الأوّل لدولة إسرائيل ولسيّد الجزيرة وشيخ العشيرة فضيلة الشّيخ المرحوم أمين طريف (ر) الرّئيس الرّوحيّ السّابق للطّائفة الدّرزيّة، وقد أرسله السّيّد بن غوريون إلى الولايات المتّحدة ممثّلًا عن إسرائيل للقاء المسؤولين وأبناء الجاليات المختلفة، وخصوصًا الجالية اليهوديّة، وكان السّيّد بن غوريون قد بعث في العام 1954 برسالة الى الشّيخ كمال منصور قال فيها: “إنّني أريد أن أُعرب لك وللطّائفة الدّرزيّة عن تقديري العميق للأعمال البطوليّة والتّفاني الّذي أظهره ويظهره الدّروز في الدّفاع عن وطننا المشترك”. وعلى مثل هذه الخلفيّة وما قدّمته وتقدّمه الطّائفة المعروفيّة للدّولة لم يخفِ الشّيخ كمال منصور معارضته واستيائه الشّديديْن من تشريع قانونيّ كامينتس والقوميّة المخالفان لما ورد في رسالة السّيّد بن غوريون له. بالإضافة الى ذلك فقد كان الشّيخ كمال من الرّوّاد الّذين قاموا على مدار عقود بوضع الأسس المتينة لفسيفساء العلاقات الوطيدة بين الطّوائف المختلفة في البلاد، والّذين سعوا لتحقيق التّعايش المشترك والّسلام في المنطقة إذ رافق رؤساء الدّولة خلال زياراتهم للدّول العربيّة ولقاءاتهم بالزّعماء والرّؤساء هناك وكذلك لدى زياراتهم لإسرائيل، وسعى الى توثيق العلاقات بينهم، كما وكان مكتبه ومنزله مفتوحَيْن على الدّوام بوجه الزّعماء والقادة والسّياسيين وكبار الضّباط ورؤساء الطّوائف والمؤسسات المختلفة وغيرهم، الذين أتوا للتشاور معه والاستعانة به ولسماع رأيه ووجهة نظره في العديد من المسائل والقضايا الهامّة. في العام 2010، نال المرحوم كمال منصور جائزة إسرائيل الكبرى تقديرًا لعطائه الكبير والمميزّ والخاصّ للدّولة والمجتمع، وفي العام 2014 قلّده رئيس الدّولة آنذاك شمعون بيرس بوسام رئيس الدّولة، كما وتمّ تكريمه في العام 2018 بمعرض “تأملات وخواطر” من أعمال فنّان الحروفيّة كميل ضو بلوحات من أقواله.

تميّز الرّاحل أبو زكي كمال منصور، إلى جانب انشغاله في أداء وظائفه الهامّة، بقدرات كتابيّة هائلة وذات قيمة حيث كتب في الصّحافة العربيّة والعبريّة وقام من خلال نشاطاته الواسعة بإلقاء محاضرات في شتّى أنحاء البلاد، وبالمشاركة في المؤتمرات والنّدوات العديدة في إسرائيل والولايات المتّحدة وكندا وأماكن أخرى، كما وأصدر كتابَين قيّمين الأوّل تحت عنوان “من جعبتي – خواطر ومشاعر” أمّا الثّاني والّذي صدر في العام 2020 فحمل اسم “قل كلمتك وامشِ – تأملات وخواطر”. إنّ نهج وإنجازات وأعمال المرحوم الشّيخ كمال منصور الجمّة ستبقى نبراسًا لكلّ من دار في فلكه، ومنارة وبوصلة لأسرته ولطائفته وللكثيرين من القادة والشّخصيّات المرموقة في البلاد والخارج. نسأل الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. إنّا لله وإنّا اليه راجعون.

مقالات ذات صلة: