الموقع قيد التحديث!

المنهج الأخلاقيّ في دعوة التوحيد

بقلم من كتاب: “صفحات لم تُقرأ من تاريخ مذهب التّوحيد”
للمؤلف محمود هايل الجباعي
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بالإضافة للمنهج العقائديّ الّذي هو: التّيقّظ من الغفلة، الابتعاد عن الجهل بكلّ أبعاده وأشكاله، الإخلاص واليقين، التّوبة إلى الله، عدم الكذب وخاصّة بيوم الدّين، الاعتقاد بالله واليوم الآخر، وإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين، الابتعاد عن الظالمين والفسقة وكل حلّاف مهين والمنافقين في الدّين والدّنيا، والإفادة من دور العلم بما تحتويه من علوم الدّين وآدابه، والحياة بكافّة أبوابها من صحف الأوّلين والتّالين، وصولًا لمجتمع العدل والكفاية والإيمان.

فقد اعتمدت دعوة التّوحيد منهجًا أخلاقيًّا تمثّل في:

1-       في الزُّهد المتمثِّل في قول الشّاعر:

إنّ لله عِبادًا فُطَنا                 طلّقوا الدّنيا وخافوا الفِتَنا

نظروا فيها فلمّا عاينوا         إنّها ليست لحيٍّ مَسكنا

جعلوها لُجّةً واتّخذوا           صالحَ الأعمالِ فيها سُفُنا

2-       في المحذورات وهي: شدّة الغضب، عصبيّة الجهل، إنكار الحقّ، النّجوى، الكسل، إقصاء ذوي المسبغة (الجياع)، النّوم عند الذِّكر.

3-       في المحرّمات، يحرَّم عليكم سبعًا: أ- الفواحش ما ظهر منها وما بطن ب- شهادة الزّور، الزِّنا، ت- شرب الخمر على اختلاف أسمائه وأصنافه وألوانه وطعومه ويحذَّر من اقتنائه، واذّخاره، والتعرُّض لعمله، واعتصاره. ث- أكل أموال الأيتام، ج- الرِّبا فهو سحت عليكم، ح- النفاق لأنّه باب التشتُّت والافتراق.

4-       في العفَّة: أ- يجب على المؤمنين والمؤمنات التبرّي من كلّ دنس ونجس ورجس واجتناب الشّهوات، والشّبهات، وارتكاب الفواحش، والمنكرات. ب- يجب على النّساء المؤمنات تحصين فروجهنّ إلّا لبعولهن والامتناع عن الشّهوات البهيميّة والطّاعة لبعولهنّ ومولاهنّ. ت- يجب على الدّاعي والمأذون عند القراءة على امرأة الّا يقعا بالشّك والتّهمة لذلك يجب ألّا ينظر ا إليها أو يتسمّعا عليها، وأن يحضر مع المرأة ولِيّا عليها وأن تكون منقّبة غير مسفرة وألّا تتكلم أو تضحك أو تبكي. ث- حاشا الموحدّين من الفاحشات والمنكرات والشهوات البهيميّة وأقاويل الشرك، ويجب على المرأة ألّا تنظر لأيّ رَجل كان إلّا بالعين الّتي تنظر بها إلى ابنها أو أبيها.

5-       في النّجاة: إن كنتم تطلبون النّجاة لأنفسكم في الله تعالى فانصفوا أنفسكم بالتّفكر بالحقّ ومعرفة أهله وما يليق بالنّزاهة والنّظافة والّلياقة والبصر ومن الأخلاق، وجميل الأفعال

6-       في الصِّدق: اِعملوا بما افترضه عليكم مولاكم من صدق اللّسان فمَن لم يكن صادقًا بلسانه فهو بالقلب أكذب يقينًا وأكثر نفاقاً، فمن كذب على أخيه المؤمن فهو يكذب على الجميع ويستوجب السخط عليه.

7-       في التّسامي: النّفوس النّفيسة للطافتها تتعالى عن الرّذائل بمعالم الحكمة، والنُّفوس الكدرة العاصية تتعلّق بالأبالسة وتسير بطريق الكفر والمعصية، وعليكم بعالَم البقاء واحذروا من عالَم الفناء.

8-       في العدل والتّوصيات للدّعاة: لقد أوصى الدعاة بأن يعتقدوا بأن الله حقّ ووليّه حقّ وأن يكونوا عادلين، منصفين، منزّهين عن الجور والظّلم، وأن يكون التّوحيد هاديًا ودليلًا ويعلم كلّ واحد بأنّ ليس لأحد عليهم آمرا ولا لأحد ميزة على أحد إلّا بما عمله من الحكمة واعتقده لأهل الدّين ونواه، وأنّ القريب هو من قرّبته التّقوى والمودّة، والبعيد من باعدته العداوة وأقصاه الكفر والجحود، واعتصموا بحبل مواثيقكم ولا تفرّقوا.

9-       في طلب العِلم: أُطلبوا العلم وصاحبوا أولي الفهم واجتنوا ثمرات الحكمة من شجرها وانهلوا ماء الحياة من ينابيعها.

10-    في عمل الخير والبُعد عن الشّرّ: مَن أراد عمل الخير عليه أن يترك من يده آلة الجهل والشّرّ وحبّ الدُنيا والرّغبة فيها.

11-    في رفض الطبقيّة في المجتمع التّوحيديّ: لا نريد في مجتمعنا أن يبقى الفقير فقيرًا ولا الغنيُّ غاصبًا مستبدًّا.

12-    في القِيَم الاجتماعيّة: حرصت دعوة التّوحيد والموحّدون على الكثير من القِيم الاجتماعيّة والخُلقيّة والإنسانيّة والّتي منها: الأمانة على الأرض والعرض والدّين والشّرف، الكرم والمروءة والوفاء بالعهد والمواثيق والشّجاعة، الاحتشام في الجلوس والحديث والمأكل والمشرب، الوقار والبُعد عن الهزل لأنّه يقلّل من الهيبة والعقل والدّين، حبّ النّاس جميعًا واحترامهم ومجاملتهم حتّى امتازوا في ذلك عن جميع النّاس، التّسامح في جميع مناحي الحياة والعفّة مع الكافّة.

من خلال هذا المنهج الأخلاقيّ وبالإضافة لمنهجهم العقائديّ نرى أنّ الموحّدين قد امتازوا بالبُعد كلّ البُعد عن المحرّمات لأنّ مذهبهم ودعوتهم التّوحيديّة قد أمرتهم وأوجبت عليهم اجتناب الكذب والقتل والفسق والزنا، والسّرقة والكبرياء، والرِّبا والغشّ، والغضب والحقد والنّميمة، والفساد، والخُبث والحسد، والغيبة وجميع الشّهوات والمحرّمات والشّبهات، والهزل والسّخرية، والحلف بالله صدقًا أو كذبًا، التّسامح واللين، وحماية الجار والمستجير، ولو كلّف ذلك المجير حياته ثمنًا لحماية مستجيره، وكذلك الحفاظ على الأرض والعرض، والتّعفّف عن أعراض الناس حتى الأعداء منهم في السِّلم والحرب. لأنّ الموحّد لا يزاوج حلالًا أو حرامًا امرأة من غير مذهبه وهذا ما أكسب الموحدين صحّة النّسب.

ويضاف إلى ذلك الهامّ من الأمور وهو الوفاء بالعهود دون كتابة المواثيق لهم أو عليهم، لأن العهد بالنّسبة للموحّدين هو ميثاقهم المربوط بالإيمان بالله وصدق اللسان، لا بالمواثيق المكتوبة والشّهود لأنّ الشّاهد في نظرهم هو الله عزّ وجلّ.

لم يقف الموحّدون عند هذه المناقب والشّعارات من حيث إنّها الإطار النّظريّ لمنهج أخلاقيّ، بل ترجموا ذلك عمليًّا وسلوكًا مميّزًا، ترك الكثير من البصمات في مختلف المجتمعات التّوحيديّة وغيرها حتّى ضِمْن المجتمعات المعادية والّتي أكّدت على هذه المناقب التّوحيديّة المثلى حيث جاء على لسان البعض منهم أمثال:

المؤرِّخ الفرنسي (بوجي سان بيير): “الموحّدون قوم طيّبو السّرير، نيِّرو الفكر، ذوو مشاعر محبّبة، صبورون، نشيطون، مستقيمون، أمناء، إنسانيّون يتمسّكون بمُثلهم حتّى حدود الخرافة، لا يخلفون عهدًا ولا يغدرون”.

 والعلّامة كرد علي في خطط الشّام: “الموحّدون يحافظن على عاداتهم وأخلاقهم العربيّة الأصيلة من إباء ووفاء، وحسن عِشرة وكرم، وحسن وفادة وإجار الملهوف، وحماية المستجير، ومروءة وشهامة”.

الجنرال الفرنسيّ ديغول: “إنّ العشيرة المعروفيّة هي أشرف العرب وأكرمهم، بيوتها فنادق ومضافات مجّانيّة، تحبّ الحقّ وتموت في سبيله، لا تتعدّى على أحد، ولا تنام على ضيم، تحمي الضّيف والدّخيل بالدّم، وتبذل الغالي والرّخيص فداء كرامته، وحمايته واجب مقدّس عندها.

الجنرال الفرنسيّ ويغان: “الموحّدون يتمتّعون بمحاسن وفضائل تحسدهم عليها أرقى الأمم وشعوب الأرض قاطبة”.

الكابتن الفرنسيّ بورون: “إنّ طهارة حياة الموحّدين العائليّة، واستقامة مسلكهم، مثار إعجاب الأمم والشّعوب، حيث يتّصفون بأرقّ العواطف وأنبلها وأقصى آيات الشّرف في المحافظة على نساء العدوّ، وعدم التّعرّض لهنّ والمحافظة على كرامتهنّ في السِّلم والحرب لأنّهم قومٌ أعزّاء، لا يرضون جرح كرامتهم وشرفهم وكذلك شرف وكرامة الآخرين”.

 الأميرة الإيطاليّة بلجيو جوزو: “لقد جبتُ جبل الموحّدين ثلاث سنوات وكنّا ثلاث نساء غريبات، فلم تسمع واحدة منّا أوكلانا كلمة واحدة أو رأينا حركة مريبة، أو شعرنا بريبة تحمرّ منها وجوهنا لأنّ الموحد يموت في الدّفاع عن الشّرف”.

الشّاعر الفرنسيّ الأكبر لا مارتين: “إنّ الكرم والضّيافة عند الموحّدين أمر مقدّس وكذلك حماية الضّيف، والمستجير عنوان حياتهم، ومن أجل ذلك يضحّون بأنفسهم، وهذا ما حصل بعد معركة “نافارين” عندما التجأ إليهم بعض الأوروبيين هربًا من الأتراك فحموهم آمنين مطمئنّين كلّ الطّمأنينة، وبالرغم من كوننا أعداؤهم لأنّ شعارهم الأدبيّ يقول: “كلّ النّاس أخوة” وهذا ما يقوله الإنجيل لنا غير أنهم يعملون به أكثر منّا”.

 القائد الأكبر نابليون بونابرت: عندما كنتُ محاصِرًا عكّا، قدمت عليّ شرذمة من الفرسان الموحّدين بقيادة عمر ظاهر، فدُهشت لرجولتهم وعزيمتهم وإيمانهم بقضيّتهم وأحسست في نفسي ميلًا شديدًا إليهم، ودافعًا قويًّا يقرّبني من كلّ فرد منهم فتمنّيتهم لو كانوا فرنسيين لأقاتل بهم العالم بأسره. 

 د. أحمد زكي أبو شادي (الملقّب بشيخ العروبة وصاحب سلسلة دراسات ورسائل إسلاميّة في القيم والأخلاق الإسلاميّة): “أوصى الرّسول (صلعم) المسلمين بعشرة خصال أخلاقيّة ولم نرَ عشيرة عربيّة أو طائفة إسلاميّة التزمتها كاملة، كما طائفة الموحّدين وقال فيهم: “الموحّدون هم من أكرم وأطهر أرومة في صميم العروبة وأكثرهم تمسُّكًا بأخلاق وقيم العروبة والإسلام.

“بني معروف جاحدكم جحودٌ               لآياتٍ تسامت فوق عرفي

بِكُم تزهى العروبة إذ تراكم أعزّ خصالها للمستشفِّ”

 الشاعر المسيحيّ مارون عبّود:

“قالوا الدروز فقلتُ جبلٌ معرق           العقل دينٌ والوفاء المنطق

والصّدق شِرعتهم فإن عاهدتهم           بَرّوا وإنْ نطقوا بأمرٍ صدقوا”

 والمؤرّخ المسيحيّ إبراهيم الأسود: “لم أسمع أنّ الموحّدين قد سطوا على عرض، ولا قتلوا النّساء والأطفال، وإنما احتمت نساء أعدائهم في بيوتهم لأنهم شديدو التّمسُّك بالنّاموس الأدبيّ فلا يسطون على أعراض غيرهم وعندهم كل الاحترام للحريم”.

 د محمد علي الزّعبي: “كان الموحّدون، اليد اليمنى للإسلام، والشّريان النّابض بحيويّة النّصر في معركة حطّين.”

 الأديب فارس الشّدياق: “إنّ ما يُقال عن الموحّدين بأنهم لا عهد لهم ولا ذمّة، فهو محض افتراء وبهتان إذ لم يُعرف عنهم يومًا أنّهم عاهدوا بشيء ثم نكثوا به، أو أحدًا منهم أميرًا أو شيخًا أو من عامّة النّاس رأى امرأة جاره النّصرانيّة أو غيرها فأُعجب بها، فمَن يرعى حرمة الجار في حرمته فهو الخليق بكل خير واحترام.

 الأستاذ الماروني الياس ربابي: “إنّ ما وراء إخواننا الموحّدين من رصيد ضخم على صعيد الكرامة والمروءات والبطولات والقيم يغنيهم حتّى عن ابتسامة الهزء يطلقونها استخفافًا بالمتهجّمين والمتطاولين عليهم، فهم البانون على الجماجم معاقل الإباء والعزّة، والسّائرون طليعة الطّلائع إلى رفع ضيم وإشاعة فضل، والباذلون مهجًا وأرواحًا من أجل الحرّيّة والكرامة والسّيادة والاستقلال، الصامدون بوجه التّحدّيات والمغريات والأهوال، وفاء لعهد قطعوه، وإيمانًا بمبدأ اعتنقوه، وهم سيوف الحقّ وألوية للبأس، ومشاعل للصّدق والإخلاص، والجهاد النبيل في سبيل الوطن ورفعة شأنه”.

 أمير الشعراء أحمد شوقي والشّعراء: 

“وما كان الدّروز قبيل شرٍّ                      وإنْ أُخذوا بما لا يستحقّوا

ولكن ذادة وقُرّاة ضيف                           كينبوع الصّفا خشنوا ورقّوا

إذا قالوا فخيرُ النّاس قولًا                     وإن فعلوا فأكرمهم فعلًا

وليسوا من أرغد الأحياء عيشًا              ولكن أنعم الأحياء بالًا”

 حافظ إبراهيم:

“عافوا المذلّة في الدنيا فعندهم           عزّ الحياة والموت سيّان”

جميل صدقي الزّهاوي:

“وآل معروف ما في مدحهم ملقٌ            سيوفهم نقشت أمجادها قدما”

 معروف الرّصافي:

“لله درّ بني معروف إذ صبروا                 على التّجالد ما كلّوا ولا سَئموا”

 عزّ الدّين التّنوخي:

“حيا بني معروف منْ خلق الوغى          طابوا فروعًا بيننا وأُصولا”

الشّاعر الدّمشقيّ محمد البزم:

“يا آل معروف والأبناء سائرة                 والخزي مُذ كان مذخورًا لمن خان

ما أن سمعنا ولا التّاريخ أسمعنا          بمثل فِعلكم شيبًا وشُبّانا

أنتم ملوك الوغى والبيض ناطقة         وذي عمائمكم في الهول تيجانا”

وغيرهم كُثر.

فها هم الموحّدون أبناء دعوة التّوحيد، عقيدة وخُلقًا ووجودًا.


المؤلّف محمود هايل الجباعي :

هو شاعر وأديب سوريّ في المجاليْن الأدبيّ والشعبيّ، دارس وباحث في التّاريخ والأدب.  وُلد في السّويداء/المجيمر عام 1941، حاصل على دبلوم معلّمين عامّة من القاهرة (1959-1961) وليسانس تاريخ من جامعة دمشق عام 1985. له نشاطات كشاعر ومحاضر وأيضًا بعض المؤلّفات والبحوث التّاريخيّة قيد النّشر والإعداد.

مقالات ذات صلة: