الموقع قيد التحديث!

اللاشعور

بقلم د. منير عطا الله
عن موسوعة “العقل البشري وقدرات جسم الإنسان”
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

اللاشعور Subconscious هو كلّ العملياّت النفسيّة التي تحدث في جسم الإنسان دون أن يشعر بها، إمّا لأنها نتجت عن دوافع غريزيّة مكبوتة، أو لأن الإنسان يشعر أنها تسبّب له ضيقًا معيّنًا، مثل الرغبات الجنسيّة، أو الأفكار الجنوحيّة المحرّمة. ويجمع علماء النفس أن كافّة الأفكار والخواطر الناجمة عن اللاشعور، تنطلق بشكل كبير في الأحلام وفي العقل الباطن، وتظهر على شكل رؤى وحكايات وأعمال خياليّة أثناء النوم.

ويقول د. جميل صليبا في كتابه (علم النفس): هناك حياة نفسيّة مظلمة مؤلّفة من النزعات الخفيّة والأهواء الوليدة والأحلام المكبوتة والعادات المكتسَبة. ولو نُسب حوض هذه الحياة المظلمة إلى معطيّات النفس المنيرة، لكان أوسع منها نطاقًا وأغزر مادة، إلّا أنّ نصيب الناحية المنيرة من القوى العقليّة السامية أعظم وأوفر. فالارتباط المنطقي والإبداع الفكري والتجديد والانتخاب العقلي، كلّ ذلك أكمل في الحياة الشاعرة منه في الحياة الباطنة. أما الأفعال الأوتوماتيكيّة والروابط الميكانيكيّة والتكرار التلقائي فهي في الحياة الدفينة أشدّ تأثيرًا منها في الحياة الظاهرة. فحياة الشعور حياة إبداع، وحياة اللاشعور حياة اتّباع، وليس للأحكام العقليّة والاختراعات الوهميّة التي تقوم بها هذه الحياة قيمة إذا نُسبت إلى الحياة الشاعرة، لأنّ أحكامها ابتدائيّة واختراعاتها صبيانيّة. الشعور مركز الحياة النفسيّة، ولكنّه، على كلّ حال، ليس سوى لحظة قصيرة من حياة النفس”.

ويقول الدكتور علي صابر: “يضطرّ الإنسان في عمليّة احتكاكه بالبيئة الخارجيّة، وتصادمه مع واقع الحياة، إلى كبت الكثير من رغباته ودوافعه. ويقصد فرويد بالكبت: هذه المقاومة التي يبذلها الجهاز النفسي عند الإنسان ضد الرغبات والنزعات التي لا يستطيع أن يشبعها، أو الدوافع التي لا يستطيع أن يحقّقها. وهذه الأشياء المكبوتة لا تضيع ولا تنتهي، وإنما تنتقل إلى منطقة أخرى من مناطق الحياة النفسيّة عند الإنسان، هي المنطقة التي أُطلق عليها اسم اللاشعور. ويمكن تقسيم الحياة النفسيّة عند الإنسان، أو النظر إليها من خلال ثلاث مناطق أو مستويات:

الشعور: وهو الذي يشتمل على الحالات العقليّة التي ندركها ونشعر بها في اللحظة الراهنة أو الوقت الحالي.

تحت الشعور: وهو يشتمل على كلّ الأشياء التي تمثّل خبرات الإنسان الماضية المختلفة، غير الموجودة في اللحظة الراهنة، ولكنّه يستطيع استعادتها في أي وقت.

اللاشعور: ويشتمل على الحالات العقليّة، التي لا يمكن استرجاعها إلّا بطرق خاصّة. وهو المنطقة التي تنتقل إليها رغبات الإنسان المكبوتة وذكرياته المؤلمة.

مصدر اللاشعور: نتيجة عمليّات المنع والتوجيه والتقويم للطفل، يضطرّ إلى إرضاء والديه والكبار عمومًا، أو خوفًا منهم، فيلجأ إلى التخلّص من الدوافع والرغبات المحبّبة إلى نفسه، ولا يمكن إرضاؤها، ولا يجد وسيلة إلى ذلك غير إبعادها من محيط حياته الشعوريّة، حتّى لا يحسّ بألم إبعادها، فيلجأ إلى إزاحتها بعيدًا إلى اللاشعور. أو بمعنى آخر، يلجأ الطفل آخر الأمر إلى عمليّة الكبت. والكبت عمليّة لا تقتصر على أيّام الطفولة فحسب. فطابع حياتنا اليوميّة، نحن الكبار، يستدعى هذه العمليّة، وإلّا ما استطاع الإنسان أن يعيش في دوّامة المشاكل التي تعترضه، والرغبات التي يريد أن يحقّقها، والشهوات التي يريد أن يشبعها”.

وعن اللاشعور يقول د. سامي جميل رضوان: “يصف اللاشعور العمليّات النفسيّة التي لا يستطيع الإنسان إدراكها من خلال شعوره الظاهر، أو من خلال حالته اليقظة، أو الصاحية. وعلى الرغم من هذا فإنّ تصوّراتنا وأفكارنا وذكرياتنا ودوافعنا المخزّنة في لاشعورنا تؤثّر على ردود أفعالنا الواعية أو الشعوريّة. فخبرة أن النار محرقة، على سبيل المثال، خبرة مخزونة في لاشعورنا. وهذه المعلومة لا يحتاجها شعورنا الصاحي إلا في الحالات التي نتعرّض فيها لخطر الإصابة بحرق ما. فتجدنا نندفع بعيدين عن النار مثلا.

ويمتلئ اللاشعور بالمحتويات النفسيّة، وطِبقًا للمنشأ الذي نشأت منه يتمّ التمييز في علم النفس بين اللاشعور الشخصي والأسري والجمعي. فاللاشعور الشخصي يشتمل على كلّ ما هو مكبوت. وهذا المكبوت عبارة عن الذكريات الطفوليّة المبكّرة. وتظلّ هذه الذكريات كامنة في اللاشعور، ولا يمكن عادة استحضارها إلى الشعور أو إلى الحالة اليقظة. وللاشعور الشخصي في الاضطرابات الرهابيّة والأمراض النفسيّة الجسديّة، أو في قابليّة الإنسان للإثارة والتوتّر دور مهمّ.

أما اللاشعور الأسري فيتضمن الرغبات والتوقّعات والقيم التي تغرسها فينا الأسرة والمجتمع خلال التنشئة الاجتماعيّة، دون أن يعي الإنسان ذلك. ومن مثال ذلك “على المرء طاعة والديه” “على المرء أن يساعد الفقراء”، “المنزل الكبير يمنح المرء وجاهة”، وهذه الأمثلة عبارة عن اتجاهات مزروعة فينا أسريًّا أو اجتماعيًّا. وقد صاغ عالم النفس كارل غوستاف يونغ كذلك مفهوم اللاشعور الجمعي، وقصد به ردود الأفعال التي يشترك فيها الناس جميعًا منذ أن وُجد الإنسان على وجه الأرض. فنحن نستجيب للموت بالحزن والبكاء وللولادة بالفرح، وعلى الخطر بالهرب أو الهجوم. وجميع ردود الأفعال هذه لا نتعلّمها، وإنّما تولد معنا، ولكنّها كذلك غير موروثة، وإنّما منقولة لنا روحيًّا. ويرى يونغ أنّ كلّ إنسان يحمل معه تاريخ كلّ أجداده الأوائل من خلال التناقل الروحي. ويستشهد يونغ على ذلك من خلال أن جميع الشعوب تمتلك تصوّرات متشابهة حول السحرة مثلا، أو حول المحاربين العظماء أو الحكماء، ويرى أن هذه النماذج التي نجدها لدى كلّ الشعوب والتي يطلق عليها تسمية النماذج البدائيّة أو الأوّليّة، وهي جزء من اللاشعور الجمعي الذي تشترك فيه البشرية”.n

مقالات ذات صلة: