الموقع قيد التحديث!

الأماكن المقدسة والاجيال الصاعدة

بقلم الشيخ أبو صلاح رجا نصر الدين
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

لقد امتاز تاريخ الطائفة الدرزية خلال ما يربو عن ألف سنة، منذ تحقيق الدعوة وحتى اليوم، بالصبغة الدينية على جميع أفراد المجتمع. فمنذ أن أُغلقت الدعوة وانتقل الموحّدون إلى قمم وأعالي الجبال، في الجليل وحلب ووادي التيم، بُنيت في تلك المناطق تجمّعات توحيديّة راسخة الإيمان، عميقة الاقتناع بما تؤمن، واثقة من طريقها، وعلى استعداد كامل أن تدافع، وأن تضحّي، واستمرّت عملية الدفاع عن العقيدة التوحيدية مقابل الآخرين حوالي ألف سنة. وعانى الدروز من الكثير من هذه النتائج، فقُتل منهم الكثيرون على مذبح التوحيد، وجُرح وشُلّ وأُصيب بعاهات عدد كبير من أبناء الطائفة، كما أن كل شهيد قضى ترك وراءه أُما وأخوات وإخوة وأبناء وبنات. وعند فُقدان ربّ الأسرة حلّ مكانه أبناؤه يسيرون في دربه ويعتنقون طريقه، ويستمرّون في مسيرة التوحيد. ومع الوقت برز من بين هؤلاء اقطاب كبار وشخصيات مرموقة، ولم تكن هناك حاجة لما يسمى التوعية التوحيدية. فالتوعية التوحيدية كانت أمرا واضحا في التجمعات الدينية الدرزية، وفي القرى، وفي المعاهد والأوساط التوحيدية، ومع الوقت تكوّنت مدن وقرى كبيرة، وتكتلت مجتمعات توحيدية محضة، بثّت بنفسها التوعية التوحيدية، ولم تكن هناك حاجة لإرشاد وتوجيه وإنارة وإعلام في هذا المضمار، فقد كان التوحيد فخرا، وكان الدين الدرزي مسلكا، ينضمّ الشاب عندما يصل إلى سن البلوغ إلى حضرة الكبار، ويشعر نفسه معتزا فخورا، أولا بأنه أصبح رجلا، وثانيا لأنه ينتمي إلى مجتمع عميق الجذور. ومع الوقت بدأت تظهر في المجتمعات الدرزية عناصر غير متدينة، إلا أن الطابع العام كان واضحا وطاغيا وهو الطابع الدرزي، الذي لم يكن منصهرا في بوتقة التوحيد فنشأت أوساط غير متدينة تؤمن بدين التوحيد، وكان من البديهي أن كل فتى يؤمن بالعقيدة التوحيدية، لكنه غير متدين، ومع هذا هو على استعداد بأن يضحي من أجل الطائفة والعقيدة، حتى وهو لا يعرف تفاصيل دين التوحيد، إلا أنه يشارك في المناسبات والأعياد التوحيدية ويقوم بزيارات الأماكن المقدسة.. وقد تطوّرت الزيارات للأماكن المقدسة من أجل الصلوات في المقامات والتبرك ومن أجل إيفاء النذور ولأغراض أخرى، وظلّت رهبة المقامات تفرض احترامها على الجميع سواء كانوا متدينين أو من غير متدينين. وفي القرن العشرين وبسبب تقدّم المجتمعات واكتساب حضارات غربية، وتسرّب عادات وأنماط معيشة أجنبية، زاد مع الوقت الابتعاد عن الدين، وعدم الانضمام الفوري إليه، إلا بعد فترة. لكنه إذا وقع اعتداء على قرية درزية، أو إذا تطاول أجنبي على فتى درزي، لم يرتدع كل من تواجد هناك، إلا أن يدافع عنه ويقاتل ويضحي من أجل الكيان والاسم الدرزي. وحلّت في القرن العشرين الزيارات الدينية، خاصة الزيارات الرسمية منها، التي اكتسبت طابعا مميزا مع الوقت، وأصبحت تحمل أهميات كبيرة، وتؤدّي فوائد جمّة. فمجرّد تفكير المجتمع مع اقتراب زيارة دينية لنبي، واستعداد الناس للاشتراك او عدم الاشتراك، يضع هذا النبي في مركز الأحداث، وفي واجهة الصورة، وهذا له انعكاس إيجابي على نفوس البيت الدرزي والأسرة الدرزية.
وحتى هذه الحقبة الزمنية، انتظمت تقريبا كل الزيارات كما يجب، وكما خُطِّط لها، ما عدا تلك التي وقعت في زمن الحروب. واليوم يجتاح العالم وباء الكورونا، الذي يشلّ كل نشاط، ويوقف كل تحرّك، ويفرض سكونا وهدوءً ووقوفا تقريبا شاملا، لكل مرافق الحياة. ونحن دائما نشكر الله العلي القدير على كل ما يمنحنا ويعطينا، ونأمل من الله سبحانه وتعالى، أن تزول هذه الغيمة السوداء، وأن نعود للسابق في الزيارات، وفي الاجتماعات وفي التلاقي، ونتقدّم بشكرنا إلى فضيلة الشيخ أبي حسن موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة، الساهر على شؤوننا، وحامل كافة هموم ومشاكل الطائفة الدرزية على كتفيه.  وكل عام وأنتم بخير. 

مقالات ذات صلة:

الأعياد في ظل الكورونا

تعوّدنا خلال عشرات السنوات، أن نرى الأمور، وأن نتفحّص الأحداث، وأن نحلم أحيانا بوقائع أجمل وبتطورات أنفع، وتأملنا من الوصول