الموقع قيد التحديث!

ألف سنة من المواطنة البنّاءة

بقلم الشيخ الأستاذ علي المن
مفتش التراث الدرزي سابقا
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

لقد كُتب على أبناء الطائفة الدرزية، أن يعيشوا كأقليات، في الدول التي يقطنون بها، وأن يندمجوا بالمجتمع في تلك الدول، وأن يقوموا بكل واجبات المواطنة الصالحة، وأكثر من ذلك، طُلب منهم أن يخدموا دولهم، وأن يحاربوا من أجلها، وأن يعملوا كل شيء من أجل سلامتها وصيانتها، كل ذلك طالما هم يحظون باحترام مؤسسات الدولة، وطالما يقوم النظام فيها، باحترامهم كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات. وقد تمّ كل ذلك على مرّ التاريخ، لأنه لم يتواجد كيان سياسي درزي مركزي، يطلب من المواطنين الدروز، الذين يعيشون كأقلية في دولة أخرى، أن يعربوا عن ولائهم له. فقد مرّ في التاريخ وجود حكّام دروز وولاة، في عهد المماليك في مصر، أثناء حكم التنوخيين في لبنان، وفي عهد العثمانيين، في حكم الأمير فخر الدين المعني في منطقة سوريا الكبرى، والإعلان عام 1921 عن إقامة دويلة جبل الدروز من قِبل الانتداب الفرنسي، الذي قسّم سوريا ولبنان، إلى ست دويلات مستقلةـ لكن دويلة جبل الدروز، التي انتخبت تحت الضغط الفرنسي، رئيسا وبرلمان ومؤسسات، حُلّت عندما أعلن عطوفة سلطان باشا الأطرش عن الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي من أجل استقلال سوريا. وهنا جدير بالذكر، أن الأمير عبد الله، من السلالة الهاشمية، طلب من الزعيم الدرزي اللبناني رشيد طليع، تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، وأن يكون رئيس أول حكومة فيها. وقد فعل ذلك كزعيم، مع أن المملكة لم يكن فيها إلا بضع عائلات فقط من أبناء الطائفة الدرزية. وإذا عُدنا إلى التاريخ، لا يمكن أن نعتبِر الدولة الفاطمية أثناء نشر دعوة التوحيد، دولة درزية، لأنها استمرّت في طابعها الإسلامي، وجرت فيها بعض التغييرات الطفيفة فقطـ التي توقفت مع غياب مولانا الحاكم بأمر الله عام 1021.

إذن، عاش الدروز في دول العالم المختلفة، وفي الممالك والإمبراطوريات التي توالت على سوريا ولبنان وفلسطين، كأقلية مذهبية، وبسبب مطاردتهم وملاحقاتهم من قِبل فئات متطرفةـ تواجدت في نفس الدولة، أو من قِبل ولاة طغاة، أو حكّام قساة، اضطروا للسكن في رؤوس الجبال، ودافعوا باستمرار عن كيانهم ووجودهم، وتمكّنوا من عبور المحن والمطاردات وظلّوا حتى اليوم بكامل كرامتهم.

ومع مرور ألف سنة منذ الدعوة حتى اليوم، الذي ضم عهد التأسيس والترسيخ والتثبيت للديانة الدرزية، فقد عانى الدروز من محن شديدة، اثناء نشر الدعوة، ومن مطاردة وتنكيل الخليفة الفاطمي الظاهر، الذي جاء بعد مولانا الحاكم، ومن مواجهة عناصر عزّ عليها وجود طائفة توحيدية نقية في لبنان، ومن غزو صليبي، حيث كانت لبنان أول منطقة عربية يطأها الصليبيون. أو من هجوم التتار، أو من تنكّر ولاة أكراد في حلب للدروز، أو ولاة عثمانيين في لبنان، وحروب الدروز مع إبراهيم باشا المصري معروفة.  وعانوا من الكثيرين غيرهم.

 بالرغم من كل ذلك، وفي فترات السلم، كان الدروز أنشط وأقوى وأبرع المواطنين في كل مكان، وهم اليوم يعيشون في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، ولهم تواجد في الحكم والإدارة والجيش، وقد انطلقت منهم جاليات تعيش في كافة دول العالم، من أستراليا إلى البرازيل وفنزويلا، وإلى جنوب افريقيا والنرويج، وهذه الجاليات الدرزية، تُعتبر من أرقى الجاليات، فالمغترب الدرزي، إما يعيش في القمة في بلد الاغتراب، أو يعود إلى مسقط رأسه في الشرق. والدروز في كل مكان، يخدمون ويبنون ويساهمون في الحياة الديمقراطية، وفي دعم نظام الحكم، وينادون بالشرعية، ويقومون بدفع الضرائب، وأداء الخدمة العسكرية، حيث يشعرون أن البلد الذي يعيشون فيه هو موطنهم الوحيد.  

عضو الكنيست امل نصرالدين وسعادة القاضي فارس فلاح مع الأمير مجيد أرسلان بحضور ولديه الأمير فيصل والأمير طلال

مقالات ذات صلة:

دار الحكمة

دار الحكمة، أو دار العلم، أو دار العلوم هي مؤسّسة ثقافيّة علميّة فريدة من نوعها، في عصرها، فقد كانت إنجازًا