الموقع قيد التحديث!

الألفية الثالثة والنهضة النسائية المباركة

بقلم السيدة سهام ناطور (عيسمي)
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

شهدت الدعوة الدرزية التي انطلقت في أرض الكنانة في مطلع الألفية الثانية حدثا سجّله التاريخ لكنه لم يأخذ حقّه من الإشهار ومن جعله ركنا وأساسا معتمدا قصده القيّمون على ذلك في حينه لكي يكون عملا هاديا وموجِّها لمكانة المرأة في المجتمع الدرزي. فقد كانت الدعوة التوحيدية زاخرة بآلاف النذر والدعاة والأركان والشخصيات النافذة التي كانت جاهزة لتلقي كل مهمّة ولتحقيق كل غاية من أجل تثبيت وترسيخ أركان الدعوة الدرزية، وتركّز هذا الحدث باختيار مولانا بهاء الدين (ع) ابنة أخيه الست سارة، صاحبة العفاف والطهارة رضي الله عنها في مهمّة ذات شأن كبير يعجز عنها أشد الرجال، إلى منطقة وادي التيم وحاصبيا وذلك لهداية وردع شرذمة من المرتدين ومن الذين شذّوا عن الدعوة وتوقّفوا عن تقبّل وتنفيذ مبادئها السامية الراقية الفاضلة. وقامت الست سارة بإنجاز ما أُلقي عليها ووصلت إلى وادي التيم يرافقها طبعا والدها ومجموعة من الموحدين الأبرار لكن حدّة الشذوذ كانت لدرجة قويّة أن الست سارة حاولت وعندما يئست عادت إلى القاهرة فتوكّل بالمهمّة دعاة آخرون واستمرّت الدعوة والحمد لله في مسارها الحقيقي الصحيح ولا يهمّنا النتيجة بقدر ما يهمنا العمل نفسه وهو أن مولانا بهاء الدين كان قصده الإيحاء والإشارة والتوجيه إلى أبناء دعوة التوحيد أن للمرأة في المجتمع الدرزي دورا مهما ومكانة مرموقة واحتراما كبيرا ومنزلة مبجّلة وأنها عنصر أساسي وذو فائدة في تطور المجتمع ففرض دين التوحيد مبدأ الزواج من امرأة واحدة وساوى بينها وبين الرجل من حيث أن كل ما هو مسموح للرجل مسموح للمرأة وكل ما هو ممنوع عن المرأة ممنوع عن الرجل أي أنه لا يوجد تفاضل للرجل عن المرأة ولا في أي مجال إلا بالتقوى والدين. وشاءت الأقدار أن يُطارد الموحدون الدروز بعد إغلاق الدعوة وأن يقبعوا في رؤوس الجبال وأن يعيش الموحدون الدروز في مجتمع وفي بيئة تبيح للرجل استغلال المرأة واستعبادها وذلّها والإساءة إليها خاصة إذا رأى بها هذا المجتمع جزءا من أعدائه لذلك زاد حرص الموحدين الدروز على الحفاظ على المرأة والحرص عليها تماما مثلما حافظوا على الدين والأرض. وكان من الطبيعي أن تُقيَّد حرّيّة المرأة وألا تخرج إلا بوجود محرم معها وألا تقوم بواجباتها إلا في عقر البيت فقط وذلك حفاظا عليها. واضطر المجتمع الدرزي أن ينزوي وأن ينكمش وأن يبتعد عن الأنظار وأوكل المرأة في هذه الحقبة القاسية واجب البقاء في البيت والاهتمام بالأولاد وتربيتهم وأحيانا العمل في الحقل لتوفير المعيشة لهم خاصة حينما كان الرجال يواجهون تعدّيات وهجومات وأطماع من قِبل مَن هم حولهم. وقد تحرّر الموحدون الدروز نسبيا بعد مرور عدة قرون من تأسيس الدعوة وبدأوا يعيشون في قراهم في سوريا ولبنان وفلسطين حسب أصول مبدأ التوحيد الدرزي الذي يعطي المرأة الكثير من مجالات العمل والمساهمة في بناء الأسرة والطائفة والمجتمع ككل لكن وفي بداية القرن السادس عشر احتل سليم الفاتح والعثمانيون كافة المناطق التي يعيش فيها الدروز وهي سوريا، لبنان ووادي التيم. وفُرض على الشرق الأدنى كابوس معتم ظالم من الجهل ومن التخلّف ومن كبت الحريات ومن مطاردة المرأة ومن التفرقة بين الطوائف والأديان فرض العقلية العثمانية المتخلفة حتى بقوة السيف في كل مكان كان للدروز فيه سلطة ونفوذ. واستمرّ هذا الوضع أربعة قرون شُلّت فيها حركة المرأة الدرزية واستورد الدروز عادات اجتماعية غريبة عنهم مثل الثأر والتخلص من النساء كرامة لشرف العائلة، وعادات سيئة أخرى وأُكرهوا على ممارستها أحيانا إما للضغط من البيئة الخارجية الحاكمة وإما تشبّها وتقليدا عند بعض الأوساط الضعيفة في الطائفة. وما أن تحرر الشرق من النير العثماني حتى جاء الانتداب، سواء الفرنسي أو الإنجليزي، الذي كان من المفروض أن يأخذ بيد المجتمع الدرزي الذي لم ينكسر لهذه الحرب أن يضمّد جروحه وأن يستعيد أنفاسه وأن يتحرر ممّا أعاقه على تطبيق مبادئ دين التوحيد في التعامل مع المرأة فزاد من تسلط الرواسب القديمة والقوى المتخلّفة في المجتمع وبالكاد استطاع الموحدون الدروز الذين عاشوا في سوريا ولبنان وفلسطين تحت راية جو من التقدم والرقي والتطور أن يبدؤوا بمد اياديهم للقوى النسائية الفاضلة التي ملأت غرف البيت وقامت بأدوارها النسائية ببطء شديد، بحيث تطلب من المجتمع الدرزي حوالي ثمانين سنة لكي يشعر بالحرية والانطلاق والراحة أن يفعل ما يوحي إليه ضميره وما يسنح له دينه في السير قدما بالمرأة ومنحها امتيازاتها وحقوقها والاعتماد عليها في إدارة شؤون البيت والأسرة أولا كما فعلت حتى اليوم وبعد ذلك الانتقال إلى مرحلة العمل الجماهيري وإلى قيادة وإدارة  كل شخصية توحيدية نسائية كي تنهض بالمجتمع التوحيدي وتنقله من غياهب القرون الوسطى إلى مشارف ومشارق القرن الواحد والعشرين بكل مميّزاته وتقنياته.

مقالات ذات صلة:

أقوال عن الموت

قال المتنبي:فَطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقيرٍ كَطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِوإذا لم يكن من الموتِ بُدٌّ فَمِنَ العارِ أن تَموتَ