الموقع قيد التحديث!

من زياراتي لبلاد الأرز: في رحاب مقام النبي أيّوب (ع) بالقرب من قرية نيحا في الشوف اللبنانيّ

بقلم الشيخ د. نجيب سلمان صعب
أبو سنان
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

 يقع مقام النبي أيّوب عليه السلام على قمّة عالية شديدة الانحدار فوق قرية نيحا، ويطلّ من مكانه على المنطقة الشاسعة إلى الغرب والممتدّة من مدينة صور جنوبًا وحتّى بلدة جونيه شمالًا، ويرتفع فوق سطح البحر نحو 1400 مترًا. حقًّا أنّه لمنظر خلّاب يسحر العيون بالخضرة والارتفاع والانحدار والوديان والمنحدرات، والطريق التي تعترضك عزيزي القارئ الكريم وأنت صاعد إلى المقام أنّها بحاجة ماسّة إلى الإصلاح والتعبيد من جديد، بالقرب من المقام توجد ساحة واسعة يلتقي فيها الزائرون من كلّ مكان يأتون إلى المقام للتبرُّك به وإيفاء النذور.

 يحتفل أبناء الطائفة في صيف كلّ عام بزيارة النبي أيّوب عليه السلام بحضور ممثّل عن الجمهوريّة اللبنانيّة، هذا بالإضافة إلى مئات وربّما آلاف المشايخ الأتقياء يقصدون المقام المقدّس كلّ يوم جمعة لتلاوة الشعائر الدينيّة والصلوات، وقبل أن نتحدّث عزيزي القارئ الكريم عن اللقاء في رحاب المقام المقدّس لا بدّ لي من سرد ما تيسّر معرفته عن النبي أيّوب في هذا اليوم المصادف 18\07\1982: يقال إنّ النبي أيّوب وُلدفي قرية عوس بالقرب من قنوات في جبل الدروز حيث رُزق أولاد وثروة كبيرة أنفقها كلّها في الإحسان والمشاريع الخيريّة، وبعد أن أصبح صفر اليدين فقد أولاده، وعانى الكثير من الآلام والأحزان والأمراض التي عصفت بجسده، بالإضافة إلى المكائد والمصائب التي تحمّلها كلّها برضى وتسليم، لأن في ذلك كلّه مشيئة الله وإرادته، أيّوب الذي أضناه الشقاء وأعيته الهموم يرمز إلى الصبر والجلد الكبير والإيمان العميق.

 يروي الكتاب المقدّس حكاية أيّوب في اثنين وأربعين فصلًا والقرآن يروي هذه الحكاية المدهشة عن رجل بقي أمينًا لرسالته الدينيّة متمسِّكًا بإيمانه القويّ بالرغم من كلّ الويلات التي أصابته إن كان من ناحية فقدان أولاده، أو من ناحية تبديد أمواله وتعرُّضه للمتاعب والأمراض، وأخيرًا وبعد أن أقعده مرض عضال توفاه الله سبحانه وتعالى وخّلصه منه. وبعد أن وصلنا إلى المقام جلست مع القيِّم في المقام الشيخ حسين علي عزّام ومساعديْه الشيخيْن يحيى عزّام وسليم نجم فرحات من قرية نيحا، والشيخ حسين عزام يعمل في مسؤولية المقام منذ 20 عامّا. ويقول الشيخ حسين عزام: المقام في بداية الأمر أقيم منذ القدم وأقيم ابتداءً من النصف ليرة فما فوق أي من الدرجة الفقيرة والوسطى وليس من الأثرياء أصحاب الملايين، حيث إن المقام يعجّ بالزائرين من أبناء الطبقة الوسطى الذين يجودون بالمال في صندوق النبي الكريم. ففي بعض الأحيان يصل عدد السيارات التي تصل المقام في آن واحد إلى 200 سيارة، والوضع اليوم أحسن بكثير من ذي قبل والحمد لله.

 وحول المساعدات الحكوميّة ومن مؤسّسات درزيّة أخرى يردّ الشيخ حسين قائلًا: قام المرحوم كمال جنبلاط بزيارة المقام وقال: باسم الله العمار بخير وكثير، أجبته بجملة يا سيادة البك على ماذا قام مقام النبي أيوب؟ فأجاب البك على ماذا؟ قلت: على أيدي أبناء الدرجة الفقيرة الوسطى، قال جنبلاط: كيف تبرهن ذلك؟ فقلت: إنّ كلّ واحد يدفع ما يستطيع دفعه من الزائرين والدفع يخرج من نفس طيّبة وما عليه إحراج، فلم نجد ولا مرّة في الصندوق قطع نقديّة صغيرة.

 وعلى البناء القائم يقول القيّم الشيخ حسين علي عزام: يعود البناء في الأساس إلى فترات تاريخيّة قديمة، حيث كان في البداية غرفة صغيرة بشكل بسيط وبعد توفّر الأموال هدمنا القديم وبدأنا بتعمير الجديد، حيث يصل عدد الغرف في المقام اليوم 65 غرفة بُنيت على ثلاث مراحل، الأولى عام 1962، والثانية عام 1964 والثالثة عام 1974 ويتألّف من ثلاثة طوابق. وفي بادئ الأمر كما ذكرت لم يكن للمقام سوى الغرفة الوحيدة التي وُجد فيها حيث كان الحرش القريب هذا تابع للقرية ” نيحا ” وعندما نوت البلديّة قطع الاحراش اعترض أهل البلد على ذلك لفترة 12 عامًا لم يستفد المجلس البلديّ ولا المقام من الأرض إلى أن بُتّ في الأمر وحُلّت المشكلة على يد وجيه من دير القمر، ومساحة الأرض التابعة للمقام اليوم 30 دونمًا فقط، ويزور المقام جميع أبناء الطوائف في لبنان ويتبرّك الجميع بالمقام الشريف. ويضيف الشيخ حسين أن الزائرين من جميع الطوائف يلتزمون ببيان مشيخة العقل للطائفة الدرزيّة والذي ينصّ على توجيهات أخلاقيّة واجتماعيّة في فترات المكوث في رحاب المقام الشريف. وتمشّيًا مع العادات والتقاليد المعروفة الأصيلة المتّبعة في المقامات المقدّسة قمت بصحبة المشايخ الأجلّاء بالتبرّك في الضريح المبارك.  وكلّي أمل أن تسنح الفرصة لكلّ من يودّ ويرغب في زيارة هذا المقام حيث الخير والبركة والمنظر الخلاب والجو النقيّ الذي يشرح الصدور ويبعث روح الإيمان في نفوس الزائرين بقدسيّته، ولا يسعني في النهاية إلّا أن أعبّر عن سروري العميق بهذه الزيارة التي تأثّرت بها في الأعماق وشاكرًا من الصميم القيّمين في المقام الشريف المشايخ الأجلّاء على تأدية الرسالة بصدق وإيمان، وكذلك على حسن الاستقبال والمعاملة النابعة حقًّا من سدق اللسان وحفظ الإخوان وجزاكم المولى خيرًا حضرات المشايخ: الشيخ القيّم حسين علي عزام ومساعديّه الشيخيْن يحيى عزام وسليم نجم فرحات..

مقالات ذات صلة:

تاريخ العمامة

تاريخ العمامة العمامة هي جزء من الزي الديني للشيخ الدرزي، لكنها هي أكثر من ذلك، لأنها أصبحت مع الوقت رمزا

المرحوم الشيخ أبو سليمان حسيب الحلبي

شيخ جـــلــيلٌ طـــــاهـــرٌ ديـــــّانُ وحسيبُ فضلٍ للتّقى عــنوان فأرِيجُكَ العقلُ الرّجيح بروضة السّدق فـــــيها والــــوفــا برهــــان فقدتْك أهلُ الفضلِ أنت

تمهيد

لقد وقع حدث كبير، في أواخر عام 2006 في أوساط رجال الدين في الطائفة الدرزية، أدّى إلى حدوث موجات انفعال