الموقع قيد التحديث!

مقام سيّدنا النبي شعيب (ع) في السنوات 1948 – 1949

بقلم السيد مهنا كبيشي
جولس
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

مقام النبي شعيب عليه السلام يقع على سفح جبل حطين بالقرب من مدينة طبريا ويشرف على سهل حطين شمالا. هو شعيب بن نوبة من قبيلة جده مدين بن إبراهيم. الزيارة الرسمية الأولى للمقام كانت عام 1885 بعد الانتهاء من ترميمه بتبرُعات جُمعت من أبناء الطائفة المعروفية في الشرق الأوسط بمبادرة من الشيخ مهنا طريف، شيخ عقل الطائفة الدرزية آنذاك. حيث شارك بها دروز سوريا ولبنان وفلسطين. اختيار موعد زيارة المقام المقدس كان وفقا لنهاية موسم الامطار وقبل بداية موسم الحصاد في شهر الربيع نيسان.

بالقرب من المقام، من الجهة الشمالية كانت تقع قرية تاريخيّة تُدعى قرية حطين، بلغ عدد سكانها ما يقارب 1200 شخص عام 1948. كان أحد سكان هذه القرية يدعى محمد الحطيني، كان يهتمّ لأمور المقام المقدّس ويقوم بصيانته بأذن وبراتب شهري من الرئيس الروحي للطائفة الدرزية المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف منذ عام 1928. وخلال حرب استقلال دولة إسرائيل، هرب جميع سكان القرية في تاريخ 16.07.1948 إلى لبنان تاركين ورائهم ممتلكاتهم وبيوتهم دون الاكتراث للمكان المقدّس. وهكذا خلت المنطقة من السكان بتاتا.  

صوره لمقام النبي شعيب عليه السلام. 
أسفل الصورة، قرية حطين قبل قيام دولة اسرائيل

في فترة حكم الانتداب البريطاني على بلاد فلسطين، كان يُسمح للتجاّر من أنحاء الشرق الأوسط القدوم لبلاد فلسطين والتجارة في المدن المركزية كحيفا ويافا وعكا. وهذا المجال أُفسح لأبناء الطائفة الدرزية من جبل الدروز في سوريا السير بقافلة من الجمال مع البضاعة إلى بلاد فلسطين بغرض التجارة. رحلة كانت تستغرق عدّة أشهر من بلاد الشام لفلسطين ذهابا وإيابا. من أحد هؤلاء التجار كان شخص من القرية الدرزيّة أم الرمان قضاء السويداء في سوريا، يدعى الشيخ علي سلامة العنتير (أبو حسين). مع اندلاع المعارك بين اليهود والعرب في أواخر عام 1947، قرّر الانتظار مع أبناء عائلته في القرى الدرزية حتى يُتاح لهم بإكمال طريقهم عائدين لأم الرمان في بلاد الشام. وخلال عودته شمالا عن طريق الجليل، زار قرى الجليل الغربي، خاصةً قريتي جولس ويركا، وأخيرًا انتقل إلى قرية الرامة، حيث مكث بها عدّة أشهر حتّى انجبت زوجته طفلا. وعندما أُتيحت له الفرصة بإكمال مسيرته عائدا لبلاده، قرّر متابعة مسيرته إلى مقام النبي شعيب عليه السلام، آملا بزيارة المقام للمرّة الأخيرة قبل عودته لبلاد الشام، وإغلاق الحدود بين الجمهوريّة السوريّة ودولة إسرائيل. كان ذلك في أحد الأشهر من نهاية عام 1948. قدم لزيارة المقام المقدس مع عائلته ليجد المقام خاليًا وقرية حطين متروكة من سكّانها ما يقارب الأربعة أشهر. فقرّر البقاء في المقام للحفاظ عليه تاركًا كل ممتلكاته في قريته أم الرمان.

على إثر العلاقات التي نمت بين وجهاء الطائفة الدرزية في إسرائيل مع قادة دولة إسرائيل قبل وخلال حرب الاستقلال، بعث المرحوم الشيخ أمين طريف رسالة إلى الحاكم العسكري لمنطقة الجليل في تاريخ 03َ/03/1949 طالبًا من قيادة الدولة السماح لأبناء الطائفة الدرزيّة بإقامة الزيارة السنويّة وتأدية الفرائض الدينيّة في المقام المقدّس، على الرغم من القيود التي فرضها حاكم الجيش في منطقة الشمال، من منع التجوّل في مناطق خارج نطاق الحكم العسكري دون إذن أو تصريح من قبل الجيش. ثم قُدِّمت قائمة بأسماء المسؤولين عن التصريح من جميع القرى الدرزية وبعدد المشتركين من كل قرية درزيّة في تاريخ 22/04/1949 للحاكم العسكري في الجليل الغربي الميجر رحبعام عمير، وهي كما يلي:  

  • دالية الكرمل- ذياب أحمد ومحمد حلبي، عدد الزائرون 150 شخص.
  • عسفيا- منهال عبد الله وصالح طربيه، عدد الزائرون 75.
  • شفا عمرو- سلمان أبو عبيد وسلمان نصر، عدد الزائرون 75.
  • جولس- سليم حمادي ومهنا طريف، عدد الزائرون 100.
  • أبو سنان- سليم خير ومحمد اليوسف، عدد الزائرون 50.
  • يركا- كمال معدي وسلمان معدي، عدد الزائرون 150.
  • جث- سليمان بيبار ونجيب بيسان، عدد الزائرون 30.
  • يانوح- صالح العلي ومهنا فرج، عدد الزائرون 50.
  • كفر سميع- محمد حمود وحسين فلاح، عدد الزائرون 50.
  • كسرى- اسماعين عطيله وسلمان الأسعد، عدد الزائرون 50.
  • البقيعه- سليم خير ونايف محمود، عدد الزائرون- 100.
  • بيت جن- صالح اليوسف وقبلان علي قبلان، عدد الزائرون 100.
  • حرفيش- علي فارس، عدد الزائرون 50.
  • عين الأسد- صالح سليمان وسلمان صلاح، عدد الزائرون 30.
  • الرامة- قاسم فرهود وفراج الصالح، عدد الزائرون 50.
  • المغار- فندي غانم وعلي محمد، عدد الزائرون 100.
  • ساجور- يوسف عقاب وصالح اليوسف، عدد الزائرون 30. أي ما يقارب 1210 زائر من جميع القرى الدرزية في إسرائيل.

ولهذه الرسالة كان ملحق بقائمة تحوي أسماء أصحاب السيّارات آنذاك للسماح لهم بنقل الزائرون من القرى إلى المقام الشريف بسيّاراتهم الخاصة.

انطلق الزائرون إلى مقام النبي شعيب عليه السلام لزيارة المكان المقدس ليلتقوا بالشيخ علي العنتير في رحاب المقام، حاضرا ومشرفا على زمام الأمور في المقام. فقام الشيخ أمين طريف بتعيينه ليكون أوّل قيّم من أبناء الطائفة مسؤولا عن صيانة المقام المقدس في عام 1949. حيث بقي هناك الشيخ علي حتى عام 1965 ومن بعدها انتقل الى قرية المغار ليستقر بها مع أبناء عائلته. خلال فترة مكوث الشيخ علي في المقام المقدس، أنجبت زوجته طفلا أسماه سليمان (أبو حسن سليمان العنتير- أطال الله عمره). عندما كان طفلا، اعتاد على مرافقة الشيخ أبو يوسف أمين طريف في رحاب المقام، يركض خلفه ويتعلّق بأطراف عباءة الشيخ حتى يقوم الشيخ أمين طريف بحملانه ومداعبته كابن له.

كل عام والجميع بألف خير، زيارة مقبولة.

*ملاحظة: مستندات هذا المقال من ارشيف جيش الدفاع


السيد مهنا كبيشي:

ابن قرية جولس، خرّيج قسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة حيفا، لقب أول بكالوريوس ولقب ثاني ماجستير. ومتخصص في تاريخ دولة إسرائيل بعد وقبل قيامها عام 1948، وفي الحياة الاجتماعية وخاصة في سمات المجتمع الدرزي حيث يركّز أحد مجالات اهتمامه الرئيسيّة على حياة المجتمع الدرزي وأدائه اليومي خلال حرب الاستقلال (موضوع أطروحة البحث)؛ أي في التاريخ من الأسفل وبتجلّي الحياة الاجتماعيّة اليومّية في إدارة الحياة المجتمعيّة التقليديّة داخل القرى، وهي إدارة تعتمد على الهيكل والنظام الأبويّ، ممّا يمكّن المجتمع من التعامل مع الأحداث الاجتماعيّة كوحدة واحدة، والاعتماد على الأسرة وإدارتها كمصدر رئيسي لكسب الرزق في حياة سكان القرى. وكيف يتصرّف وجهاء الطائفة (رجال دين وكبار الشخصياّت) وطريقتهم في التعامل مع الأحداث على المستوى المحلّيّ والعامّ، سياسيًّا واجتماعيًا واقتصاديًا على حد سواء.

مقالات ذات صلة: