الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 158: صنّاع الحياة هم الخالدون

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

خلّد إمام اللغة وأمير البيان ورجل التاريخ والسياسة في المستوى الرفيع الأمير شكيب أرسلان ذكر الأمير عمر طوسون الذي أعتبر من صنّاع الحياة في أيام فؤاد ملك مصر وقبله وكان من أقربائه في كتاباته في أكثر من مكان، حيث لم يكن هذا التخليد الهام محض صدفة أو علاقة شخصية، بل نجم عن كون الأمير عمر طوسون عفيفاً ومعطاءً ومعروفاً بنشاطه لإغاثة المحتاجين من الأمة أينما كانوا، إذ كان وحده يقوم بما تقوم في أيامنا هذه الجمعيات وصناديق لمّ التبرعات والمؤسسات الخيرية مجتمعة، كلما كانت هناك حاجة للإغاثة ودعم المحتاجين من خلال جمع المال وارسال المعونات. وقد سرد الأمير شكيب أرسلان في كتابه “الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية” حديثا موسعاً وشاملاً يبين قيمة هذا الأمير النبيل، ومن بين ما قال عنه: “لا يعمل شيئا، ما يعمله رياء ولا سمعة ولا ابتغاء شهرة ولا إمارة، هو الذي يزيّنها وليس بالذي يتزيّن بها، وإنما يعمل ما يعمله ابتغاء وجه الله- وعملا وجداء، فكان قدوة لكل أمير لا يعرف العبث، ولا يريد أن يضيع من عمره لحظة واحدة بدون فائدة للبشر”.

إن الاميرين شكيب أرسلان وعمر طوسون هما من صناع الحياة ذلك لأن قدراتهما وافعالهما وعطائهما وصنيعهما قد أضحى واقعاً وإرثاً حضارياً، يمتد الى أجيال ويضرب عمق الزمان ورحابة المكان ويطال شريحة واسعة من البشرية جمعاء، لما فيه من أهمية وخير وبر وانجازات تاريخية يعرفها القاصي والداني.

ولا بد لنا في هذه الأيام وفي هذه الفترة ونحن نحيي الذكرى ال 28 لرحيله، أن نستذكر فيها سيدنا المرحوم الشيخ امين طريف رضي الله عنه، سيد الجزيرة وشيخ العشيرة، تاج العقل والحكمة وسراج الورع والعصمة، الدر النضيد والنور السني الوهاج، الكنز النفيس والمعلم الرئيس، القمر المضيء، والوجه البهي صانع الحياة والتاريخ المجيد بتعاليمه وبشخصيته وبأعماله وبكراماته التي لا تعد ولا تحصى، وبتبنّيه لحياة الزهد والورع والسير وفقا لشروحات الأمير السيد قدس الله سره وأدب سيدنا الشيخ الفاضل نفعنا الله من بركاته، وبمواقفه وبمكانته وبنهجه وزخمه الروحاني، وبحديثه الذي ميّزه الوعظ والايمان وذكر الاولياء الصالحين والتشجيع والدعوة الى التعاون والتفاهم والتسامح والخير والمحبة، وبصدى أعماله الواسعة على صعيد الطائفة والدولة والمنطقة والعالم بأسره.

ورغم مرور 28 عاما على فراق فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أبي يوسف أمين طريف الا أنّ نفوس الجموع ترتعش وتشعر بحزن وأسى على هذا الفقد الكبير، حيث لا تزال ذكراه ماثلة وقائمة في القلوب والعقول وشخصيته الفذة ترافق أبناء الطائفة واخرين وتذود عنهم وصوره تزيّن كل منزل ومكان وتضفي عليها بركة وإيمان، خصوصا وأن اسمه يقترن باسم الطائفة الدرزية في هذه البلاد وعبر الحدود التي سعى للحفاظ على سلامتها وكرامتها وعزتها ورفعتها ونيل حقوقها. لقد مر حتى الآن 28 عاما منذ رحيله، لكننا ما زلنا نعيش، وكأنه موجود بيننا، يرافقنا بحكمته، وبركته، وحسن إدارته. وفي هذا الموقف وفي هذه الذكرى الخاصة نستذكر جزءًا من كلمة القاها مؤسس مجلة “العمامة” المرحوم الشيخ سميح ناطور الذي رحل عنا قبل عام وكان أيضا من صناع الحياة وخلف إرثاً ثقافيا وحضارياً كبيراً، في الذكرى الـ 25 لرحيل شيخ الجزيرة فضيلة سيدنا الشيخ امين طريف (ر) رحمه الله.

يا طاهرَ الأثوابِ

بالأمس، كنتَ هنا، جئناك للبركة،

واليوم نأتي خشوعا، في ظل ذكراك.

والأمس، عهد مديد، طوله قرن،

أضفيت فيه، على الانام رحماك.

ما ظل شيخ، ولا قيل، ولا صيدنٌ،

ولا رئيس، ولا عظيم، ولا حاكم،

إلا وجاء، لينعم من سجاياك…

يا عاهلَ الأشرافِ

عشتَ بيننا، كشجرة زيتون، ذاتِ ألفِ سنة

وكشمسٍ مشرقة، تملأ الكون، حرارة ودفئا،

وكأبٍ عطوفٍ، يضمّ أسرته الكبرى،

وكراعٍ صالحٍ، يحتضنُ أهلَ التوحيد،

من السماق، إلى الريان، إلى الشوف إلى الكرمل،

وأصبحتَ شيخَ الجزيرةِ المُطلق،

وقائدَ العشيرةِ المعروفية،

في كل مكان، ينطق فيه، أفراد العشيرةِ، القاف، قافاً.

وتوجّهتْ إليكَ الأعْيُنُ والأنظارُ،

فقد ملأتَ الكونَ مهابة وبهاء،

وبقيتَ رمزاً للتواضعِ، والتقى.

وتلاحمت الجماهيرُ في حاصبيا، وفي عاليه، وفي بعقلين،

وقبلَها في مواطنِ جبلِ الدروزِ العامرة،

حينما قُمتَ، بمهمّةِ الصلحِ في الجبلٍ الجريحِ،

فقد غدوتَ، مصدر ثقة، وأمانٍ، وإلهامٍ،

لكلِّ مَن كتب على نفسه عهد التوحيدِ،

ودخلتَ أبوابَ التاريخِ

متربعا على صهوةِ العزةِ والدينِ والكرامةِ.

فنشرتَ فضلَكَ وحكمتَكَ وبركاتِكَ،

على كافةِ الجزائرِ والأقاليمِ،

وأصبحتَ عنوانا للتُقى، والتسامحِ، والمحبةِ

لدى جميع الأديانِ، والطوائفِ، والأممِ…

يا نقِيَّ السرائرِ،

نِعمنا بوجودِكَ قرنا،

وعزّزتَ الطائفةَ ورَسَّخْتَ جذورَها،

بحكمتك، وفضلك، ودرايتك…

وعندما شعرتَ باقترابِ نهايةِ المشوارِ،

أبيْتَ، إلا ان تتركنا في عُهدةِ وريثٍ،

حكيمٍ، رصينٍ، تقيٍّ صالحٍ،

توسّمتَ فيه الخيرَ لنا، وللطائفةِ جمعاء.

وها هوَ، والحمدُ لله، والشكرُ لكَ،

يحمي أمّةَ التوحيدِ في أطرافِ المعمورةِ جمعاء،

متّصلا بأساطينَ العالَمِ وقادَتِهِ،

مهتديا بتراثِكَ، وتعاليمكَ…

يا طلاعَ الثَّنايا،

مرّ رُبعُ قرنٍ على فراقِكَ،

لكنّ نورَك، يزيد توهّجا، يوما بعدَ يومٍ

وذكراكَ، ما زالت تعطرُ الأنفاسَ،

والشوقُ إليك، والافتخارُ بكَ، والاعتمادُ عليكَ

يرافقُ كلَّ فردٍ من أهلِ التوحيدِ،

والكلُّ يفخرُ، ويعتزُ، ويشمخُ،

أنه حظيَ بنورِك، ووجودِك، وبركتِكَ،

على الأقل، ولو مرة واحدة في حياتِهِ…

فهنيئا لكَ، سيدي، هناك،

في واحات الخلودِ، وفي حضرةِ الأسيادِ….

والله ولي التوفيق..
أسرة العمامة
دالية الكرمل
2021

مقالات ذات صلة:

شعر: العِيدُ الكَبِير

العيدُ ما العيدُ؟ إنَّ العيدَ مَعناهُمظاهرُ العيدِ ليستْ غيرَ زينتِهقد يفرحُ الناسُ في ثوبٍ وزَخرفةٍويَسعدُ المرءُ في جَمعٍ وبهرجةٍلكنَما العيدُ

نشاطات طائفية – العدد 153

التوصل لاتفاق هدنة في كسرى بعد البلاغ عن مقتل الشاب نجيب ركاد عبدالله من قرية كسرى، توجه فضيلة الشيخ موفق