الموقع قيد التحديث!

قصص تراثية تاريخية عن عيد الاضحى المبارك وسيدنا بهاء الدين عليه السلام

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
من كتاب شرع بإعداده قبل وفاته سيصدر قريبا إن شاء الله بعنوان: “الذاكرة الدرزية” وهو مشروع لجمع وتدوين ونشر قصص من تراث وتاريخ أهل التوحيد
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

من كان يجتمع في خلوته حوالي تسعين خاتما ليلة عيد الأضحى؟

كانت سُنة الشيخ علي الفارس (ر) أن يحيي الليل بالعبادة والصلاة، فلا تخونه غفلة ولا تغدر به غفوة. وقد درج على الذهاب إلى البئر المجاورة للخلوة كلما أحس بالنعاس، فينشل منها الماء، ويغسل وجهه ليعاود صلاته ومناجاته. غير أنه رأى ذلك يعوقه عن ذكر الله، وأخذ يحضر الماء عند المساء ويضعه في وعاء إلى جانبه، فإذا أحسّ بالنعاس، بلّل منديلا بالماء، ومسح به وجهه. لكن هذه المجاهدة وهذا السهر أرهقا جسده، فأخذ هذا الجسد يلحّ في طلب النوم، وأخذ هو يلحّ في المقاومة. ولكن الجسد كان في أحيان، يغلب إرادة الشيخ، فيطغى عليه النوم، غير ان الشيخ كان يعاود الصراع، فيصرع النوم حينا ويصرعه النوم حينا آخر. وبقي على هذه الحالة حتى جاء بحلقة أثبتها في سقف الغرفة، وجاء بحبل ربط طرفا من طرفيه في الحلقة، وربط الطرف الآخر في عنقه، حتى إذا أحنى النعاس رأسه، شدّه الحبل، فاستوى الرأس وذهب النعاس، وأحيا الشيخ ليله في العبادة والصلاة والمناجاة وإنشاد الشعر في حبيبه الملكوتيّ.

وقد روى ذلك فضيلة الشيخ أبو يوسف أمين طريف (ر)، نقلا عن السلف، أما الحلقة فهي الآن معلّقة في سقف إحدى الغرف في بيت المرحوم الشيخ ابي كامل سلمان طريف في قرية جولس. ويروي فضيلة الشيخ أمين (ر) عن السلف إنه كان يجتمع ليلة عيد الأضحى من كل عام حول الشيخ علي الفارس (ر) ما يقارب التسعين خاتما، يؤدون معه الصلوات ويحيون الليل في العبادة والابتهال وسماع الوعظ. 

المرجع: كتاب د. سامي مكارم: “الشيخ علي الفارس”، ص70

لماذا بعث الله سحابة ماطرة فوق مقام سيدنا بهاء الدين (ع) في إحدى الزيارات؟

يُعتبر مقام سيدنا بهاء الدين عليه السلام، إلى جانب مقام سيدنا سبلان عليه اسلام، أعلى وأجمل مقاميْن في البلاد حيث يشرفان على مناطق واسعة من البلاد، وقد منحهم الله وللسكان هناك النسيم العليل، والمناظر المبهجة، والشعور الطيّب. ومقام سيدنا بهاء الدين متواجد في قمّة جبل حيدر قرب بيت جن، وهو يحتوي على مغارة كان مولانا بها الدين (ع) يتعبّد فيها أثناء مكوثه في الجبل. وقد ورد في الأصول التوحيدية أن مولانا بهاء الدين (ع) كان فترة حاكما في دمشق، وكان يتجوّل في ربوع الموحّدين في بلاد الشام ووادي التيم والجليل، ولذلك توجد له عدّة مقامات. وقد نعمت قرية بيت جن بمكوث مولانا بهاء الدين إلى جانبها فترة من الزمن وأقيم شبه بناء في الموقع الذي مكث فيه. والجدير بالذكر أن سكان قرية بيت جن والزابود والبقيعة هم من الموحّدين الأوائل الذين تقبّلوا دعوة التوحيد، وعاشوا في هذه القرى وظلوا فيها حتى يومنا هذا. وقد قام السكّان بعد إغلاق الدعوة إلى تبنّي الموقع الذي عاش فيه مولانا بهاء الدين (ع)، واستعملوه للصلوات ولإيفاء النذور كأي مكان مقدّس آخر. وقد امتاز المكان بكثرة القصص عن الكرامات التي جرت فيه، وإحدى هذه القصص تقول: إنه في إحدى السنين أُجريت زيارة لإيفاء نذر لإحدى العائلات في القرية، وكان الفصل صيفا، والطقس حارّا، والناس يحصدون غلالهم في أراضيهم في المرج المترامي تحت أقدام الجبل. وقد قام أحد الشبان المتهوّرين، بمحاولة الاعتداء على ممتلكات المقام أثناء الزيارة، فما كان من الله سبحانه وتعالى، إلا أن أرسل سحابة سوداء ماطرة، حجبت نور الشمس، وأخذت السماء تبرق وترعد، وانهال سيل من بَرَد، ممّا دفع أصحاب النذر، إلى ترك القدور على النيران، والهروب نحو القرية، في حين كانت الشمس تلهب بحرّها ظهور الحصّادين على مرأى من المكان.

المرجع: مجلة “العمامة”

ما هي المهمة التي ألقيت على عاتق الداعي عمّار (ر)؟

عندما قامت حركة الرِّدة في وادي التيم بواسطة سُكيْن وزمرته، رأى بهاء الدين (ع) أن أحسن مَن ينفّذ مهمّة معالجة هذه الحركة هو الداعي عمار (ر)، فعرض عليه الأمر ولم يتردد أبدًا بقبولها. وقد ركب الداعي عمار فرسا من أجود الخيل وخرج منطلقا شمالا، حاملا رسالة إلى سكين من بهاء الدين عليه السلام. وكان القيِّمون على الدعوة قلقين بمصير الداعي عمّار، فأرسلوا بعده بيوم رسولا مساعدا ليتعقّب أخباره ويقدِّم له المساعدة إن احتاج. كان مجيء الداعي عمار الى وادي التيم في عام 418 هجري الموافق 1027 ميلادي، فقطع المسافة الشاسعة بين مصر ولبنان في وقت قصير، وحلّ في وادي التيم في قرية بكيفا عند الشيخ ابو الخير سلامة بن جندل، الذي كان ركنا من أركان الدعوة في منطقة وادي التيم، وكان قد سبق المقتنى بهاء الدين (ع) أن حل عليه ضيفا أثناء عودته من دمشق. وقد أطلع الداعي عمار الشيخ أبو الخير على المهمّة التي بُعث من أجلها، وكان الشيخ أبو الخير من أنصار التفاهم والحديث الودي السلمي، وليس من دعاة القتال، فنصح عمار باستبقاء سيفه عنده في بكيفا بقصد أن تكون المواجهة سلمية. كان سُكين مع الردّة مجتمعين في قرية الشعيرة، قرب كوكبة في وادي التيم الأعلى، وهي تبعد عن بكيفا حوالي خمسة أميال. ولمّا وصل الداعي الى الجماعة، وجدهم مجتمعين في منزل مرتد كبير يدعى حسين بن شبيب، وكان خبر مجيء الداعي عمار قد انتشر بين الناس، وعلم به كذلك المرتدّون، ولما وصل إلى المنزل، أعطى الداعي الرسالة إلى سكين، فاعتقدها هذا تقليدًا، وطلب من الرسول قراءتها بنفسه. وقف عمار أمام الجماعة، وأخذ يتلو عليهم رسالة مولاه، فأغاظهم مضمونها، وطلبوا إليه الكفّ عن القراءة فأبى إلا إكمال ما بدأه، لكي يبلّغ الرسالة حتى النهاية، إلا أنهم اعتدوا عليه بالضرب حتى اصطبغ بدمهن ولم يتوقّف حتى انتهت الرسالة، عندها ترك القرية وركب راحلته واتّجه جنوبا دون أن يعرّج على قرية بكيفا ليأخذ منها سيفه المودع عند أبي الخير. أما سُكين فلم يكترث بالرسالة، وإنما صمم على الشرّ، فاستدعى إليه جماعة من بني تميم مقامهم بلدة كفير العبس، انضموا الى عناصر الردة، فأمرهم باللحاق بعمار وقتله، فلحقوا به في ضواحي بلدة إبل السقي، وهناك أحاطوا به وقتلوه ونهبوا ما معه، ودفنوا جثته في إحدى الرجم المتواجدة هناك بكثرة، وعادوا إلى سيّدهم سكين، فسألهم هذا إن كانوا قد أحرقوا الجثة، وعندما أجابوا بالنفي، أمرهم بالرجوع حالا لحرقها، لأنها ستخلق لهم متاعب كثيرة إذا لم تُحرق. ولما عادوا إلى حيث ارتكبوا جريمتهم، وبدأوا بالبحث عن الجثة هنا وهناك، فلم يُوفّقوا بالعثور عليها، نظرا لكثرة الرُّجم وتشابهها في ذلك المكان. وبعد مدة من الزمن، كانت جماعة من الأعراب مارّة في تلك الأنحاء متجهة نحو البلاد الفلسطينية، وقرب إحدى الرُّجم ربضت ناقة من القافلة وأبت النهوض بالرغم من ضربها وزجرها، فانتبه أحد الأذكياء في القافلة إلى ذلك وقال لصحبه: فيما أرى أن في هذه الرجمة جثّة ولي صالح، دعونا نتحقّق من ذلك. ولما تأكّد لهم وجود الجثّة، قال الإعرابي: دعونا نحمِّل الناقة بالجثمان وندفنه في أول مكان تربض فيه. وسارت الناقة تحمل على ظهرها الحمل الثمين، حتى وصل القوم الى سهل الحولة، وفي مكان من ذلك السهل الفسيح ناخت الناقة وربضت من تلقاء نفسها، فأنزل الإعرابي الجثة، ودفنوها هناك، ثم تابعوا سيرهم. وكان أن اشتمّ المارة من أهالي القرى المجاورة رائحة تحلل الجثة، فدعوا ذلك المكان باسم الوقّاص ولا يزال اسمه حتى اليوم.

أما بالنسبة للأخيار في بكيفا الذين لم يستطيعوا مقابلة الداعي الشهيد عمار في حياته، وحُرموا من ان تتبارك أرضهم بجثمانه الطاهر فقد أقاموا له في قرية بكيفا مكان نزوله الأول أثرًا تذكاريا ما زال قائما حتى اليوم، وهناك مَن يعتقد أن سيف الداعي وكساءه اللذين أودعهما في منزل أبي الخير موجودان في المكان الذي أقيم فيه هذا الأثر. أما الرسول الذي أرسله المقتنى بهاء الدين (ع) ليلحق بعمار، فقد سار في أثره فكان عمار يترك القرية في الصباح، فيصله اللاحق به في المساء، حتى وصل اللاحق إلى ضواحي مدينة طبريا، وهناك أوقفته جماعة تأتمر بأمر سكين في قرية تُدعى السافرية، واحتُجز بها حوالي نصف شهر، ولما تحرّر كان القضاء قد نفذ بالداعي الشهيد عمار. ولا يزال القبر أثرا مقدسا عند الدروز حتى اليوم كما أن اطلال السافرية قائمة في موقع شمالي غربي مدينة طبريا.  

المرجع: كتاب “تاريخ وادي التيم والأقاليم المجاورة”، تأليف يحيى عمار، لبنان 1985

من هي الشخصية القدسية التي فضّت الخلاف بين أبي عروس وأبي الشبل؟

أبو عروس هو أحد أركان دعوة التوحيد في الجليل، وقد قام مع عدد من المشايخ الأفاضل والدعاة، بترسيخ الدعوة في قرى: جث، يركا، أبو سنان وجولس، وذلك تحت إشراف سيدنا الشيخ أبي السرايا غنايم (ر). وأبو الشبل هو داعية مشهور سكن قرية عين عاث، وهي قرية دارسة بالقرب من ساجور، وكان زعيمها، وهو الذي حظي بأوصاف مبجّلة، وتمّ توصية المشايخ باحترامه وتقديره لما هو عليه من الديانة والفضل. وكان الشيخ أبو الشبل قد سافر إلى مصر وعاش مع المقتنى (ع) برهة من الدهر، ثم عاد إلى مكانه بين أقرانه وانضم بعد ذلك إلى قافلة الواحات.  وكان لسيدنا أبو عروس (ر) الدور الفعّال في نشر تعاليم الدعوة التوحيدية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي. وقد عاش في قرية جث ولا يُعرف تاريخ وفاته، لكنه دُفن في الجهة الغربية من القرية، وأقيم إكراما له مقام فوق المغارة التي كان يتعبّد فيها. وتوجد شجرة سنديان ضخمة بجانب المقام معروفة حتى اليوم باسم شجرة سيدنا أبو عروس، وكان يجتمع تحتها مع إخوان الدين. وكانت بين الداعي أبي عروس (ر) وبين الشيخ أبي الشبل من ساجور صداقة ومودة، ثمّ حدث بينهما خلاف فأرسل مولانا بهاء الدين منشور آل تراب على يد الشيخ أبي الشبل (ر) يوصي فيه المشايخ بالصفاء والود وحفظ الإخوان، ويذكر فيه بصورة خاصة الشيخ أبو عروس (ر). وقد نوّه مولانا بهاء الدين (ع) بمنزلة آل تراب بين باقي الدعاة في الشرق الأوسط والعالم. وما زال مقام الشيخ أبي عروس قائما في قرية جت وبجانبه الشجرة الوارفة. أما ضريح أبي الشبل فلم يبق منه أي أثر.

مقالات ذات صلة: