الموقع قيد التحديث!

رحلة في عالم  الفيلسوف العالمي – فيثاغورس

بقلم الأستاذ مالك صلالحه
بيت جن
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

ما أروع أن ينهل الإنسان من ينابيع الحكمة والفلسفة والمعرفة، ليُحلّق بعدها في عالم الروحانيّات مبتعدًا، بل ومتنصّلًا من عالم الماديّات، الّذي طغى على حضارتنا، وجعلنا نلهث وراء السعادة، ونحن لا ندري أنّ السعادة هي في القناعة والاكتفاء بما لديك. إذ قيل: “اِعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا”، وكما جاء فيي الحديث القدسيّ: “يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب، وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب، فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُودًا، وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلّا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا”. ولذا علينا أن نعود إلى عالمنا الروحانيّ مبتعدين قدْر الإمكان عن عالمنا الماديّ.

وها نحن أمام كتاب (فيثاغوريات فيثاغورس) الّذي نقله للعربيّة المؤلّف شوقي داود تمراز – ينطا. من سلسلة الحقيقة الخالدة، الصادر عن دار الضحى للنشر -2002، بحجم متوسّط وبما يقارب 400 صفحة.

اذ ليس كلّ كتاب هو أهلٌ لأن نقتنيه ليُزيّن رفوف مكتبتنا ونفتخر بكونه من مخزون كنزنا الثقافيّ والمعرفيّ.

هذا الكتاب الذي يحتوي حِكَم الفيلسوف العالميّ الأعظم فيثاغورس حيث يقول المؤلّف في بداية الكتاب ناعتًا فيثاغورس بالنور الذي جاء ليضيء العالم، “وأن النور عندما ينبلج لا يمكن احتواؤه وحده بمكان، لأنّه أصل الزمان، وتقاس قيمة ولادة الكائن الإنسانيّ بمقدار ما أعطاه للبشريّة من علوّ ومعرفة وخير وحقّ وجمال، فأنار بهذه المبادئ الأساسيّة طريق المُستبصرين، ونعمت بها قلوب العارفين، وكان واضع أسس التقدّم العلميّ. الفلسفيّ، اللاهوتيّ، الأخلاقيّ، والثقافيّ في كلّ حقل.”

 كما قال نفس الكلام فيما بعد السيّد المسيح عليه السلام “أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إِلَى الْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ.” (يوحنا 12: 46).

يستعرض المؤلّف في كتابه آراء بعض المفكّرين في فيثاغورس أمثال:

ايمبودوكلس إذ قال عنه “إنّه كان الإنسان الذي وقّرته الفضيلة والحكمة في شبهٍ للآلهة”. وفابر دو اوليفر. وفلالفيوس جوزييفوس. وجايمس هاستينغ الذي قال: “من المؤكّد أنّ فيثاغورس يدعى أبو العلم”.  وهالي ووترز، وهيراقليطيس الذي قال عنه: ” الكلمات هذه لعابد الله، الإلهي فيثاغورس، الابن لمنيسارخوس في تقمُّصه العاشر، الهابط من السماء، من جني الآلهة. إنّها طريقة الحياة كما أعلنها فيثاغورس، الحامل للمشعل والحكيم”.

المؤلِّف يُقسّم كتابه إلى العديد من الفصول: الحكمة، طبيعتها وضروريتّها -النشوء والصورة – الروح والتحوّلات – الله وقانون الكون- الإنسان والحقيقة والدين والعبادة.

ثم يستعرض المؤلِّف أفكار الفيلسوف عن مبادئ الوجود، والفضيلة بوصفها نظامًا كونيًّا متناغمًا، ثم يُعرّج ليكتب عن علوم الأخلاق للحمْيَة ونظامها وعن سلام العقل وكيفيّة الوصول إليه، ثم يُبيّن ما قاله الفيلسوف العالميّ الأكبر والأعظم عن: العدل، والصداقة، والزواج والعائلة، والتناغم والتناسب.

ويتابع المؤلِّف ليستعرض أهميّة الموسيقى كغذاء للروح، ويعرض أمامنا آيات الفيلسوف الذهبيّة وألغازه وأحاجيه، متطرِّقًا إلى من جاء بعده من تلاميذه الفلاسفة ممّن تأثرّوا به وساروا على خطاه. مُبيّنًا عظمة فيثاغورس وشخصيّته الفوق بشريّة، الأقرب إلى الإله منها إلى البشريّة، ثم يتحدّث عن رحلات ودراسات الفيلسوف وعن مدرسته المشّائيّة وعن علم تحسين النسل والغذاء الصحيّ.. حيث يُشدّد على أهميّة النباتات كغذاء للإنسان، إذ يقول:

(يطلب الفيلسوف الابتعاد عن أكل اللحوم.. إذ أن فيثاغورس كان نباتيًّا إذ يُعدّ (أبو النباتيّة) يقول:

“من الأفضل للإنسان أن يعوّد نفسه على ألّا يأكل لحمًا على الإطلاق”. ثمّ يقول: ” كُل كي تعيش ولا تعش كي تأكل، وتحاشى النهم”

 فهو ولم يشرب الخمر والمسكرات أبدًا. ويُرفِد فصله الأخير عن المربّعات السحريّة الفيثاغوريّة. إذ أنّه هو واضع كلّ علوم الرياضيّات.

كما ينتقد الطغاة من الحكام فيقول” إن الذين يتباهون بالقوانين وينتهكون قدسيّة دساتير بلادهم، قد سُحبوا سحبًا إلى أعماق الانحطاط الفكريّ والأخلاقّي”

وقيل: “إنّه خطر أنْ تُعطي سيفًا لمجنون، والسلطة لرجل فاسق ومنحرف” ثم يضيف ويقول: “لهذا السبب تأمّل مليَّا بالأشياء الخمسة التي تُدمّر رجال الدولة، وتدمّرها إنها: الجشع، الطمع، الحسد، الغضب والتكبّر”. فهل هذا القول ينطبق على أيامنا هذه التي نعيشها اليوم؟!

كما كان فيثاغورس من دعاة حرّيّة المرأة وكرامتها، فحِفْظ كرامتها هو في تعليمها، كيف لا وهي الأمّ والزوجة والابنة، فقد” كان فيثاغورس المعلِّم اليونانيّ الأوّل الذي سمح للنساء بالدخول لمدرسته بحرّيّة تامّة، كالتي للرجال، لتلقّي العلوم الخاصّة، فقد وهبهن نوعًا من التعليم المناسب لجنسهن”. ويتابع فيقول: “أُعطِيَت الشهوات كي تكون مساعدات للعقل. من الضروريّ أن تكون خادمات له وليس سيداته. بالإضافة إلى ذلك، الشهوات الإنسانيّة ليست ثابتة أبدًا، بل هي متغيّرة على الدوام، حتّى اللامتناهي. لهذا السبب فإنّ تعليم الفتيات يجب أن يبدأ عند اللحظة المبكِّرة الممكنة”.

فيكون هذا الفيلسوف العالميّ قد سبق عصرنا الحاضر والحضاريّ بعدّة آلاف من السنين. “إذ لا يوجد إنسان نجح في تدبير الأمر لهكذا تأثير على الشعب في زمنه، كما فعله فيثاغورس، إنّ شهرته كانت شهرة عالميّة. فحضارة جديدة ارتفعت، نتيجة الإدراك لتصاميمه والثمرة لجهوده، إنّها كانت مدينته الحقيقيّة، التي لم تكن مجرّد كلمات مثبّت على الورق، بل حقيقة اجتماعيّة حقيقيّة. فحيثما ظهر فيثاغورس، أحيى العدل، النظام، والتناسق، حيث لم تكن هذه القيم توجد من قبل.”

إنّ هذا غيض من فيض من جواهر الحكم التي يفيض بها هذا المُجلّد.. لذا فإنّي انصح كلّ محبي المعرفة والحكمة والفضيلة أن يطّلعوا على هذا الكتاب النفيس ليقفوا عن كثب على ما في درٍّ من الحكم والمعرفة. ولنقتدي بما جاء في شعر إبراهيم طوقان: “أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ · فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي”.v

مقالات ذات صلة:

العدد 157 – تموز 2021

Share on whatsapp Share on skype Share on facebook Share on telegram لمشاهدة وتحميل العدد Pdf لجميع اصدارات المجلة