الموقع قيد التحديث!

ألف سنة من الروحانيات

بقلم الشيخ أبو صلاح رجا نصر الدين
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بالرغم من أن دعوة التوحيد الدرزية، جوبهت بعد نشرها بحروب ومحن، وبالرغم من أن الطائفة الدرزية، عانت خلال ألف سنة، من صراعات دامية مع جيرانها، ومع السلطات الحاكمة، التي طاردت أبناء الطائفة بسبب معتقداتهم، وبالرغم من أن المواطنين الدروز في كل أماكن تواجدهم في الشرق، تحمّلوا وطأة مستعمرين وغزاة ومحتلين، من بينهم إمبراطوريات عظيمة، بالرغم من كل ذلك، ومع انشغال أبناء الطائفة دائما بالدفاع عن الأرض والعرض والدين، وبالعمل من أجل تأمين لقمة العيش لأبنائهم، بالرغم من كل ذلك، ازدهرت الحياة الدينية والروحانية والعقائدية في أوساط الطائفة الدرزية، في أماكن تواجدها، وظهر من بينها، مشايخ وعلماء ومفكّرون، أعطوا الدين حقّه، ودعموا دعوة التوحيد، وزرعوا في نفوس المؤمنين، العقيدة الصحيحة، والنهج السليم، ممّا جعل دين التوحيد، يظل مصونا، مبجّلا، محافظا عليه طوال تلك الفترة كلها. لقد استقرّ المواطنون الموحدون، الذين تقبّلوا الدعوة في مناطق محدودة واضحة المعالم، هي أواسط وجنوب لبنان، بما في ذلك وادي التيم وشمالي وشرقي الجمهورية السورية، ومنطقة جبل الشيخ وشمالي فلسطين، وخاصة في جبال الجليل. ويمكن اعتبار هذه المنطقة منطقة نفوذ درزية، كانت غالبية الوقت محكومة من قِبل قبائل توحيدية درزية. فقد يسّر الله، سبحانه وتعالى إلى القبائل التنوخية، أن تحكم لبنان وشرقي سوريا وشمالي فلسطين، منذ الدعوة حتى بداية القرن السادس عشر. وقام التنوخيون أثناء حكمهم بالمحافظة على جمرة التوحيد، نضرة مزدهرة قوية، لكن ومع مرور الوقت، وبعد أن مرّت قرون على بث دعوة التوحيد واستقرارها في تلك المناطق، وعندما انكشف المواطنون الدروز لجيرانهم واختلطوا بهم، حصل بعض التراخي والفتور في العصبية التوحيدية، ولوحظ تراجع معيّن، فيسّر الله للموحدين الدروز، ظهور قداسة الأمير السيد عبد الله التنوخي، الذي جدّد تعاليم الدعوة، وشرح أصولها ومبادئها، ونشر في أوساط الموحدين، تعاليم مستمدّة من باطن الدعوة وأحيى مع جمهرة تلاميذه المبجّلين، روح التوحيد في نفوس المؤمنين، وعزّز بهم الشعور بالانتماء، وأصبح اثناء حياته مرشدا وهاديا لكل ما يتعلّق في أي موضوع من مواضيع الدعوة، وسجّل كل ملاحظاته وفتاويه، وترك لنا إرثا ضخما من الأصول والتعاليم والإرشادات، ما زلنا نعتمد عليه حتى أيامنا هذه، كمرجع مثبت أساسي له قيمته في دعوة التوحيد. وقد جاء بعد فترة، الشيخ الفاضل، محمد أبو هلال (ر) الذي ثبّت ورسّخ ووطّد تعاليم الأمير السيد (ق) والذي أكمل هذه الرسالة، فكانت له فتاو وإرشادات في أمور جديدة، نشأت مع الوقت، وكانت تتطلب مرجعا دينيا، ليبتّ ويحسم ويقرّر في مصيرها. وظهر في تلك الفترة، مؤرخ عريق مشهور، وضع أهم الكتب في تاريخ الطائفة الدرزية “عمدة العارفين” وهو الشيخ محمد الأشرفاني، الذي ترك لنا مرجعا تاريخيا دينيا قيّما، نستعين به ونستنير بفحواه. وفي تلك الحقبة انتُهج في لبنان، دور شيخ عقل الطائفة الدرزية، فتحوّلت الأمور المذهبية لإدارة ورعاية مشيخة العقل، وكان يتواجد في لبنان في وقت واحد أكثر من شيخ عقل واحد، وأحيانا كان يصل عددهم إلى ثلاثة مشايخ. وبعد تعمير جبل الدروز في حوران، برز فضيلة الشيخ إبراهيم الهجري الذي كان شخصية درزية لامعة واعتُبر أول شيخ عقل في الطائفة الدرزية لدروز سوريا. واستمرّت مشيخة العقل بعد ذلك في ذريته وبعد أن قوي جبل الدروز وتوسع وزاد عدد سكانه ظهرت حاجة لعدد أكبر من مشايخ العقل فعُيّن شيخ عقل من بيت الحناوي وكذلك من بيت جربوع وما زال ذلك سائدا حتى يومنا. وفي بلادنا ظهر فضيلة الشيخ علي الفارس (ر) كشخصية دينية مرموقة وشاعر فذّ وفي عهده تسلّمت الرئاسة الروحية عائلة طريف وما زالت هذه الوظيفة تنتقل في العائلة من جيل إلى جيل حتى برز في عهدنا فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف الذي مكث خمسة وستين سنة رئيسا روحيا للطائفة في البلاد وانتُخب في وقت لاحق شيخ الجزيرة، وأوصى بعد رحيله بتعيين حفيده، فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف، رعاه الله . وفي العصر الحديث برزت في المنطقة شخصيات دينية لامعة مثل الشيخ أبو محمد جواد (ر) والشيخ أبو حسن عارف حلاوي والشيخ الجرمقاني وغيرهم من مشايخ الدين الأفاضل الذين تعتز بهم الطائفة الدرزية على أمد الدهر. ويسعدني أن أتقدم بالتهاني لجميع أبناء الطائفة الدرزية في البلاد وخارجها بمناسبة الزيارة السنوية لسيدنا الخضر (ع) أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات.

مقالات ذات صلة: