الموقع قيد التحديث!

شخصية من بلدي.. الشيخ صالح أسعد طراد بحصاص

بقلم السيد توفيق حلبي
دالية الكرمل
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

من مواليد قرية امتان في جبل الدروز بتاريخ 20\04\1924

تقدُّمه في السن، وبعض الوهن، لم يفقده القدرة على سرد قصص عاصرها، وأحداث كان شاهدًا على جزء منها، سبق للبعض أن كتب عنها في السابق. قابلته في منزله، واستمعتُ إليه وإلى حديثه الشيّق، هو الشيخ صالح أسعد طراد بحصاص من مواليد قرية امتان في جبل الدروز في سوريا بتاريخ 20\04\1924، يقترب من سن المئة، أمدّ الله في عمره، ويقيم منذ عقود طويلة في قرية دالية الكرمل، وعاش معظم سنوات حياته فيها قبل قيام الدولة، في عهد الانتداب البريطاني وما تخلّله من صراعات وخلافات بين العائلات والقرى المختلفة في المنطقة، والعصابات التي نشطت في حينه وقامت بمضايقة السكان، وبعد قيام دولة إسرائيل ليكون ويبقى شاهدًا على كل التطوّرات التي طرأت في المنطقة منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا. في هذه المقالة القصيرة، سوف أسلِّط الضوء على جزء بسيط ممّا عاشه الشيخ صالح بحصاص، والذي يجسِّد ويمثِّل الواقع الدرزي، والبيئة التوحيديّة، والمصير المشترك لجميع أبناء التوحيد في الفترة التي سبقت عام 1948.

بداية قصّة الشيخ صالح بحصاص التي سردها أمام كاميراتنا كانت في العام 1914، في الفترة التي بدأت تنتشر فيها ظواهر الحرب العالمية الأولى في منطقتنا حيث شرعت السلطات العثمانيّة تغزو القرى، بما فيها قرى الكرمل، لتجنيد شبابها للخدمة العسكريّة القصريّة، ممّا أضطرّ عدد من الإخوة أبناء علي قاسم الحلبي، الذي عُرف بعلي الشاويش، للانتقال من دالية الكرمل إلى جبل الدروز، مع أمّهم وأختهم زمرّد وبعض أقاربهم من عائلتي عوض الحلبي وحمزة الحلبي، قاصدين قرية امتان في جبل الدروز، حيث قوبلوا بالترحاب والتأهيل في تلك القرية، من قبل عائلة بحصاص وقد نزلوا عندهم.

وفي تلك الحقبة الزمنيّة، يقول الشيخ صالح بحصاص، شكّل جبل الدروز الذي استقلّ عن الحكم العثماني، وامتنع أبناؤه عن الخدمة العسكريّة في الجيش العثماني، ملجأ وملاذا للشباب الدروز من الجليل والكرمل، وأماكن أخرى الذين رفضوا الالتحاق بالخدمة العسكريّة في الجيش التركي، وبالتالي تجنبّوا زجّهم في الحرب العالميّة الأولى التي اندلعت آنذاك.

بعد وصول عائلة قاسم الحلبي مع العائلات الأخرى إلى قرية امتان يضيف الشيخ أبو طراد صالح واستقرارها لدى عائلة بحصاص تزوّجت الأخت زمرّد في حينه من أسعد طراد بحصاص وأنجبت ثلاثة أولاد: محمود، يوسف وصالح. وبعد ولادة صالح بفترة قصيرة تُوفي والدهم أسعد. وقد تغيّرت الأحوال وتبدّلت في حينه حيث انكسرت الدولة العثمانيّة، واحتلت فرنسا سوريا، ونشبت الثورة السوريّة الكبرى التي كان للدروز دور محوري فيها، وتردّت الأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة في الجبل، ممّا اضطّر الإخوة أبناء علي قاسم الحلبي، إلى اتّخاذ قرار بالرجوع إلى بلدهم، وعندما علمت أختهم زمرّد أم الأولاد بقرارهم هذا، تساءلت كيف تتركوني لوحدي، فأخبروها بأنها ستذهب هي والأولاد معهم. ولمّا علم أعمام الأولاد والأقارب بالأمر، توجهوا للأمّ وأخبروها بأنّهم لن يسمحوا لها بأن تصطحب الأولاد معها. وبعد جدال طويل سمحوا لها بالعودة مع ابنها صالح إلى دالية الكرمل لصغر سنه، حيث كان رجوعهم عام 1925 وعمره لا يتجاوز العام والنصف ليعيش ويكبر مع أمه وأخواله.

ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، لا يزال الشيخ أبو طراد صالح بحصاص الذي تجاوز ال 98 من العمر يعيش في قرية دالية الكرمل، بين أسرته الكريمة، وأقربائه ومعارفه، ويتذكّر ويحنّ إلى أهله وأقربائه في قرية امتان في جبل الدروز، وقد حاول بعد أن كبر أن يعود إلى سوريا إلى أهله، إلّا أنّه لم ينجح في تحقيق ذلك، خصوصًا وأن المعابر قد أُغلقت بعد نشوب حرب 1948 فاستقرّ في دالية الكرمل وتزوّج ابنة خاله مزيد، وأنجب أولاده الذين ما زالوا يسكنون في دالية الكرمل وهم طراد، أسعد، فؤاد، جواد، أحمد، زياد وفرحة.

وخلال حديثه عن قرية دالية الكرمل في عهد الانتداب، أشار الشيخ صالح إلى أن سكان القرية كانوا يعملون في ثلاثة مجالات شكّلت مصادر رزق للسكّان وهي الفلاحة والحصيد، تربية المواشي والمشاحر لصنع الفحم، وأن قسمًا من السكّان كانوا يملكون ويفلحون الأراضي في منطقة المنصورة ويبيتون فيها، وبسبب كثرة أعمال السلب والنهب آنذاك اضطُّر السكاّن إلى حراسة البيوت والأملاك والمواشي، وخصوصًا في ساعات الليل، حيث وصل عدد الحرّاس في قرية دالية الكرمل في حينه إلى 70 حارسًا تعاونوا للحفاظ على أمن السكاّن ومنع أعمال النهب والسلب والسرقة. ورغم الخلافات الشديدة التي كانت تطفو على السطح أحيانًا بين العائلات في القرية إلّا أنّهم ذهبوا جميعًا إلى الخلوة الوحيدة التي كانت في القرية، والتي شكّلت أحيانا مكانًا ليس فقط للعبادة والتعبد والصلاة، وإنّما لتصافي النفوس والقلوب والتقارب والوحدة.

مقالات ذات صلة:

استحضار الأرواح

استحضار الأرواح Necromancy, Spiritism)) ظاهرة شبه علميّة نشأت في منتصف القرن التاسع عشر، وانتشرت في العالم بعد ذلك، وأعلن بموجبها

تاريخ العمامة

تاريخ العمامة العمامة هي جزء من الزي الديني للشيخ الدرزي، لكنها هي أكثر من ذلك، لأنها أصبحت مع الوقت رمزا