الموقع قيد التحديث!

“نِعم الأخ والصديق والمرشد والكاتب والمفكِّر والمبدع..”

بقلم عضو الكنيست السابق أمل نصر الدين – دالية الكرمل
رئيس مؤسّسة الشهيد الدرزيّ والكلّيّة قبل العسكريّة
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

في ذكرى الأستاذ الشيخ سميح ناطور ..

 تعجز الكلمات، ويصمت اللسان، لتتكلّم المشاعر والقلوب لدى الكتابة، أو الحديث عن رفيق دربي وأخي وصديقي المرحوم الشيخ أبو وسام سميح ناطور، الّذي رحل عنّا قبل عاميْن ونصف العام، وهو في أوج عطائه، ونحن في أمسّ الحاجة له ولفكره الفريد، وقدراته الهائلة، ولإنتاجه الغزير، الّذي كرّسه لرفعة مجتمعه وطائفته ودولته. لقد كان شيخنا الراحل أبو وسام    خير قدوة ومثالًا يُحتذى بهما،

 ونحن في هذا الموقف الحقّ تمتلئ قلوبنا حسرة على فقداننا للشيخ سميح الّذي حمل رسالة وأمجاد طائفة بأكملها، وبالرغم من هول الحدث، نتعوّض بأبنائه الّذين يحذون حذوه، ويواصلون دربه، ويعملون بجهد ونشاط على حفظ إرثه وذكرياته المأثورة التي تركها لنا، والّتي لن ننساها لأهمّية معانيها، وقيمتها الثقافيّة، والأدبيّة، والعلميّة.

وكما يعلم القاصي والداني، لقد كان المرحوم الشيخ سميح ناطور كاتبًا ومؤرِّخًا يُشار إليه بالبنان، ومحطّ ثقة واعتماد، أصدر عشرات الكتب الذين كانوا ولا زالوا يشكّلون النور الّذي يضيء طريق الكبار والصغار والشباب والشابات، إذ كان بالنسبة لهم المعلِّم والمرشد الذي حاول بشتّى الطرق إكسابهم العلم والمعرفة للأفضل من خلال كتاباته المتنوِّعة ومحاضراته الغنيّة الّتي القى بها بصوت جهور واضح، بثقة تامّة، وبمعرفة واسعة، وبتواضع كبير، وحظيت باهتمام منقطع النظير في صفوف الحضور.

 وممّا لا شكّ فيه، ومن معرفتي القريبة به، فقد كانت مجلّة “العمامة” التي تعنى بشؤون الطائفة الدرزيّة والتي أطلقها في العام 1982 الأكثر تحبُّباً على قلب الشيخ أبي وسام، خصوصاً وأنّه وضع أمام القارئ مجلّة غزيرة المضامين، تعزِّز الرؤية والتفكير والانتماء عند جميع المواطنين خصوصًا أبناء الجيل الصاعد، إذ شكّلت مجلّة “العمامة” مصدر معلومات حياتيّة للأمور الدينيّة بشكل خاصّ، والدنيويّة بشكل عامّ، لما تضمّنته من معلومات قيّمة بحدّ ذاتها.

وبحكم كون الشيخ سميح المبادر لوجود مجلة “العمامة”، فقد ترأّس إدارتها، وجعل منها قاعدة تنطلق من على صفحاتها المعلومات التي أشادت في مواقف القياديين القويمة، التي تخدم المجتمع والطائفة والدولة، وأبرزتها ليستعين فيها القرّاء في الكرمل والجليل وفي أماكن عديدة أخرى.

إنّ الحزن والأسى لا يفارقان إدارة بيت الشهيد الدرزي وكلية “كيرم ايل” قبل العسكريّة الّتي أتبوّأ رئاستهما، على فقدان الراحل الشيخ سميح، عَلم الكتابة والإرشاد والثقافة، خصوصًا وأنّنا كنّا نلتقي يوميًّا لنتبادل الآراء، ونناقش المواضيع المختلفة ذات الاهتمام المشترك، حتّى نصل للصيغة المطلوبة والمتّفق عليها، وننجز سويّة أعمالًا هامّة لخدمة مجتمعنا وطائفتنا. أمّا على الصعيد الشخصيّ أقولها بصراحة وبصدق نحن لا زلنا نتذكّر نشاطه وأعماله وإنجازاته الّتي لا تُعدّ ولا تُحصى، وخصوصًا تلك التي عادت بفائدة كبيرة على مجتمعنا، وسدّت الفراغ القائم الذي عانت منه الطائفة الدرزية في حينه، وعادت لتعانيه منذ رحيل الشيخ سميح الذي كان صديقًا مخلصًا يتحلّى بصدق كلامه، وأمانته وحكمته والتزامه بحبّ الإخوان.

لقد فقدتُ الأخ الذي أمطرني بمحبّة وإخلاص، وزوّدني باحترامه وتقديره الشديديْن لمؤسّسة بيت الشهيد الدرزيّ والكلّيّة ما قبل العسكريّة اللتيْن حقّقتا فائدة ومكاسب وإنجازات مهمّة لجميع مواطني الكرمل والجليل على حدّ سواء، وقد كان الشيخ سميح صاحب رغبة شديدة للاطّلاع على كافّة نشاطاتنا، ومعرفة مدى نجاح أعمالنا ولم يتوانّ في التعبير عن الشكر وفي تشجيعنا على القيام بأيّ مشروع لخدمة أبناء طائفتنا، وخصوصًا في كلّ ما يتعلّق بموضوع التعليم والتراث لإحياء ذكرى الشهداء الأبرار، خصوصًا وأنّنا كنّا نحترم آراءه لأنّها كانت ترتكز على الواقع، وبعيدة كلّ البُعد عن السياسة الداخليّة والخارجيّة. جدير بالذكر في هذا المقام بأن العلاقة والصداقة المميّزة الّتي جمعت بيني وبين المرحوم أبي وسام قد استمرّت على مدار عشرات السنين دون أن يشوبها أيّ خلاف يعكّر صفوها أو يزعج الأصدقاء. في الختام إنني لا أعترض على مشيئة الله، لكنّك يا أبا وسام رحلت مبكّرًا والكثيرون لا يزالون في أمسّ الحاجة إليك، عزاؤنا بما خلّفت من إرث ثقافيّ وحضاريّ كبير، ومن أسرة وأبناء محترمين يمتازون بأخلاق حميدة وبثقافة عالية يواصلون السير على هديك ودربك، أشد على أياديهم وأطلب منهم الاستمرار في تحقيق رغبة والدهم وإحياء ذكره ثقافيًّا وعلميًّا من خلال مجلّة “العمامة” الّتي أصدرتها وأدرتها، وهي تحتلّ الصدارة في الإعلام الدرزيّ وأصبحت مطلوبة عند المشايخ والشباب. نِعم الأخ والصديق والمرشد والكاتب والمبدع كنتَ، وعلى ذلك نشهد لك جميعًا، رحمة الله عليك أخي أبو وسام.

مقالات ذات صلة: