الموقع قيد التحديث!

العقيدة التوحيدية عند الحلاج

بقلم الأستاذ بسام نايف زهر الدين
من كتابه “مناهج العابدين في سير الأولياء الصالحين
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

مذهب الحلاج في التوحيد، هو أن الذات الإلهية وراء الإدراك وفوق التصوّر، لا ينالها البصر، ولا يدركها الفكر، وكل ما يصف به الناس ربّهم فإنما يصفون به أنفسهم.

والعقل الإنساني، لا يدرك الله سبحانه، فالوجد وحده هو الذي يدرك الله تعالى، وجذبة الوجد وحرقة الحبّ هما طريق الوصول لله سبحانه، وهو سبحانه غير محدود فلا يوجد وجودا حقيقيًّا سواه.  وهذا الوجود الطاهر للعالم، متصل بالله اتّصالا يجعل إدراك الله متعذّرًا! يقول: “وما انفصلت البشرية عنه، ولا اتّصلت به”. والوحدة التي تأتي في كلمات الحلاّج، ليست من الحلول، ولا من الاتحاد ولا من وحدة الوجود. فالحلاّج يفرّق بين الله والعالم، ولكنه يرى-كما يرى الصوفية جميعا-أن هذا العالم الظاهر لا وجود له حقًّا، وإنما الوجود الحق لله، فليس هو العالَم ولا العالَم هو لأن العالَم لا وجود له.

فالله سبحانه ليس في العالَم، ولا العالم خلو منه، ليس محدودا فيه، وليس خارجه، فما العالم إلاّ تجلّيه، فهو في كل مكان وليس في مكان، في كل جهة وليس له جهة، وكما يقول الحلاّج في مواجيده: “أين أنت؟ وأيّ مكان لست فيه؟”.

…ويقول السَّلمي في حقائق التفسير: سئل الحسين بن منصور هل ذكره أحد على الحقيقة؟ فقال: ليس له دراك، ولا لغيبه هناك، له من الأسماء معناه، والحروف مجراها “إن الحروف مبدوعة، والأنفاس مصنوعة، والحروف قول القائل.  رجع الوصف إلى الوصف، وعمي العقل عن الفهم، والفهم عن الدرك، والدرك عن الاستنباط، وانتهى المخلوق إلى مثله”. ويقول مسعود الواسطي: “سمعتُ الحسين بن منصور يقول لإبراهيم بن فاتك، وأنا أسمع: “يا أبا إبراهيم، إنّ الله تعالى لا تحيط به القلوب، ولا تدركه البصار، ولا تمسكه الأماكن، ولا تحويه الجهات، ولا يتصوّر في الأوهام، ولا يتخايل للفكر، ولا يدخل تحت كيف، ولا يُنعت بالشرح والوصف، ولا تتحرّك، ولا تسكن، ولا تتنفّس إلاّ وهو معك فانظر كيف تعيش”. ويروي الكلاباذي عن الحلاّج قوله: الباري من المكوّنات معروف بهجوم العقل عليه، والحق أعزّ من أن تهجم العقول عليه، وأنه عرّفنا نفسه أنه ربّنا، فقال: “ألستُ بربّكم”، ولم يثل مَن أنا، فتهجم العقول عليه حين بدا معرّفًا، فبذلك انفرد عن العقول، وتنزّه عن التحصيل غير الإثبات”.  ومن وراء أستار الغيب يقول الحلاّج:

“هذا وجودي وتصريحي ومعتقدي هذا توحيدُ توحيدي وإيماني
هذا عبارة أهل الانفراد به ذُرى المعاني في سرٍّ وإعلانِ
هذا وجودٌ وجود الواجدين له بني التجانس أصحابي وخلاّني”



الحلاج: أبو مغيث، الحسين بن منصور الحلاج (858 -922 م) فيلسوف وزاهد متصوف. أصله من بلاد فارس، من بلدة الطور شمالي مدينة البيضاء. كان جده زرادشتيا واعتنق الإسلام. نشأ بواسط في العراق، وانتقل إلى البصرة وبغداد. التحق بسهل التستري وأخذ عنه الاعتزال. وفي البصرة تلقى مبدأ التصوف عن عمرو بن عثمان المكي، وأبو بكر الشبلي، والجنيد وغيرهم. وتزوج في البصرة من أم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع البصري. حج إلى مكة وبقي في حالة صوم وصمت لمدة سنة. وقام بالحج مرة أخرى واتبع طريقة خاصة في التوحيد وعبادة الخالق، فتبعه أناس كثيرون، وكان يتنقل من مكان لآخر، يبث عقيدته ومبادئه في الزهد والتقوى والصوفية الحقة. ووصل الهند وكشمير والأهواز وغيرها. استقر في بغداد يدعو فيها ويعظ. أثارت أقواله غضب فقهاء وغلاة السنة. وشى به البعض للخليفة المقتدر العباسي، فهرب لكن قبض عليه فسجن وعذب وضرب، وهو يتحمل كل ذلك بالصبر الشديد. قطعت أطرافه ثم حز رأسه وأحرقت جثته ورميت في مياه دجلة. نُسبت إليه عشرات الكتب ووُضعت عنه كتب كثيرة تبحث في شخصيته وأفكاره وسلوكه. (عن موسوعة التوحيد الدرزية)

مقالات ذات صلة: