الموقع قيد التحديث!

الطائفة الدرزية من الإقليمية إلى الأممية

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئيس الروحي للطائفة الدرزية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد ابتهجت الطائفة الدرزية في الآونة الأخيرة، بتحرير المختطفات والمختطفين من النساء والأولاد، بعد أن قتل المجرمون المختطِفون بعضا منهم، بالإضافة إلى العملية الإجرامية الكبرى، التي وقعت في الخامس والعشرين من شهر تموز، وذهب ضحيتها حوالي 300 مواطنا ومواطنة أبرياء، من سكان جبل الدروز. لكن نتعزى ونفخر ونرفع رؤوسنا، أولا بالاستنفار الشبابي الهائل، الذي وقع يوم الحادث، حيث تجمّع خلال ساعات، حوالي خمسين ألف مقاتل درزي، واستطاعوا صد العدوان، والقضاء على المتسللين، وعدم إفساح المجال لهم، أن يحققوا أمنيتهم، باحتلال مساحات من الجبل، مثلما فعلوا في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.

 وكان مصدر هذا الانجاز ، والحمد لله، يكمن في روح البطولة وحرارة الغيرة، التي تتوهّج في نفوس شبابنا في جبل الدروز، والتي بدأت جذورها قبل مئات السنين، وهي تبرز للعيان في كل مرّة يهدد الجبل أي معتدٍ أو خطر خارجي. ويعود الفضل في ذلك، أولا إلى الرعاية الربانية، التي تحقّق غالبا الانتصار لأبناء التوحيد، وثانيا إلى بطولة وبسالة شباب الجبل، ويقظتهم، وانتباههم، وحرصهم المستمر على الدفاع، عن كل شبر من الجبل الأشم. وثالثا إلى التاريخ الناصع لسكان الجبل، أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، وفي كل مكان، الذين يهبّون فقط للقتال للدفاع عن أنفسهم، وعن بيوتهم، وعن أفراد عائلاتهم. والتاريخ يشهد أنه لم تكن حتى الآن، أي حملة عدائية، أو أي مبادرة تهجمية قام بها الدروز، إنما دأب الدروز باستمرار على الدفاع عن أعراضهم، وأهل بيتهم ومقدساتهم، وكان الله معهم والنصر حليفهم.

أما بالنسبة للمختطَفين، فقد كان الأمر معقدا جدا. وقد تطلب الأمر من أجل حل مشكلتهم، بذل مساعٍ دولية مع عدة مصادر من خارج سوريا. وقمنا هنا، بالسعي والعمل لدى القوى العالمية، التي ربطنا معها علاقات تواصل وصداقة في الآونة الأخيرة، وشرحنا لها، أن الدروز هم قوم لا يعتدون على أحد أبدا، وليس في تاريخهم أو برامجهم الحالية، أي مخطط لاحتلال منطقة، أو استيطان مواقع، أو حتى الإعلان عن شبه كيان مستقل. فالدروز قوم آلوا على أنفسهم، خلال مئات سنوات تواجدهم، أن يحموا عائلاتهم، ودينهم، وبيوتهم، وأن يقوموا فقط بعمليات دفاعية، ولا يبادروا لأي حملة أو حركة ليس لها دوافع وأسباب مقنعة، تعطي مصداقية لتحركهم العسكري.

 وجدير هنا بالقول، إن الجندي الدرزي، إذا اقتنع وآمن بأنه صاحب حق، وأنه يدافع عن أعز ما لديه، فإنه يستميت في المعركة، ولا يحسب أي حساب، وهدفه هو صد الهجوم، وإبعاد الخطر، وعودة الحياة في المجتمع الدرزي المهاجَم إلى أوضاعها الطبيعية. وقد كان التقسيم الوظيفي في البيت الدرزي، طوال تواجد الدروز، هو أن الرجل يحارب ويعمل في أيام السلم، لتوفير معيشة العائلة، أي أنه مسئول عن الأمور الخارجية، والعلاقات مع باقي الأسر والمحيط. بينما تركّزت وظيفة المرأة في تربية الأولاد، والاهتمام بهم، والعمل على توفير كل شيء من أجلهم. وكانت المرأة الدرزية على مرّ التاريخ، بارعة في أداء واجبها، وصقل شخصية الأولاد، وتربيتهم حسب القيم والمناقب الدرزية الأصيلة. ولهذا، فعندما يُدعى الأب للقتال، يذهب إلى المعركة، وهو مطمئن كل الاطمئنان، أنه مهما حدث له، فإن أولاده وعائلته بخير، بسبب اهتمام زوجته بذلك. ومن هنا استبسل المقاتلون الدروز دائما، الذين قلّما كانوا يحاربون في جيش نظامي، وإنما كانوا يدعون فجأة للقتال، فيلبّون النداء ويحقّقون النصر.

ولهذا، وعندما اجتاحت شرذمة داعش، قرى جبل الدروز في عملية غدر مخطّطة ومرتّبة، بحيث اطمأن السكان بأن النظام قد تسلّم الحماية، لكن الواقع كان يختلف، فلم يكن هناك من يحمي البيوت الدرزية إلا الدروز أنفسهم. وقد تمّ خلال ساعات، القضاء على كل العناصر الغريبة، وقتل المئات منهم، بالرغم من أن عددا من الأطفال والنساء تم اختطافهم. وعلينا أن نذكر، أن حركة داعش، اجتاحت مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، وظهرت بأقبح صورة لأشرس حيوان، وكانت تحتل، وتستولي، وتقتل، وتغتصب، وتشرّد، وتفعل كل الموبقات، إلا هنا في الجبل والحمد لله.

ومنذ بدأت الحرب الأهلية في سوريا، عزّ علينا أن يهان إخواننا في جبل الدروز، فقد بلغت هذه الحرب درجات غير مسبوقة من الدمار، والفظاظة، والتنكيل، ورأينا بفخر واعتزاز، صمود أهلنا في الجبل، وقررنا دعمهم ومساعدتهم عن طريق المنظمات الدولية، فيسّر لنا الله، سبحانه وتعالى، أن نصل إلى الحكومات التي تقرر مصير هذه الحرب، وأن نشرح مكانة ومواقف الطائفة الدرزية، وأن نضمن، ألا يصاب إخواننا بسوء.

واليوم، وبعد أن تمّ تحرير بقية المختطفات والمختطفين، نحمد الله، سبحانه وتعالى، على ما يسّر لنا، ونشكر رزانة وتفكير ومسئولية مشايخنا وزعمائنا في جبل الدروز، ونحيي قادتنا ومشايخنا من دروز لبنان، ونبعث بتحية خاصة إلى إخواننا الدروز في المهاجر، الذين التقينا بهم في السنوات الأخيرة، وأثبتوا أنهم ما زالوا مصممين، ومتشبثين، ومتمسكين، بجمرة التوحيد، بالرغم من بعدهم عن الوطن. ومرّة أخرى، نشاهد أن الله، سبحانه وتعالى، ينشل أهل التوحيد، من براثن أعداء بلا ضمير، ولا رحمة، ولا مسئولية. تحياتنا لجميع أهل التوحيد في كل مكان، وشكرنا لكل من كان له أي ضلع، صغير أو كبير، أو أي مساهمة في الحفاظ على كرامة وعزة إخواننا في جبل الدروز.   

مقالات ذات صلة:

مقامات سيدنا بهاء الدين (ع)

لقد نشأت الدعوة التوحيدية الدرزية في مستهل القرن الحادي عشر، وقامت بحركة إصلاحية ثورية هائلة، لم تأخذ حقها من التاريخ،