الموقع قيد التحديث!

القيادة الدينية الدرزية بتقواها وإيمانها وفضائلها هي الغلاف الواقي للطائفة الدرزية على مر العصور

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

فقدنا في الآونة الأخيرة فضيلة المرحوم الشيخ أبو عدنان ركان الأطرش، أحد أبناء الجبل الأشم، وأحد القادة الشامخين في مسيرة التوحيد الدرزية، وأحد الزعماء المتدينين، الذين ألهبوا ببساطتهم وتواضعهم وحياتهم اليومية، أهم الفضائل والمناقب والمُثل العليا في تاريخ الطائفة الدرزية، وحافظوا بذلك على استمرارية دعوة التوحيد، وعلى التعامل السليم مع الجمهور، وعلى تقرّب أبناء التوحيد.

لقد نشأتُ وكبرتُ في بيت يقدّر ويحترم رجال الدين، ويطلب صفو خاطرهم دائما، ويقوّي العلاقة بين رجال الدين المحترمين، وبين القادة السياسيين، ورجال العلم والزمنيين، الذين أرشدوا الطائفة الدرزية وأوصلوها إلى بر النجاة. وأذكر عندما كنتُ صغيرا في الثلاثينات من القرن الماضي، أني كنتُ أسمع في العائلة وأرى استعدادات غير عادية، والحديث عن قدوم ضيف عزيز كبير لزيارة العائلة والقرية، والكل يتحدّث برهبة وتقدير واحترام. وجاء الضيف، وحلّ في بيت زعيم العائلة آنذاك، الشيخ صالح خطيب نصر الدين، وامتلأ البيت بالضيوف، واجتمعت وفود كاملة ترحّب به. وكان ضيفنا فضيلة الشيخ حسين حمادة، شيخ عقل الطائفة الدرزية آنذاك في لبنان. ولكثرة ما تحدّثوا عنه أمامي، تسلّقتُ الشباك لأشاهده عن قرب، وكأنه مخلوق غريب، ورأيت أمامي رجلا وقورا محترما، يتحدث ببلاغة ووضوح، ويجلس معه مشايخ ووجهاء ذوو هيبة وتقدير واحترام، وسمعتهم يتحدثون كثيرا عن الطائفة الدرزية وعراقتها. وأعجبني هذا المنظر، وأليتُ على نفسي، أني مهما أصل في المستقبل إلى درجة يجب أن اقبّل يد رجل الدين، وأن احترمه وأقدّره، لأنّه يمثّل كافّة الفضائل التوحيدية العريقة.

 وزار بعد ذلك وفد كبير من جبل الدروز، برئاسة وزير الدفاع في سوريا، عبد الغفار باشا الأطرش، وباشتراك البطل حمزة درويش، والأمير زيد الأطرش، يرافقهم رجال دين وشخصيات من بلادنا، فزاد احترامي وتقديري لرجال الدين وللقادة والزعماء. وفي أواسط الأربعينات، حلّ في بلادنا فضيلة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ أمين طريف، وقام بزيارة بعض البيوت، ومنهم بيت والدي، فانتهزت الفرصة وألقيت كلمة ترحيب أمامه، ثم قبّلت يده مع باقي المشايخ الآخرين، وتعمّقت في نفسي محبة المشايخ الكبار وتأييدهم.

وفي الخمسينات تسلّمتُ وظيفة مدير قسم الجنود المسرّحين في الهستدروت، وكنت على علاقة طيّبة بقيادة حزب مباي، وتعرّفت عن كثب على كبار مشايخ الطائفة، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ أمين طريف، والمشايخ لبيب أبو ركن، حسين عليان، سلمان طريف، أحمد خير، كمال معدي وغيرهم، وكذلك الوجهاء المشايخ، صالح خنيفس، جبر معدي، فرحان طريف، يوسف مُلا، عبد الله خير، وغيرهم.  وبعد حرب الأيام الستة، التقيت بزعماء هضبة الجولان من المشايخ والوجهاء. وعندما انتُخبتُ للكنيست علم 1977 وكنتُ مقرّبا من رئيس الحكومة السيد مناحيم بيغن، ومفوَّضا من قبله أن أعمل على رفع مستوى الطائفة الدرزية في كافة الدوائر والمجالات، وقد أصرّيت أن يكون فضيلة الشيخ أمين طريف والهيئة الروحية الدرزية، في صدارة كل قرار، وكل نشاط يليق بمركزهم.

 وبعد أن اجتاحت إسرائيل الحدود اللبنانية، وتم اللقاء بين دروز إسرائيل ودروز لبنان، حصلت على تفويض من ريس الحكومة، أن أعمل هناك باسمه لمصلحة الطائفة الدرزية هناك، فعملنا الكثير، وكان أول لقاءاتي بفضيلة الشيخ جمال الدين شجاع، شيخ البياضة وقد رتّبنا أول زيارة لمشايخ البلاد، بقيادة فضيلة الشيخ أمين طريف إلى البياضة الزاهرة. وبعد ذلك، ذهبت إلى الشوف، والتقيت بعمالقة التوحيد، وفي مقدمتهم المشايخ الأفاضل: أبو حسن عارف حلاوي، أبو محمد جواد، أبو نبيه محمد أبو شقرا، أبو محمد صالح العنداري، أبو يوسف شهيب، أبو حسيب أسعد الصايغ، أبو عفيف وغيرهم. واجتمعت في أول الأمر بالزعيم الكبير الأمير مجيد أرسلان والنائب قحطان بك حمادة، ونسّقتُ كافة الأمور بين الأمير والمشايخ الأفاضل، من أجل مصلحة أبناء الطائفة هناك. وقد بلغنا الذروة، عندما نجحنا في عقد راية الصلح بين مشايخ لبنان، وذلك تحت رعاية فضيلة شيخ الجزيرة، الشيح أبو يوسف أمين طريف، في حين عجز زعماء سوريا ولبنان في ذلك الوقت في تحقيق هذه الصلحة، التي كانت عاملا أساسيا جوهريا في انتصار الدروز في لبنان على أعدائهم الموارنة في حرب الشوف ونجحت بعقد اتفاق بين قادة الجيش الإسرائيلي وبين قادة الطائفة الدرزية.

وهكذا استمرّيت في تقديري وتجيلي واحترامي واهتمامي بالمشايخ الأفاضل، حيث أني عملت وأعمل دائما من منطلق توحيدي درزيي، يقدّس مصالح الطائفة الدرزية، ويعتبرها أهم وأكبر وأعلا من كل مصلحة شخصية أو هدف ذاتي. وعندما تمّ الاتفاق على توقيع معادة سلام بين مصر وإسرائيل في واشنطن، طلب مني رئيس الحكومة، السيد بيغن أن أكون عضوا في وفد السلام الإسرائيلي، فرفضت ذلك، وقلت إني بلباسي العادي لا يميّزني أحد كدرزي، وأطلب أن يكون الممثل الدرزي شيخا، وبسبب أوضاع فضيلة الشيخ أمين الصحية، اخترت الشيخ نور الدين حلبي، ليرافق الوفد، فبرز هناك بالعمامة وفرض احترام الدروز أمام جميع وسائل الأعلام وقادة أمريكا وأمام الرأي العام.

وقد عملت طوال حياتي، وسعيت إلى رفع شأن رجال الدين، فكانت العادة في السابق، أن يقوم زعماء الدروز بزيارة رئيس الدولة، ليقدم لهم مباركته بعيد الأضحى المبارك. وعندما انتُخبت للكنيست، غيّرت هذا النهج، وطلبت أن يقوم رئيس الحكومة، ورئيس الدولة، ورئيس الكنيست، ورئيس محكمة العدل العليا والوزراء، بزيارة الرئيس الروحي للطائفة في المناسبات الدرزية الرسمية. وما زال هذا النهج سائرا حتى اليوم. وقد التقيت في حياتي بمئات المشايخ الأفاضل، ورجال الدين الكرام، وكنت أعتز وأفتخر بكل عمامة، وبكل وجه ديني مشرق، وكنت أقول لزملائي من خارج الطائفة الدرزية، إن القيادة الدينية الدرزية، هي بتقواها وإيمانها وفضائلها، الغلاف الواقي للطائفة الدرزية على مر العصور وهم الذين اتخذوا القرار التاريخي الذي ابقانا في قرانا وساهموا في إحلال التفاهم لمصلحة الطائفة الدرزية والدولة بينهم وبين اقطاب الدولة.



مع مرور عام على وفاة المرحوم الكاتب مصباح حلبي: صورة تاريخية لرئيس الحكومة الأول السيد دافيد بن غوريون في زيارة لدالية الكرمل لبيت المرحوم بحضور السيد امل نصر الدين والمرحوم الشيخ جبر معدي

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفيّة – العدد 158

فضيلة الشّيخ يهنّئ البروفيسور سلمان زرقا بعد تعيينه منسّقًا لمكافحة الكورونا بعد الإعلان الرّسميّ عن تعيين البروفيسور سلمان زرقا منسّقًا

المرحوم الكاتب معين حاطوم

انتقل إلى رحمته تعالى في قرية دالية الكرمل الكاتب معين حاطوم عن عمر يناهز الخامسة والستين عاما وجرت له جنازة