الموقع قيد التحديث!

ويتعانق الكرمل وجبل الشيخ.. ما بين عسفيا وحاصبيا..

بقلم د. جبر أبو ركن
عسفيا
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

امتدت ثورة سلطان باشا ضد الفرنسيين زمن الانتداب الفرنسي من جبل الدروز الى وادي التيم وحاصبيا وراشيا في جنوب لبنان. (1925-1927). ولإخماد الثورة قامت الطائرات الفرنسية بقصف تجمعات الثوار في القرى ومن بينها حاصبيا. بقي المحاربون من الرجال في البلدة للدفاع عنها وأرسلوا النساء والصغار لاجئين الى القرى الدرزية البعيدة عن الحرب في الجليل والكرمل. وبعضهم نزل عند الزعماء والمخاتير. ومن بين اللاجئين الذين نزلوا ومكثوا في دار جدي الشيخ حسين حمزة ابوركن في عسفيا (كان مختار البلدة بين السنوات 1895-1916 وابنه الشيخ مزيد ابوركن بين السنوات 1927-1932). ام فاطمة بديعه شروف الحمرا زوجة الشيخ محمد الحمرا من مشايخ البياضة. واخت الشيخ ابو قاسم محمود شروف مختار حاصبيا خلال سنوات الخمسين والستين في القرن العشرين. وصديق أخوي للأمير مجيد ارسلان. ومن بين ابناء الشيخ حسين ابوركن كان الشيخ شكيب شابا أعزب في العشرينات من عمره. وكان اخوته (مزيد وزيدان وزايد وريدان واديب ولبيب وزايده) يلحون عليه بالزواج. وكان يجيبهم: اتزوج عندما تأتي العروس الى الدار. وكانت الحرب دائرة على الارض والتقادير تدير دولاب القسمة والنصيب في الاعالي. وعندما رأى الشاب شكيب فاطمة بنت محمد وبديعة الحمرا (وكانت صبية يانعة وجميلة ومتدينة عمرها 17 عاما تقريبا) في دار اهله ووقع نظره عليها. قال لأهله وإخوته: هذه الفتاة التي انتظرها واريدها زوجة لي. وهكذا كان. ساقها القدر من منحدرات جبل الشيخ وبلدة حاصبيا الى الكرمل لبلدة عسفيا حيث كان النصيب ينتظرها في دار المختار وفازت بابن المختار لا أكثر ولا أقل. ومن حظ ابن المختار شكيب ان أرسل له الله تعالى والقدر صبية تلائمه وأحبها واحبته من اول نظرة من بلاد التوحيد والإيمان والبياضة واهل حاصبيا الكرام. نجت من الحرب وقصف الطيران الفرنسي لحاصبيا وبقوة الايمان وتقادير الرحمن وبركة ودعاء مشايخ البياضة الأعيان. وصلت الى بر الامان وبدأت حياتها الجديدة لتكمل مسيرتها من حاصبيا وجبل الشيخ. الى عسفيا وجبل الكرمل. ودارت رحى الحرب بدون سلام في الشرق الاوسط سنة 1948 بين العرب واسرائيل وأُغلِقت الحدود بينهم وكذلك الحدود بين لبنان واسرائيل. وكانت مدة انقطاع عن الاهل والاصول والجذور بسبب الحرب والصراع. بالنسبة لأم فاطمة بديعة شروف الحمرا وابنتها فاطمة ابوركن التي انشأت مع زوجها أبو حسين شكيب أبو ركن بيتا وأسرة في عسفيا الكرملية. وعادت رحى الحرب تدور وتشعل النار والدمار سنة 1982 في شمال اسرائيل وجنوب لبنان. واصبحت امكانية التواصل وزيارة الاهل والاقارب في حاصبيا ممكنة وقريبة وتحوّل الحلم الى واقع. توفيت بديعة وابنتها فاطمة في سنوات الستين في عسفيا. اما أفراد أسرتها فقد زادهم الشوق الى زيارة ولقاء اهل، وأفراد، وأقرباء والدتهم وجدتهم. وحصل اللقاء والاجتماع المؤثّر جدا بين الاقارب والاهل بعد انقطاع عشرات السنين. هنا كان جمع الشمل والاهل وتوحيد افراد العائلة والاقارب. وليس لجوء وتشريد كما كان سنة 1927. الحرب وعدم السلم بين المد والجزر. بين الحرب وهدنة وحرب. وهكذا دواليك في الشرق الاوسط. صراع مستمر ومتقطع بين دول وشعوب وديانات وسياسات وزعماء وقوميات وانتماءات وتاريخ ورواسب حضارات. في إحدى زياراتنا للأقارب والاهل في حاصبيا سنة 1983. سافرنا لزيارة قريبة لنا من جهة والدتنا وجدتنا كانت تعيش في بلدة ابل قرب حاصبيا في جنوب لبنان. اوقفتنا في الحاجز قوة عسكرية من قوات حفظ الامن التابع للأمم المتحدة لمنع التعديات والقتل والعنف بين الطوائف في تلك المناطق انذاك. طلب منا الجنود والحراس الهوية او جواز سفر. منعونا من الدخول لأننا نحمل هوية إسرائيلية. ولم يقبلوا طلباتنا وتبريراتنا وبأننا اقارب واهل. وبعد نقاش حاد ورفض حوالي نصف ساعة. تقدّمت مشيا نحو الحاجز الصخري والشريط الشوكي وصرخت على الجنود (من قوة حفظ الامن النرويجية التابعة للأمم المتحدة): انا اريد الدخول بالقوة ان شئتم او أبيتم. اريد زيارة قريبتي التي لا اعرفها لأني ولدت في اسرائيل بعد 1948. وما زلت احلم بهذا اللقاء لأهل واقارب لا اعرفهم. وانا لا اشَكِّل خطرا على أحد. لا عليكم ولا على لبنان وسكانه ولا على اسرائيل. لا يجوز ولا يمكنكم منعنا من عمل انساني واجتماعي وعائلي ولمِّ الشمل المنقطع منذ عشرات السنين. لا اخاف من البندقية والرصاص. لماذا توجه البندقية نحوي. انا لست محاربا ولا معتديا ولا مخربا ولا ضدكم ولا ضد أحد. سوف اقفز فوق الحاجز والشريط. قال الضابط المسؤول: انتظر لاتصل مع قائد المنطقة ليأتي الى هنا. وبعد زمن قصير. جاء القائد الكبير. وفحص الموضوع وأعدت الكلام عليه. وأضفت: وظيفتكم يا حضرة الجنرال المحافظة على الامن ومشكورين على ذلك. ونحن نريد الامن والسلام مثلكم. وطلبنا انساني محض فقط. مليء بالعاطفة والمحبة والشوق للقاء جزء من اهلنا وجذورنا ودمنا وكياننا حيث منعتنا الحروب البغيضة والمدمرة من تحقيق أحلامنا سابقا. وان كنت تشك في كلامي هذا، تفضل رافقنا انت وجنودك الى بلدة ابل لعند عائلة منذر حيث قاصدين رؤية قريبتنا واهلنا لأول مرّة في حياتنا وتاريخنا. بعد دقائق اتصل مع مسؤولين اخرين. وقال: طيّب. موافق بشروط. اولها تفتيش أسلحة ان كانت معكم او في سياراتكم. وبعدها اسافر انا وفرقتي في الاول وتسافروا وراءنا. تنفسنا الصعداء والحمد لله. الفرج قريب وربنا كبير وعلى الله المستعان. وصلنا الى ابل ونزلنا بجانب منازل اهلنا واقاربنا وخرجوا لملاقاتنا بالترحاب والسلام والبكاء والفرحة وتحوّل الحلم والخيال الى واقع وحقيقة امامنا. لحظات ودقائق لا تُنسى ولا يمحيها الزمن. نظرت الى الوراء لسيارات القائد وجنوده وعندما رأوا هذا المشهد العاطفي والتاريخي بالنسبة لنا. اداروا سياراتهم وتركوا المكان لأهله يتابعون الكلام ويفيض معه الشوق والحنان. وهكذا تم فصل المحبة والتوحيد والعناق وانتصر على التشريد والفراق. وأُسدِل الستار على مشهد اخر من لعبة الحرب بدون سلم. ومعظمها بلا معرفة ولا علم. تأتينا من رب التقادير مصدر المعرفة والعلم والفهم.

مقالات ذات صلة:

المرحوم الدكتور ذياب غانم

(1963-2020) لم يستطع المحرر المسؤول لمجلة “العمامة” المرحوم الشيخ أبو وسام سميح ناطور في ليلته الأخيرة أن يخلد الى النوم