الموقع قيد التحديث!

وأيّ بوصلةٍ أخلاقيّةٍ أكثر هدىً من عيد الأضحى المبارك ..

بقلم سماحة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة ورئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ها هو عيدُ الأضحى المبارك يحلّ علينا ضيفًا عزيزًا، بعد سنةٍ كاملةٍ على زيارته الأخيرة. يطلّ علينا بنسائم جمعِه وبركته، ويسألنا عمّا صنعناه وقدّمناهُ خلال هذه السّنة في سبيل تطهير النّفس وتحسين المجتمع وبناء الإنسان.

كحالنا ونهجنا المتواتر في كلّ عامٍ، نستقبل هذا الزّائر الكريم بعد أيّام العشر الفضيلة، هذه الأيّام الرّوحانيّة الّتي هي في الحقيقة فرصةٌ حقيقيّة لطرق باب الخلوات، وسبيلٌ لتجديد التّوبة والرّجوع إلى الله، بعد محاسبة النّفس والذّات والتّدقيق في النّيّات والأعمال.

نستقبله، بكلّ ما أوتينا من روحانيّةٍ وفرحةٍ، ونحنُ على أُهبة التذكّر والاستعداد، من أجل إحياء تُراثنا التّوحيديّ المعروفيّ، عبر زياراتٍ أخويّةٍ يتبادلها الأهلُ والمعارفُ كدلالةٍ على المحبّة والمشاركة والاتّحاد، لنستعيد معها تقاليدنا الشّريفةَ الموروثة، والّتي هي منبعُ كلّ خيرٍ، وعنوان كلّ فضلٍ وتقدّم أصليّ حقيقيّ.

هذا التّقدّم الّذي يضمنُ للإنسانِ المؤمنِ وصولَهُ إلى السّعادة الحقيقيّة. هذه السّعادةُ الّتي يتعبُ المرءُ في سبيل البحثِ عنها وهي في حقيقةِ الأمرِ مودوعةٌ فيه، مغروسةٌ في قلبه، تتلخّصُ بتبنّي الأخلاقيّات الإنسانيّة الفوق دينيّة، تلك الّتي دعت إليها جميعُ المذاهب والأديان والمعتقدات، مثل محبّة الإنسان لأخيه الإنسان، وفتح باب الحوار البنّاء المتسامح في التّعامل والتّعاطي مع الغير، بغير تمييزٍ دينيّ أو عرقيّ أو لونيّ.

وأيّ بوصلةٍ أخلاقيّةٍ أكثر هدىً من عيد الأضحى المبارك، الّذي يذكّرنا بالواجب الأكبر الملقى على عاقتنا نحنُ البشر، ألا وهو التّضحية، الّتي هيّ أمّ الفضائل وأرقى الخصال، بين شيخ يضحّي بشهواتِ دنياه ونفسِهِ من أجل رضى ربّه، وبين دارسٍ يضحّي بشباب عمره من أجل التّعلّمِ وبناء مستقبلٍ أفضلٍ لنا جميعًا!

نعم أيّها الإخوة، فلا تقدّم لمجتمع بلا تضحيةٍ، ولا دوام لطائفةٍ أو لدين دون تمسّكٍ بالعادات، والرّجوع إلى الثّوابت الحقيقيّة والأصول، تلك الّتي صارت تهدّدها رياحُ التّغيير الأعمى والتّنصّل من الماضي والتّراث والتّاريخ.

عليه، ومع حلول عيد الأضحى المبارك، ندعوكم جميعًا لنجعله عيدًا نعودُ به إلى ذواتنا، وننير معه مشاعل قيمنا الإنسانيّة منها والتّوحيديّة، لنكون بذلك قد أدّينا أمانَة التّضحية الشّريفة الّتي طالبَ بها الأنبياء والمرسلون، ونادى إليها الفلاسفةُ والمفكّرون.

في هذه المناسبة، نتوجّه إليكم جميعًا أيّها الأهل الكرام، وندعوكم لنعيد لهذا العيد نهجَه التّراثيّ المتوارث، في زيارات نحملُ معها المحبّة ونوزّعها بين البيوت، وفي طيّ لصفحات الماضي، وتصفية للقلوب من الضّغينة والمشاحنات والاختلاف في المواقف والأفكار، وامتناع عن استعمال العنف والمفرقعات، أو تبنّي الزّخارف والمظاهر السّطحيّة عديمة القيمة، والّتي التصقت بشكلٍ دخيلٍ وخاطئ بعادات هذا العيد المبارك المقدّس.

كم هي جليلةٌ هذه المطالب في ظلّ ما صرنا نعيشه للأسف من انتشار مقلقٍ لوباء العنف المستشري، والانزلاق الأعمى الأثيم نحو مهاوي الجهل والتّخلّف والعصبيّة، شاهدين ارتفاعًا مقلقًا لأيادي الفتن والظّلام، الّتي صار القتل عندها تجارة ورفعُ السّلاح مهارة، ضاربين عرضَ الحائط ما حرّمه الله من الإفك والقتل والتّعدّي والأذى، ومتناسين مغبّة الغضب الرّبّاني والاجتماعيّ على راسميه وفاعليه في الدّنيا والآخرة. الأمر الّذي صحتّم علينا أن نقف وقفة المجتمع الواحد الموحّد، لنقود ثورةً اجتماعيّةً نجتثّ فيها العنف والإجرام، وننبذ كلّ من يتعامل معه أو يتعاطف مع أصحابه ومتّبعيه. فقط هكذا نستطيعُ استرجاع الأمن الّذي صار مفقودًا في بلداتنا وحاراتنا، الّتي صارت تعجّ يوميًّا بوابلٍ من الدّماء والدّموع.

قبل الختام، وبأملٍ معقودٍ في القلوب لغدٍ مشرقٍ أفضل، لا بدّ لنا في هذه المناسبة أن نتوجّه إلى إخواننا أبناء الطّائفة الدّرزيّة في دول العالم أجمع، مخصّين بمباركتنا وسلامنا، أهلنا في لبنان، سوريا والأردن ودول المهجر، وسط مناشدتنا لهم بوحدة الكلمة، وقوّة الصّف، والتّلاحم بعيدًا عن الخلافات والتوتّرات، وذلك من أجل مصلحة الطّائفة وأبنائها في كلّ مكان.

كذلك نتقدّم بأسمى آيات التّبريكات والتّهاني إلى جميع أبناء الأمّة الإسلاميّة في كلّ مكان، راجين لحُجّاج بيت الله الحرام حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، ولجميع المعيّدين من جميع الطّوائف بدوام السّعادة والتّوفيق.

ببركةِ هذه اللّيالي العشر المباركة، ومعاني هذا العيد السّعيد الشّريف، نبتهلُ إلى الله تبارك وتعالى أن يعود هذا العيدُ علينا وعليكم، والجميع في صحّةٍ وعافيةٍ وهدأة بال، مبتهلين إليه جلّ وعلا بانقشاع غمام الحروب والظّلم عن شرقنا الحبيب والعالم أجمع، ليحلّ من بعدها السّلام المنتظر، ويجتمع على المحبّةِ كلُّ البشر.

أضحاكم مبارك وكلّ عام وأنتم بألف خير!

مقالات ذات صلة: