الموقع قيد التحديث!

نساء صوفيّات

بقلم كرميلا فؤاد حلبي – دالية الكرمل
دارسة للماجستير في الأدب العربيّ – جامعة حيفا معلّمة ومرشدة للغّة العربيّة في المدارس الابتدائيّة
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

شهدَ التـَّأريخُ الإسلاميّ العَدِيد مِن النّسَاء اللّوَاتِي ارتـَقـَين مَدارج المعرفة الرّبَانيّة والنّفحاتِ الرّحمانيَّـة، بيد أنّ الخطـاب الدِّينِي القدِيم والمعَاصر كانَ ولا يزالُ قائمًا على تمجيدِ الرِّجَال الّذِينَ كانَ لهُم أدوارٌ بارزةٌ فِي التّرَاث الإسلاميّ، دون الخَوض في إسهَامَات النّسَاء، باِعتبارِ كَونِهّنَ عَارفـَاتٍ وشَيخَاتٍ مُربِّيَاتٍ جَليلات، وهَذا هو السّبب السوّغ وراء كتابة هذه المقالة.

هل تركتِ النّساءُ المتصوّفاتُ مدارسَ صوفيّةً نسائيّةً على غِرارِ ما تركهُ المتصوّفونَ الرّجال، ولماذا اِتَّسم تناول تأريخ المتصوّفاتِ “بِالَّشخصَنة”، فدارَ الحديثُ حولَ شخصِ المتصوِّفةِ دون ذكرِ صِلتها بمعلّمٍ، أخذت عنهُ العلمَ، أو تلميذٍ تَتلمَذَ على يدِها، وهذا بخلاف ما جاءَت بِهِ كُتب التّراجمِ والمصادر والأبحاث حول المتصوّفينَ الرِّجالِ، إذْ يستطيعُ النّاظر في السّير والمراجعَ الصّوفيَّة، قراءة نماذجَ تزخَرُ بنساءٍ صوفيَّات، استَطَعنَ تشكيلَ مدارسَ، أشهرهنّ رَابعة العَدوية العارِفة بالله، التي أَرسَتْ أَحدَ أشهَر المــَذاهبِ الصُّوفيَّة، ألا وهو مذهب الحبّ الإلهيّ، الّذي يَقـُوم فِي جَوهَرهِ عَلى إِخلاص القلبِ لله وَحْدَهُ، بعيدًا عَن الخَوف مِن النـَّار أو الطّمَع في الجَنـّة.

ولا شكّ أنّ شهرةَ رَابعة العَدوية وسيرتها، قد أحتلّتْ حَيّزًا واسعًا في الكتب ومحافِلِ الذّكرِ، وباتتْ معروفةً عندَ كلِّ من سَبَرَ أَغوار أدب التّصوّف، وبناء عليه، رأَيتُ أن أذهبَ نحو نساءٍ لم يحظَينَ بشهرة بين ظهرانينا.

فاطمة النَّيسابوريّة:

كانت من عَارفَاتِ خُراسان الكِبار. أثنى عليها أَبو يَزيد البسطاميّ، وسأَلها ذو النُّون عن مسائلَ، وكانت مجاورة بمكّة، تتكلَّمُ في فَهمِ القرآنِ، لم يكنْ في زمَانهَا في النِّساءِ مثلهَا. وحينَ سُئِلَ ذو النّونِ عَنهَا، قال: هي وَليّةٌ مِن أَولياءِ اللهِ، وهي أُستاذي.

رقيّة بنت الحاجّ العايش اليعقوبية:

أديبةٌ فقيهةٌ عارفةٌ باللّغةِ والتّفسيرِ والشِّعرِ والسّيرِة النَّبويّة وأسرارِ الحروفِ والأسماءِ، درسَ عندَها الرِّجالُ والنِّساءُ، خاصّة التّفسير، حيث كانت تتوخّى أسبابَ النّزولِ وعلوم القرآن، وقد توفّيت أوائل القرن الرّابع عشر الهجريّ.

عائشة بنت إبراهيم الصّديق:

كانت مُتحدّثةً ورعةً زَاهِدةً، كانت تُلقّنُ النّساءَ، وقد أَقرَأت عددًا مِنهُنَّ، وخَتَمْنَ عليها وانتفعن بها. قال عَنها اِبن كثير: “إنّهَا كانت عديمةُ النَّظيرِ لكثرةِ عِبادتها، وحُسنِ تأديتِها للقُرآنِ، وَهيَ في ذلك تُفَضَّلُ على كثيرٍ منَ الرِّجالِ”.

هجيمة بنت حُيي الأوصابيّة الدّمشقيّة:

الفقيهةُ الزّاهدةُ المــُتقشّفةُ العالمةُ واسـعةُ الاطّلاع، عُرِفَت بوَفرةِ العقلِ وحدّةِ الذّكاءِ. روتِ الكثيرَ عن أَبي الدَرداءَ وسَلمانِ الفارسيِّ، وروى عنْهَا جبير بن نفير وابن أَخيها مَهدي بن عبد الرَّحمن، ومولاها أَبو عمران الأنـصاريّ، وروى لهــَا أَيضًا مُسلم وأَبو داوود والتَّرمذي وابن ماجه.

عائشة بنت أَحمد بن عبد الله:

عابدةٌ متصوّفةٌ من مراكشَ، ذات اجتهاد في الصّيامِ والصّلاةِ، أخذتْ علمهَا عن الشِّيخ محمّد بن عبد االله الغزواني، وكان الشّيخ الغزواني يَسألُ عنها الفقراءَ الواردينَ عليهِ بمراكش، ويأمرهم بِزِيارَتِها، وقد هدى االله على يـديها خلقًا كثيرًا، وكانَ النّاسُ يحتَمونَ بِحماها، فلا يردُّ أحـدٌ شفاعتها، لما يعلمونَ من بركتها وصدق أحوالها مع االله.

فتحون العابدة:

المتصوّفةُ الصَّالحةُ الّتي أَخذ عنها أبو عبداالله محمّد بن عبد الـرّحمن سـيّدي بصريّ، إِمام المسجدِ الأعظمِ، لها روضةٌ برأسِ التَّاجِ، وَتعرفُ أَيضًا بمريم بنـت عبّود الأندلسيّة.

 شبكة البصريّة:

كانت صاحبة أَخيها الورع، وكانَ في بَيتِها سراديبَ لتلامِذتها وللمــُريداتِ، تُعلّمهنّ طرقَ المجاهدات والمعاملةِ.

عائشة العدويّة:

هِي مِن رَبَّاتِ الصّلاحِ والعبادةِ، كانت ذات أَحوالٍ ومكاشفاتٍ واستغراقٍ في ذات االله، وانهِماكٍ في محبَّةِ الرَّسولِ، أخذتْ عن أبي العبّاس أَحمد بن الخضراء، وَانتَفَعَ بِهَا أَهلُ مِكنـاس، ويعتبَرُ قبرها من أشهر المـزارات.

عائشة بنت يوسف بـن أَحمد بن ناصر الدّين الباعونيّة:

 عالمةٌ جليلـةٌ وأديبـةٌ وشاعرةٌ ذات دينٍ وصلاحٍ، معروفةٌ في التَّصوف، عُرِفَت أيضًا بعائـشة الباعونيّة الدّمشقيّة. تنسّكت على يدِ السّيّد الجليلِ إسماعيل الخوارزميّ، ثمّ على يدِ الخليفة المحيويّ يحيى الأرميّ. نُقِلَت إلى القاهرةِ، وحَصَدت فيها حظًّا وافرًا من العلومِ، حتّى أُجيزت بالإفتاء والتّدريس، ثمّ أخذت في التـّأليفِ، حـتّى اجتمع لديها طائفةٌ من الكتب والرّسائلِ والقصائدِ، فأَلّفت “الفتح الحقيّ من منح التّلقّي”، وهي مجموعة إنشاءات صوفيّة ومعارف ذوقيّة، وأَلَّفت أيـضًا كتاب “الإرشادات الخفيّة في المنازل العليّة”، وهي أرجوزة اختصرت فيها منازل السّائرين للهرويّ، وأرجوزة أُخرى لخّصت فيها “القول البـديع في الصّلاة على الشّفيع” للسّخاوي وغير ذلـك. لا بدّ من التّنويه إلى أنّ ما جاء في هذه المقالة، هو غيضٌ من فيضٍ، وكشفٌ عن بعض الأسماء الّتي زخر بها التّاريخ الإسلاميّ فقهًا وتصوّفًا، وهنا دعوة للقارئ نحو التّنقيب في سماء العلم، ليقطف من رياض المعرفة، ويقتدي بمن سلف من أهل الفضل والفضيلة.

مقالات ذات صلة: